نور عبدالمجيد تستدعي المزيد من مكنونات المرأة في ”أنتِ مني“
النشرة الدولية –
ببصيرة نافذة وخطى واثقة، تواصل الكاتبة والشاعرة نور عبدالمجيد، تحليل وتفسير وإعادة توصيف العلاقات والمشاعر الإنسانية، خاصة تلك التي تعتمل داخل المرأة في روايتها الجديدة ”أنتِ مني“.
وتدور الرواية الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، في قالب اجتماعي ينطلق من أدنى الطبقات وصولاً إلى أرقاها عبر علاقات متشابكة تتنوع بين الحب والحقد والندم والنفاق والعناد، وهي امتداد لمشوار اختارته الكاتبة منذ سنوات، وحققت من خلاله نجاحًا ملموسًا في عالمي الكتابة والدراما التلفزيونية.
والكاتبة نور عبد المجيد ولدت في القاهرة لأبوين سعوديين، ولها ديوان شعري ”وعادت سندريلا حافية القدمين“، كما صدرت لها روايات تحول كثير منها إلى مسلسلات تلفزيونية جسدها نجوم ومنها ”أريد رجلاً“ وثنائية ”أنا شهيرة.. أنا الخائن“.
وتنطلق أحداث ”أنتِ مني“ من مدينة الفيوم، حيث تعيش بطلة القصة زينب، الفتاة الفقيرة يتيمة الأب التي رسبت في الثانوية العامة لأكثر من مرة، مع أمها حميدة بائعة الطيور.
ويدق الحظ باب زينب حين يراها صدفة المنتج والمخرج ناجي الكبير، ذات يوم وهي جالسة إلى جوار أمها في السوق، ويعرض عليها التمثيل، لكن الأم تصده بعنف وتطرده.
تقع في يد ناجي الكبير قصة من تأليف شاب مغمور يتحمس لها جدًا، ويقرر العودة إلى الإخراج بعد توقف سنوات طوال بتحويلها إلى فيلم على أن تكون بطلته تلك الفتاة القروية زينب.
ينتظر طويلاً دون أن تطرق الفتاة بابه، لكنها في النهاية تهجر أمها وتلقي بكل شيء خلف ظهرها من أجل بداية جديدة، فتذهب إلى المؤلف الشاب ناير البدر الذي يؤويها في بيته، ويحتويها ويسكنها معه هو وأمه.
لتبدأ بعد ذلك تطورات سريعة ومتقلبة في حياة ابنة بائعة الطيور، وتحولها إلى نجمة من نجمات الصف الأول، تصيغه المؤلفة بسلاسة ودقة متناهية مزيحة الستار عن كواليس عالم مليء بالحقد والغيرة والخبث والنفاق، تصف فيه بحرفية كيف تتحول البراءة إلى سلعة تباع على الشاشات، وما يصاحب ذلك من تغيرات سيكولوجية وآثار مدمرة لنفسية زينب.
وبين الفيوم والقاهرة ونيويورك ومونتريال ودبي، تدور أحداث الرواية التي تقع في 454 صفحة من القطع المتوسط، وتموج صفحاتها بقصص حب لا تكتمل بين زينب وناير، وابنة ناجي الكبير وزميلها بالجامعة، وعلوي شاكر حارس زينب الشخصي وطليقته، هي دائمًا قصص ناقصة، وهو ما تعبر عنه المؤلفة في مقطع من الرواية يقول: ”هل تظن أن الجريمة هي الشيء الوحيد الذي لا يولد كاملاً؟! أحمق من يظن هذا!! جرائم كثيرة وكبيرة كاملة لهذا لم نعرف أو نسمع عنها شيئًا.. الناقص دوما هو السعادة! هو الفرحة التي تنتظرها وتعمل من أجلها كثيرًا.. ناقصة ونقصانها نعمة كبرى.. نحن إن اكتفينا انتهينا!!“.
ولأن ”السعادة والفرحة“ التي تقصدها الكاتبة في العمل، تتجاوز حدود العلاقة بين الرجل والمرأة، تفتح الرواية نافذة جديدة على مشاعر خاصة تبدو من الخارج أرضًا ممهدة لا لبس فيها ولا عبث، لكنها تعيد صياغة هذا المفهوم عن علاقة الأمهات بالأبناء.
فبين جحود ونكران زينب لأمها بائعة الطيور، ووفاء وتقديس ناير لأمه وداد، تضع المؤلفة الصورة الكاملة من وجهة نظر الطرفين.. الآباء والأبناء. فتقول في أحد مقاطع الرواية: ”نحب أبناءنا أكثر من آبائنا وإن كانوا لا يستحقون!“.
وتبرع المؤلفة في رسم أبطالها، وتنزع عنهم طبقات من المشاعر سابقة التجهيز يضعونها ويغيرونها وفقًا لكل موقف وحالة تمامًا مثل الملابس أو الأحذية، فيشعر القارئ وكأن أشخاص الرواية يتجولون بين الصفحات عرايا تصف السطور هيئتهم، بينما ينطق ما بين السطور بنواياهم ودوافعهم.
وبالوصول إلى النهاية يطل عنوان الرواية من جديد ”أنتِ مني“ ليطرح السؤال ”عن أي أنتِ“ نتحدث؟ الحبيبة أم الابنة أم الأم؟ لكن المؤلفة تُبقي القوس مفتوحًا.