هل لترامب مبدأ؟* أ.د. غانم النجار
النشرة الدولية –
المبدأ الرئاسي الأميركي، أو ما يسمى president’s doctrine، باختصار شديد، هو الأهداف والتوجهات التي يصوغها الرئيس المرتبطة بالأمن القومي والسياسة الخارجية. وأغلب مبادئ الرؤساء تلك ارتبطت بحقبة الحرب الباردة، كمبدأ مونرو، أو ترومان أو كارتر أو ريغان، إلا أنه صار معتاداً البحث عن مبدأ للرئيس حتى بعد انقضاء الحرب الباردة.
ومع أن البحث عن “مبدأ” للرئيس ترامب هو كالبحث عن إبرة في كومة قش، فإن المحاولات استمرت بعد مرور سنتين على رئاسته لتركيب عجلة ما على مسار ما. يحاول “الترامبيون”، وضع كم المتناقضات، والفوضى، في سياق نظري متسق، للقول إن كم العبث، والتناقض، والعنصرية، لها مرتكزات نظرية للمستقبل، والقضاء على النظام الدولي القائم، ليخرج منه نظام شعبوي فيه الخير للجميع.
وأبرز تلك المحاولات ما نشرته قبل أيام “فورين بوليسي” لمايكل أنتون نائب مساعد الرئيس في مجلس الأمن القومي الأميركي حتى أبريل 2018.
ويعترف أنتون بصعوبة تركيب مبدأ لترامب، فهو ليس من المحافظين الجدد، وليس محافظاً صريحاً، كما أنه ليس واقعياً تقليدياً، وليس ليبرالياً كونياً، وليس من الحمائم ولا من الصقور، ليس منغلقاً، وليس مع التدخل، مما خلق لبساً في فهمه.
وفي محاولته تلك بدا أنتون عاطفياً، فتجاوز “مبدأ الرئيس” البراجماتي، ليضع له تركيبة نظرية نافخاً عمقاً فلسفياً، مستخدماً بانتقائية مفرطة النتاج الفكري العالمي، من أرسطو إلى مونتسكيو إلى ميكيافيللي وغيرهم، ليعلن أخيراً إعجابه بمنطق الباحث الإسرائيلي يورام حازوني، في كتابه “فضيلة القومية”.
واعتبر أنتون أن مبدأ ترامب أعمق مما يبدو عليه سلوكه المتناقض، فهو يرى إعادة صياغة العلاقات الدولية انطلاقاً من التمسك بالقومية، وبالتالي شعار “إعادة أميركا عظيمة”، كأن الولايات المتحدة دولة من العالم الثالث، وأن ما يقوم به ترامب يجد صداه في فرنسا وتمرد “السترات الصفراء”، و”بريكست” بريطانيا، وانغلاق هنغاريا، وبولندا وغيرها.
ويؤكد أنتون أن مبدأ الاندفاع إلى القومية هو بحد ذاته يمثل عودة إلى الطبيعة البشرية، التي ترى مصلحتها في قوميتها، بدلاً من خلق أشكال وهمية مكلفة ولا حاجة لها، مخادعة كالاتحاد الأوروبي، أو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأن العالم مقبل على تبني مبدأ ترامب، وتبني القومية المصلحية، وفي ذلك مصلحة للعالم كله، وتغيير لمبادئ استقرت عليها العلاقات الدولية منذ زمن.
مبدأ ترامب، حسب أنتون، ليس إلا دعوة لسلفية سياسية جديدة، ستغير العالم الذي سيعود إلى جذوره وطبيعته، والانتماء إلى القومية، والتعامل المصلحي، بدلاً من عملية الزيف والخداع التي تمارسها النخبة السياسية في أميركا والغرب، وتتماهى معها الصين لكي تضعفها.
إن كنا قد تعاملنا مع تصرفات الرئيس ترامب على أنها مجموعة من أفعال وتصرفات لا ترابط بينها، وأغلبها يعاني تناقضاً داخلياً وعدم تماسك، وسلوكيات تستهدف البقاء في السلطة عبر استدعاء النعرات العنصرية، فها نحن أمام محاولة إلباس ذلك السلوك العبثي تماسكاً نظرياً باستخدام الفكر السياسي السائد التقليدي، وتركيبه على نقائض وأنقاض العالم.
إن كان ذلك حقيقة، ولا أظنه كذلك، فهو بالتحديد نقطة تدمير للعالم أكثر مما هو مدمر.
الجريدة الكويتية