اقتراب الحكومة اللبنانية من قرارات حازمة خلال ساعات بضوء مفاوضات لتقليص رواتب بعض الإدارات
النشرة الدولية –
اقترب مجلس الوزراء اللبناني من ساعة الحسم بين اليوم والغد إذا صدق الوعد بالانتهاء من دراسة أرقام مشروع الموازنة غدا الجمعة، بعد جولات من المناقشات والآراء المتعددة على وقع التحركات الاحتجاجية والإضرابات الاستباقية التي واجهته ونجحت الاتصالات في وقفها، باستثناء استمرار القضاة في اعتكافهم، وأساتذة الجامعة اللبنانية الممتنعين عن العمل والتدريس، على رغم استئناف 11 مؤسسة عامة ومصلحة مستقلة نشاطها في ظل تفاوض بين نقابات موظفيها والوزراء المعنيين حول “مساهماتها” في خفض العجز في الموازنة.
وقالت مصادر وزارية متعددة ل”الحياة” إن الكثير من أرقام الأبواب التي يفترض أن يلحقها الخفض في الإنفاق ما زال غير واضح في انتظار الاطلاع على جداول نهائية لكلفة عدد من الأسلاك اليوم من أجل حسم مجلس الوزراء خياراته في شأن التخفيضات التي سيشملها مشروع الموازنة، والإجراءات التي سيأخذها من أجل رفع الواردات من عدد آخر من الأبواب التي ما زالت غير محسومة، خصوصا أن العديد من الوزراء يرى أن تكون قرارات التخفيض سلة متكاملة لتأتي الأرقام مترابطة في خفض العجز.
واستنادا إلى انطباعات عدد من الوزراء فإن نقاشات جلسة الأمس الحكومية تناولت العناوين الآتية:
1- وقف التهرب الجمركي: جرى، جرى التأكيد مرة أخرى على أهمية تعزيز القدرة على الكشف على البضائع المستوردة لا سيما عبر المرفأ عبر تزويد الجمارك بال “سكانر” وتشديد الرقابة.
2 – زيادة الضريبة على أرباح الفوائد من المودعين، ومن أرباح المصارف من فائد سندات الخزينة، من 7 إلى 10 في المئة. وتعددت الآراء في هذا الشأن بين من يرى أن هذه الزيادة تدر أموالا على الخزينة، وبين رأي يرى أنه قد يكون لها مفعول آخر هو انكفاء المصارف عن المساهمة في إقراض الدولة، لأن هذه الضريبة رفعت السنة الماضية من 5 إلى 10 في المئة. كما أن حجة المصارف أنها باتت تدفع الضريبة مرتين، الأولى هي ال17 في المئة ضريبة الدخل على الشركات، ثم ضريبة الفوائد. والمصرفيون يدعون إلى حسم ال7 في المئة من ضريبة الدخل على الشركات، لتفادي الازدواج في تكليفهم، في وقت يقترح البعض رفع ضريبة الدخل من 17 إلى 20 في المئة. وفيما يؤيد هذا الاقتراح “التيار الوطني الحر”، “حزب الله” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” فإن رئيس الحكومة سعد الحريري بدا غير مقتنع بهذا التوجه نتيجة خشيته من انعكاس ارتفاع الضريبة، على ودائع المصارف، في وقت هناك اقتراح بأن تساهم المصارف في خفض العجز عن طريق دعوتها إلى الاكتتاب بسندات بفائدة متدنية الفائدة، تبلغ واحد في المئة. ويرى وزراء أنه يمكن رفع الضريبة على أرباح المصارف مع فصلها عن الزيادة على أرباح فوائد المودعين، وأن تكون هذه الضريبة تصاعدية وموزعة على شرائح، بينما تحدث البعض الآخر عن جعلها 9 في المئة على أرباح المصارف من فوائد سندات الخزينة. واقترح البعض الآخر أن تكون الزيادة لمدة 3 سنوات يعاد النظر فيها لاحقا وتلغى استنادا إلى المراهنة على تحسن الوضع الاقتصادي. وأخذ هذا البند قسطا كبيرا من البحث.
3- تجدد الحديث في شأن اقتراح وزير الاقتصاد منصور بطيش بزيادة الرسوم على البضائع المستوردة، بنسبة 3 في المئة، باستثناء تلك التي تستخدم في الإنتاج اللبناني (مواد أولية). ولم يحسم البحث أيضا في انتظار الأرقام حول ما يمكن أن تضيف إلى مداخيل الخزينة، في ظل وجود وجهة نظر ترى أن هذه الزيادة قد تزيد التضخم والأسعار وخشية من أن تؤثر سلبا على المستهلك، فيما اعتبر وزراء أنه يمكن أن تطبق الزيادة لثلاث سنوات فقط.
4- الغرامات على المخالفات في الأملاك البحرية: عرض وزير المال علي حسن خليل ما تم إنجازه على هذا الصعيد استنادا إلى قرار اتخذ عام 2017 في شأن تسعيرة المساحات المستخدمة من مستثمرين أو مخالفين، فجرى نقاش حول وجوب رفع التسعيرة لزيادة مداخيل الخزينة، من دون الحسم في تعديل التسعيرة.
مفاوضات مع الموظفين
5- تجميد جزء من التقديمات المرافقة لأساس الراتب لموظفي القطاع العام والمتقاعدين، بنسبة معينة، لمدة 3 سنوات، على أن تعاد لأصحاب الحقوق بعد انقضاء السنوات الثلاث، حيث جرى استعراض ما يمكن لهذا الإجراء أن يحققه من خفض في العجز خلال السنوات الثلاث. وتبين أنه يوفر أكثر من 500 بليون ليرة سنويا، وقد يصل إلى 600 بليون ليرة، إذا شمل التجميد نسبة 20 في المئة لمن رواتبهم أكثر من مليون ليرة لبنانية، فيما يكون هذا الوفر بقيمة نصف هذه المبالغ، إذا جرى تطبيقه على من يتقاضون راتبا شهريا يفوق المليون ونصف المليون ليرة.
لكن الخفض الموقت لقيمة الرواتب في القطاع العام وللمتقاعدين، لا يقتصر على هذا الإجراء، إذ أن التوجه نحو تقليص رواتب بعض المؤسسات والمصالح المستقلة، التي تتوزع رواتب موظفيها على 15 شهرا و16 شهرا، يجري التفاوض في شأنه بين الوزراء المختصين أو الأوصياء (حسب القانون)، وبين نقابات الموظفين في هذه المؤسسات لجعل الراتب موزعا على 13 أو 14 شهرا. فوزير العمل كميل أبو سليمان يتولى البحث مع موظفي الضمان الاجتماعي في هذا الشأن. كم أن وزير الأشغال يبحث مع نقابة موظفي مرفأ بيروت وإدارته في الفكرة نفسها، بينما يتولى حاكم مصرف لبنان مناقشة الأمر مع نقابة موظفي البنك المركزي.
ووفيما تلقى كبار المسؤولين معطيات عن اتجاهات إيجابية في هذا الصدد، فإن البحث لم يتطرق في جلسة الأمس إلى خفض كلفة التدبير الرقم 3 في القوات المسلحة، وحصره بالعسكريين الذين يؤدون الخدمة على الحدود وفق قانون الدفاع، في رواتب وتعويضات العسكريين، ينتظر نتائج الجداول التي تعدها المؤسسات العسكرية، حيث يتابع وزير الدفاع الياس بوصعب الأمر مع قيادة الجيش. وهو أمر ينطبق على قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة.
وفي سياق التطرق إلى خفض كلفة موظفي القطاع العام استغرب الحريري إصرار أساتذة الجامعة اللبنانية على الإضراب بعدما تبلغ بقرارهم، مشيرا إلى أن الجامعة غير مذكورة في مشروع الموازنة ولم يتم أي اقتراح في شأن جهازها البشري. ويتولى وزير التربية أكرم شهيب التواصل مع رابطة الأساتذة فيها، كاشفا أن ممثلي الأحزاب الموجودة في الحكومة والتي تتألف من بعضها رابطة الأساتذة هم الذين يبدون تشددا في الدعوة إلى استمرار الإضراب فيما المطلوب أن تلجم قيادات الأحزاب مواقفهم التصعيدية. وبينما طلب شهيب إعطاء الرابطة مهلة حتى الجمعة، فإن عددا من الوزراء الذين يمثلون هذه الأحزاب اقترح اتخاذ تدابير من قبل مجلس الوزراء حيال المضربين ثم غلب الاتجاه نحو التريث بناء لرأي شهيب.
أما القضاة الذين يستمرون في الاعتكاف، كخطوة استباقية حيال إمكان تعديل العطاءات التي يحصلون عليها من خلال صندوق التعاضد، فإن تقليص مساهمة الخزينة في تمويلها يتوقف على نتائج الدراسة التي توحد تلك العطاءات مع صناديق تعاضد أخرى لإزالة الفوارق بينها. ويجري التواصل بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبين مجلس القضاء الأعلى في هذا الصدد.
6- القوانين البرامج التي أدت إلى رصد أموال تنفيذا لمشاريع إنمائية على 3 سنوات أو أكثر. وفي حين دعا وزراء إلى إلغاء أو تأجيل تنفيذ المشاريع التي نصت عليها هذه القوانين، تبين أن بعضها أخذ طريقه نحو التنفيذ، وأن لا بد من استكمال تشييدها بالأموال المرصودة لها، فيما اتفق على تجميد تنفيذ المشاريع التي لم تتم المباشرة فيها بعد.
7- خفض رواتب المسؤولين في السلطات العليا، من رؤساء ووزراء ونواب إضافة إلى تقليص المخصصات لعدد من كبار الموظفين: أعلن وزير الإعلام جمال الجراح أنه تقرر حصول كبار الموظفين الذين يتقاضون أكثر من راتب ألا يتعدى 20 ضعف الحد الادنى للأجور فيما يتعلق بضمّ الرواتب، بحيث يكون السقف الاعلى 13 مليون و550 الف ليرة .
أما بالنسبة إلى الرؤساء والوزراء والنواب، فإن نقاشا دار في مجلس الوزراء حول ما إذا كان خفضها سيكون بنسبة 50 أو 25 في المئة، حيث اعتبر بعض الوزراء أن لا مداخيل غير راتبهم بعدما تركوا أشغالا لتولي المنصب، فيما رأى الحريري ووزراء آخرون، أن هذه الخطوة لا بد منها لأنها رمزية ومؤشر إلى أن كبار المسؤولين يتنازلون عن جزء من مدخولهم من الخزينة، مقابل خفض تقديمات موظفي القطاع العام في الموازنة التقشفية.