تحذيرات ماكرون من الإسلام السياسي: إدراك للخطر أم مجرد انفعال عابر؟* د. نجاة السعيد

النشرة الدولية –

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن الإسلام السياسي يمثل تهديدا ويسعى للانعزال عن الجمهورية الفرنسية. وقد ذكرت إيرينا تسوكرمان باحثة في الشؤون الأمنية، أن ماكرون كان ماهرا في توجيه انتقاده للإسلام السياسي وليس “المسلمين العاديين”.

فرق ماكرون بين الإسلام السياسي والتنظيمات المتطرفة الإرهابية عن المسلمين المؤمنين بالعقيدة، وبالتالي قطع الطريق على المتشدقين بكلمة الإسلاموفوبيا من المتطرفين المنتمين لجماعات الإسلام السياسي الذين يهاجمون من ينتقد أعمال القتل والتخريب بوصفه مهاجم للإسلام، واليساريين الغربيين الذين لا يختلفون عن المتطرفين الإسلاميين كثيرا بالمراوغة لكن لأهداف سياسية مختلفة تحسب لصالحهم بأنهم الطرف الأكثر تسامحا.

إن عدم توحيد صفوف قادة الفكر والساسة في الغرب على مدى خطورة الإسلام السياسي هي من أهم الأسباب في ازدياد الإرهاب في المنطقة العربية الإسلامية وحتى عالميا.

الحرب على الإرهاب لن تنجح أبدا إذ ما تقوقع كل حزب سياسي على نفسه

فالعالم الغربي منقسم إلى طرفين في مواجهة إرهاب الإسلام السياسي: الطرف الأول، المبررون الاعتذاريون وهم متمثلين في اليسار الغربي؛ والطرف الثاني، المتصلبون العدائيون وهم متمثلين في اليمين.

فاليسار الغربي يجامل في تعابيره كثيرا خوفا من انتقام الإسلاميين المتطرفين وأيضا حرصا على مكاسبه السياسية، لذلك يستخدم اليساريون مصطلحات مثل التي استخدمت في تغريدات هيلاري كلينتون وباراك أوباما عن أحداث سريلانكا الدامية، “Easter worshippers” التي تعني “مصلين عيد الفصح” بدل كلمة مسيحيين وتجنب ذكر كلمة كنيسة وهذا مما أثار غضب كثير من الأميركيين والأوروبيين.

أما الطرف الآخر، اليمين والذي يصف المسلمين جميعا بكل أطيافهم أنهم متطرفين وإرهابيين ويصفون الإسلام باستخدام مصطلح “Religion of Peace” أي “دين السلام” بطريقة ساخرة تهكمية كمرادف تحقير للإسلام.

مواقف الطرفين من يسار ويمين لن تؤدي إلا المزيد من الكراهية وسوء الفهم لطبيعة أحداث العنف الجارية.

إن أغلب التقارير تفيد أن الهجمات الإرهابية العالمية ارتفعت منذ 11 أيلول/سبتمبر. فقد كان هناك أكثر من 10000 هجوم إرهابي في جميع أنحاء العالم عام 2017 أي خمسة أضعاف ما كان عليه في عام هجمات 11 أيلول/سبتمبر. كان هدف الولايات المتحدة الأميركية بعد 11 أيلول/سبتمبر مواجهة الإرهابيين وحماية الوطن لكن بعد 18 سنة من تلك الأحداث لا يوجد أي تقدم في مواجهة المتطرفين الإسلاميين، بل بالعكس ازداد الإرهاب وتشعب؛ ألا يدعو ذلك إلى التساؤل أن هناك خطأ ما في مواجهة ذلك الإرهاب؟

هذه الرؤية السطحية التي يتبناها بعض الغربيين في مواجهة الإرهاب، قد تم انتقادها من قبل العديد من القادة العرب. ففي ملتقى “مغردون” الذي نظمته قمة مسك في الرياض عام 2017، دعا وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، الدول الأوروبية إلى التوقف عن أن تكون دولا “حاضنة للإرهاب” ومعالجة هذه القضية. وأضاف، “الأصوات التي نسمعها تدعو إلى القتل وسفك الدماء وسرقة ثروات الناس موجودة في لندن وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا؛ سيأتي يوم نرى فيه المزيد من المتطرفين والإرهابيين قادمين من أوروبا بسبب عدم الحسم في اتخاذ القرارات، ومحاولة من بعض السياسيين أن يكونوا ” politically correct”  أو ما يسمى بالصواب السياسي على افتراض أنهم يعرفون الشرق الأوسط ويعرفون الإسلام ويعرفون الآخرين أكثر بكثير منا نحن”.

إن الأحداث الإرهابية التي يقوم بها الإسلاميون المتطرفون تؤكد أن تعليق الوزير كان على صواب وكثير من الإرهابيين كانوا يقيمون في أوروبا وأميركا وهذا ما وجدناه في حادثة سريلانكا الإرهابية. فبعض الانتحاريين في هجمات سريلانكا، مثل عبداللطيف جميل هاشم خريج هندسة من بريطانيا. وقد ذكرت السلطات السريلانكية أن الانتحاريين جاؤوا من خلفية متعلمة ومن الطبقة الوسطى. فهؤلاء الانتحاريين لم يأتوا من بيئات فقيرة يسودها الجهل كما يعلل بعض الغربيين للتقليل من خطر أيديولوجية الإسلام السياسي.

إن أكثر جملة تردد مثل الرماد في العيون: الإرهاب لا دين له. قبل تكرار هذه الكلمة علينا أن نعرف ماهية دوافع أي عملية انتحارية أو قتل. فمثلا منفذ هجوم نيوزيلندا لم يكن دافعه دينيا، فهو كما ذكر لا ينتمي إلى أي دين ولكن الدوافع كانت بسبب العنصرية وتفوق العنصر الأبيض، فهو معتز بأصله البريطاني الأيرلندي. وكما ذكر في بيانه على الإنترنت، إنه يخشى من هيمنة المسلمين على أوروبا بسبب ارتفاع معدلات المواليد التي تتفوق على الأوروبيين وهذا قد يشكل خطرا على الحضارة الغربية.

أما هجمات الإسلاميين المتطرفين، كما حدث في هجمات سريلانكا، فدافعها ديني. فمدبر الهجمات زهران هاشم كانت له سمعة سيئة على المستوى المحلي فقد اتهم منذ سنوات بتحطيم التماثيل البوذية وكان يبث مقاطع فيديو تدعو إلى العنف ضد غير المسلمين.

ومن ثم شكل “جماعة التوحيد الوطنية” وشارك مع رفاق سابقين له في بناء مسجد ليكون مقرا لهم وليتمكن من نشر أفكاره. وقال مسؤول في مسجد محلي، طلب عدم كشف هويته خوفا من انتقام أنصار زهران، “كان زهران خطيبا جيدا، وكان يوظف الآيات القرآنية لخدمة أفكاره”.

كما صرح وزير الدولة لشؤون الدفاع في سريلانكا أن هجمات عيد الفصح كانت انتقاما لهجمات نيوزيلندا وهذا يدل أن كل ما قامت به رئيسة وزراء نيوزيلندا من لبس الحجاب وإلقاء تحية الإسلام وتلاوة القرآن في البرلمان النيوزلندي لم يجد نفعا ولم يوقف المتطرفين الإسلاميين من الانتقام.

لقد وصل الحد بالاعتذاريين من كتاب وسياسيين في الغرب إلى تشجيع الدول العربية والإسلامية على دمج جماعة الإسلام السياسي المتطرفة مثل جماعة الإخوان المسلمين في السياسة. فكيف يمكن دمج عقلية بهذا الشكل، لا تتقبل الآخر، بالعملية السياسية وهو ما سيزيدها نفوذا وتأثيرا وقدرة على نشر فكرها؟

وضح الدكتور جمال السويدي، المدير العام لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في كتابه “السراب”، العواقب الخطيرة التي ستكون نتيجة مشاركة المجموعات المتطرفة في السياسة. وأشار إلى أن العالم بأسره تعلم الدرس المأساوي المتمثل في إعطاء السلطة السياسية لمثل هذه المجموعات عندما تقبل النتيجة الديمقراطية للنازيين.

الخطر الحقيقي الذي تشكله جماعات الإسلام السياسي والمتعاطفين معهم، وفقا لما ذكره الدكتور السويدي، هو حرصهم على الانقسام بين الغرب (الآخرون) وأتباعهم. فجماعات الإسلام السياسي تؤمن أن أي شكل من أشكال التفاعل يعتبر عملية تغريب تلوث الثقافة والمجتمع الإسلامي. فهذا النهج هو عكس ما يؤمن به غالبية المسلمين وعكس ما مارسته الحضارة الإسلامية القديمة بالسعي للتفاعل مع الحضارات الأخرى لتبادل المعرفة العلمية والأدب والأفكار.

وفي الجهة المقابلة من يقرأ لكتاب وسياسيين من اليمين الغربي لا يجدهم أقل سطحية وخطرا من اليسار. فهم يختزلون كل المسلمين والإسلام بمفاهيم الإسلام السياسي المعادي أصلا لأغلب المسلمين قبل غيرهم. وجدنا هذا النموذج من السناتور الأسترالي، فريزر أنينغ، بشأن الهجوم النيوزيلندي والذي اعتبر أن سبب الهجوم هو هجرة المسلمين.

من يقرأ لكتاب وسياسيين من اليمين الغربي لا يجدهم أقل سطحية وخطرا من اليسار

إن مثل هذه التعليقات تغذي دعوات جماعات الإسلام السياسي المتطرفة في أوروبا لتصبح أكثر عزلة وقد تولد المزيد من الدعم لأسبابها.

إن الحرب على الإرهاب لن تنجح أبدا إذا ما تقوقع كل حزب سياسي على نفسه معتقدا أن نهجه هو الصواب. فلا النهج الاعتذاري لليسار ينفع ولا تصلب اليمين يصلح، بل كلا النهجين سيؤدي إلى ازدياد الكراهية ضد المسلمين العاديين وفي نفس الوقت تقوية دعاة الإسلام السياسي مما سيطيل الحرب على الإرهاب إلى عقود طويلة.

الاتفاق الحزبي أمر هام في مكافحة الإرهاب، وكذلك الاستماع إلى القادة السياسيين والباحثين المستنيرين من العالم العربي والإسلامي. فكما يقال رب ضارة نافعة، لعل ما حدث في فرنسا من أعمال تخريب وشغب من قبل محتجي السترات الصفراء الذين من بينهم جماعات تريد فرض الإسلام السياسي وتسعى إلى الانفصال عن الجمهورية والمجتمع الفرنسي، يلهم ماكرون وباقي القادة في الغرب إلى خطورة الإسلام السياسي مما يدفعهم لاتباع نهج مختلف يحل لغز الإرهاب الذي تفاقم منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر إلى الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى