لعبة النّسيان والتّذكّر وآليّات التّشكيل والرّؤية في رواية ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ” [1]/ جزء 1* د. أورانك زيب الأعظمي

النشرة الدولية –

الملخّص:

 

هذه الرّواية هي متاهة سرديّة محترفة بين عوالم التّذكّر والنّسيان،وهي تقدّم ذاتها على اعتبار أنّها تداخل لأزمان امتدّت لنحو سبعة عقود في تخوم مكانيّة ملبسة وغير محدّدة جغرافيّاً وفق ما هو معروف خرائطيّاً،وإنّما المكان والزّمان في هذه الرّواية هما وحدتان مُستدعيتان ضمن توليفة الحدث الذي يلعب دور البطولة في الرّواية.

 

وهذه اللّعبة السّرديّة تراوغ القارئ في سبيل تقديم الحقائق ضمن جدليّة التّذّكر والنّسيان وامتدادهما في القصّ بين التّطواح المدوّخ بين عوالمهما المتداخلة المربكة،ويتمّ ذلك عبر ما تقدّمه لنا من معلومات من خلال بوح أبطال الرّواية،ورصد حيواتهم،والتّجسّس المباح على ذواكرهم،وعلى ما كتبوه في مذكراتهم،أو ما باحوا لنا به،أو سمحوا لنا بشكل أو بآخر بأن نعرفه،لنكتشف مقدار اللّبس الذي يتملّك شخوص الرّواية إلى حدّ أنّنا نكتشف مقدار الازدواجيّة والكذب القسريّ والاختياريّ الذي عاشوه،وقدّموه لنا،ثم تراجعوا عن الإصرار عليه في لحظات شعوريّة حسّاسة،إلى أن قرّروا أن يبحوا لنا بالحقائق كاملة التي كانت تنزوي في دواخلهم بقرارات شخصيّة لأجل الهروب من فكرة الألم والمعاناة الملحّة عليهم جميعاً بشكل أو بآخر.

 

وأخيراً تنتهي الرّواية بخيار خطير،وهو خيار النّسيان الكامل للماضي،وإنكاره،والبدء من جديد في حياة أخرى مشبعة للرّغبات المكبوتة،ومتجاهلة لكلّ ما حدث في الماضي من أوجاع،وبذلك يبدأ البطلان وهما في سنّ السّبعين حياة أخرى فرحة مناقضة لحياة الماضي التي عاشاها بما فيها من حزن وإخفاقات، بعد أن أخذا هذا القرار ضمن توليفة صراع مرير مع الماضي والحاضر،وصولاً إلى صيغة مصالحه مع الحاضر تتلخّص عندهما في شيء واحد،وهو نسيان الماضي الذي لا يمكن الانفكاك عنه إلاّ بتجاوزه،كما لا يمكن تغير حقائقه إلاّ بإنكارها عبر لعبة النّسيان التي بدأتها بطلة  الرّواية ” بهاء” عبر مرضها ثم غيبوبتها،ومن ثمّ انساق إليها بطل الرّواية ” الضّحّاك” الذي قرّر أن يجاري حبيبته في لعبتها المرض/ النّسيان،وأن ينسى الماضي والحاضر،ما دام لا يستطيع أن يأخذها إلى المستقبل الذي يقدّمه لها في حياته الرّاقية الجميلة الهادئة،وأن يلعب معها لعبتها التي اختارتها ،وهي لعبة النّسيان،من أجل أن يحظيا بحياة أخرى،أو فرصة جديدة عادلة على خلاف الحياة الظّالمة التي تورطا فيها في الماضي.

 

عندئذٍ تقرّر البطلة ” بهاء” الخروج من غيبوبتها التي هي معادل موضوعيّ للموت والهزيمة والخسارة،وتقرّر أن تعيش،وأن تستيقظ من سباتها،وأن تنتصر للحياة،بشرط ضمنيّ واحد،وهو نسيان الماضي،وهو شرط حقّقه البطل ” الضّحّاك” سلفاً عندما قام بتمزيق مذكّراتها المخطوطة بما تحوي من أسرار موجعة،وقام بكتابة رواية لها تحمل عنوان الرّواية ذاتها،وهي رواية يمكن أن نعدّها حياة بديلة عن الحياة الماضية ؛ إذ كتبها البطل بكامل خياراته ووعيه وقراراته،ليمحوَ بها أيّ أثر للماضي،ويرسم بكلماته التي عدّها نبوءة المستقبل صورة جديدة للحياة والمستقبل،وكأنّه يقدّم لبطلة الحياة وعداً بحياة جديدة إنْ هي استفاقت من غيبوبتها.

 

وهذا ما يحدث فعلاً في الرّواية عندما تستيقظ البطلة من سباتها بمعجزة دون أيّ مسوّغ طبيّ لذلك،وتستأنف وجودها الفاعل في الحياة،بدل الاستسلام السّلبيّ للعجز والحزن والحسرة والهزيمة التي اختارتها عندما قرّرتْ أنْ تستسلم للمرض،وأنْ تهرب معه وإليه في آن.

 

ليكون خيار النّسيان هو الخيار الذي تجنح إليه بعد أن تصاب بغيبوبة طويلة لمدّة عامين بسبب إصابتها بمرض السّرطان في الدّماغ،ويتنبّأ الأطبّاء بموتها وفق وضعها المرضيّ الملبس الذي قضى على ذاكرتها في رحلة صراع طويلة مع المرض؛إذ ابتدأ صراعها مع سرطان الثّدي والرّحم،وانتهى بصراعها مع سرطان الدّماغ،مروراً بصراعات نفسيّة وفكريّة ومجتمعيّة وقدريّة لا حدود لها.

 

ولكن تكون المفاجأة للجميع عندما تستيقظ بطلة الرّواية من غيبوبتها التي يمكن أن نعتقد أنّها كانت اختياريّة من قِبَلها لتهرب من وجع حاضرها إلى رحلة بحث عن عوالم فرحة رحيمة.

 

ويتحوّل السّرد في انعطافة كبيرة عندما نكتشف أنّ ” بهاء” قد نسيت الماضي كلّه بما فيه من أحداث وأزمان وأماكن وشخوص ومعاناة،ولم تعد تذكر سوى اسمها،واسم الرّجل الذي تحبّه ” الضّحّاك”،وتعود إلى ذاكرة طفلة في السّن الذي فارقت حبيبها فيه إبّان كانت سجينة مضطهدة في ميتم حكوميّ مفزع؛ وبذلك تقدّم لنا صورة مسخ للوجود الإنسانيّ الحزين الموجع ،إذ هي طفلة في السّبعين من عمرها!

 

وينعطف السّرد انعطافة أخرى مفاجأة أخرى عندما يقرّر بطل الرّواية أن ينكر حاضره،وأن يخرج منه؛ ليدخل إلى زمن مفترض،وهو زمن الطّفولة المستدعاة بعودة حبيبته،وبذلك ينكرا كلاهما العالم الحقيقيّ الذي يعيشان فيه،ويقرّران أن يعيشا طفولتهما مرّة أخرى في سن شيخوختها ليظفرا  بكلّ ما حرما منه في الماضي من فرح وسعادة واغتباط وبراءة الطفّولة ونقائها.

 

ومن جديد تأخذنا الرّواية إلى انعطافه ثالثة مرهقة ومباغتة عندما نقرأ في نهايتها أكثر من نهاية مفترضة لها بخلاف النّهاية الأولى الموجودة في بداية الفصل الأخير من الرّواية المعقود تحت عنوان ” الماضي” ،وبذلك لا نعرف إنْ كانت هذه الرّواية هي قصّة بطلتها ” بهاء” في صراعها مع الحياة والمرض والغيبوبة،أم هي قصّة ” الضّحّاك” في صراعه مع المرض والغيبوبة، أم أنّها قصّة مفترضة كتبتها ” باربرا ” من وحي خيالها؟،أو بتأثّر بقصّة حبّ شرقيّة كانت الشّاهدة عليها،ولعبتْ فيها دور المحبّة التي تعشق مَنْ لا يعشقها،ولكنّها تتفانى في خدمته والإخلاص له في انتظار حبّه لها.

 

لكن الشّيء الوحيد الأكيد في هذه الرّواية ضمن غابة النّهايات المفترضة في نهايتها التي تقودنا إلى المزيد من القلق والدّوار والحيرة،هو أنّ بطليها ” بهاء” و” الضّحّاك” انطلقا ليعيشا السّعادة والحبّ بشكل ما بعد فراق دام لنحو ستة عقود من المعاناة والحرمان والألم،وأنّهما وجدا صيغة ما للحياة سويّاً،ولتجاوز الماضي بتفاصيله وانكساراته وتوجّعاته وبوائقه ومجاهيله السّوداء وتجاربه القاسية،وبذلك انتصارا لفكرة واحدة،وهي الحبّ والأمل مهما توحّش العالم،أو طالت المعاناة،أو ساد الظّلام والظّلم وصنّاعهما.

 

الكلمات المفتاحيّة: رواية عربية/ رواية أَدْرَكَهَا النّسيانُ/ سناء شعلان/آليّات تشكيل ورؤية/ تذكّر/ نسيان.

 

الحكاية وسرديتها:

 

هذه الرّواية الكبيرة في عدد صفحاتها وترميزاتها وإحالاتها،تدور حول امرأة ستينيّة اسمها  ” بهاء” مصابة بمرض السّرطان في دماغها،وقد استفحل إلى درجة أنّه قد أصابها بحالة مرضيّة نادرة تجعلها تخسر ذاكرتها جزءاً فجزءاً لحظة تلو الأخرى،حتى كادت لا تتذكّر من تكون بالضّبط،كما أصابها بجملة من الإعاقات الجسديّة،على رأسها حالة شبه شلل كامل في أطرافها ووظائف جسدها.

 

وفي هذه المرحلة الكئيبة من حياتها وعجزها وشيخوختها،تلتقي بالصّدفة البحت بحبيبها ” الضّحّاك” بعد نصف قرن من الغياب بعد أن أصبح عمره في نهاية السّتين،عند اللّقاء تكون مريضّة عاجزة حزينة ووحيدة وفقيرة ،وتطلب الاستشفاء في منتجع صحيّ في غابة اسكندنافيّة برفقة صديقتها المخلصة لها ” هدى”،بعد أن بدأتْ تتيه في عوالم النّسيان،وفقدت القدرة على النّطق والحركة خلا القليل الباقي منهما،كما فقدت المعين والمال والملجأ.

 

لكن المفاجأة أنّها تتجاوز مرضها المسيطر عليها،وتذهل أطباءها عندما تتذكّر حبيبها ” الضّحّاك” بمجرّد رؤيتها له،وتهتف بفرح ” أنتَ الضّحّاك سليم .أنا أعرفكَ. أنا أعشقكَ” [2] ،عندها يقرّر ” الضّحّاك” أن يعود بها إلى بيته وحياته حيث يعيش حياة سعيدة ومرفّهة وراقية في مدينة من إحدى المدن الاسكندنافيّة.

 

ولا يجد بطل الرّواية مع حبيبته المريضة سوى بضعة أشياء متواضعة،من جملتها مخطوطة رواية كتبتها له،ومن هنا تبدأ الأحداث والأزمات في التّداخل والتأزّم ليحدث الكشف الكامل في الرّواية،ونعرف أحداث حياة البطلين عبر سبعين عاماً من حياتهما؛ فندرك أنّ بطل الرّواية ” الضّحّاك” قد أصبح أستاذاً جامعيّاً شهيراً متخصّصاً في الأدب المقارن والتّراث الشّعبيّ، إلى جانب أنّه روائيّ عالميّ له سيط مرموق،وإنْ كانت حياته الشّخصيّة غير سعيدة؛ إذ إنّه قد تزوّج ثلاثة نساء حمراوات على أمل أن يجد الحبّ والسّعادة المنشودة مع إحداهنّ،لكن كلّ واحدة منهنّ تخلّتْ عنه،وطلّقته،وأخذتْ جزءاً كبيراً من ثروته دون أن يحظى بأيّ طفل من أيّ من هذه الزّيجات الثّلاث.

 

وهذه الحياة السّعيدة إلى حدّ كبير على الرّغم من إخفاقات الزّواج جعلت ” الضّحّاك” ينسى معاناة طفولته وصباه في وطنه الأم حيث كان يعيش في الميتم إلى جانب ” بهاء” حتى طُرد من هناك،وتشرّد في الشّوارع،وتعرّض للاعتقال،وكاد يفقد بصر عينيه بسبب التّعذيب،لولا تدخّل ابن عمّ أبيه الذي أنقذه من ذلك كلّه،وتبنّاه،وأخذه معه إلى المهجر حيث يعيش مع زوجته الإغريقيّة الطّيبة وابنه الوحيد،ليعيش هناك حياة كريمة سعيدة،تسمح له بأن ينال أقساطاً وافرة من السّعادة والحريّة والتعلّم والثّراء والشّهرة والأمن والكرامة الإنسانيّة،ولكنّه ظلّ يحلم بأن يتلقي بحبّه الأوّل والأخير،وهي حبيبته ” بهاء” التي حُرم منها قسراً عندما فرّق الميتم بينهما.

 

في المقابل تكشف الرّواية عن أنّ ” بهاء” عاشتْ حياة كئيبة،وتعذّبت،وتاهتْ في دروب الحياة،إلى أن اضطرتْ إلى أن تبيع جسدها وقلمها كي تبقى على قيد الحياة،وفي نهاية المطاف أصابها سرطان الثّديين ثم سرطان الرّحم ثم سرطان الدّماغ الذي قضى عليها قضاء مبرماً.

 

تدخل ” بهاء” في غيبوبة لمدّة عامين بسبب سرطان الدّماغ بعد وصولها إلى بيت ” الضّحّاك ” بأيّام قليلة،ويقرّر الأطبّاء أنّها قد دخلتْ في مرحلة الموت السّريريّ،وأنّها لن تعود إلى الحياة أبداً، لكن ” الضّحّاك” يصمّم على أنّها سوف تستيقظ من سباتها إكراماً لحبّهما،ويلازمها في مرضها الطّويل،ويرفض بحزم أنّ تُفصل عنها أجهزة التّنفّس الاصطناعيّ والتّغذية،و يظلّ يقرأ لها من مخطوطتها الرّواية إلى أن ينتهي منها،ثم يحرقها في نار المدفأة كي لا تتذكّر حياتها السّابقة عندما تستيقظ،ويكتب لها حياة بديلة مفترضة يسجّلها في رواية مشتركة لهما باسم ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ” ،نزولاً عند حلمها بأن تكون لها رواية خاصّة بها تتحدّث فيها عن حكاية حبّهما منذ طفولتهما المعذّبة.

 

وفي نهاية الرّواية تكون المفاجأة الكبرى عندما تنتصر ” بهاء” بحبّها لـ ” الضّحّاك” على المرض وعلى الموت،وتستيقظ من سباتها الذي دام لعامين،وتتعافى من السّرطان بعد عدّة جلسات كيميائيّة،وتفاجئ الجميع بأنّها قد عادت إلى الحياة بعقل طفلة صغيرة لا ذاكرة عندها أو ماضٍ؛ إذ لا تتذكّر في الحياة أيّ شيء،سوى أنّ اسمها ” بهاء”،وأنّ اسم حبيبها  هو ” الضّحّاك”،وأنّها تعشقه.

 

فيقرّر بطل الرّواية أن يعيش معها تجربة الطّفولة من جديد،ويتخلّى عن حياته كاملة بما فيها من شهرة وعمل أكاديميّ وسفر وترحال وأعمال تطوعيّة وبحثيّة،ويتفرّغ لشيء واحد،وهو الحياة مع حبيبته الطّفلة التي تعيش بعقل طفلة،وجسد امرأة تكاد تبلغ السّبعين من عمرها،بعد أن يتزوجها،ويطلق معها روايتهما المشتركة ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ” التي تلاقى نجاحاً كبيراً،وتحظى باهتمام القرّاء،وتُترجم إلى عدّة لغات عالميّة.

 

وتنتهي الرّواية على مشهد رومانسيّ لطالما حلمت به ” بهاء” بعد أن رأته في طفولتها في فيلم سينمائيّ  ” في أفق بحريّ ما كان هناك ظلّان يركضان نحو الرّحب فرحين بالعشق الذي لا يموت،ولا أحد كان يعرف لهما اسماً أو ذكريات أو تاريخاً،والشّمس التي تغرق في أفق البحر الدّامي بها تحوّلهما إلى خيالين أسودين يلتحمان طويلاً في جسد قبلة عميقة”[3]

 

العنوان وتعدّد الإحالات:

 

منذ عنوان الرّواية الموجود على غلافها ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ” [4] دخولاً إلى الصّفحة الأولى منها تبدأ الرّوائيّة بالإمساك بخيوط المتاهة السّرديّة التي تصنعها بمهارة في رحلة سرديّة منهكة وشيّقة في آن عبر اصطناعها لأفعال التّذكّر والنّسيان في الرّواية؛ والعنوان المكتوب على غلاف الرّواية ” يقودنا إلى أنّ أدركها سيكون بمعنى أصابها،فأَدْرَكَهَا النّسيانُ،يعني أنّ النّسيان قد أصابها،ونزل بها،وفي لسان العرب في مادة درك:” الدَّرَكُ: اللحَاق، وقد أَدركه. ورجل دَرَّاك: مُدْرِك كثير الإدْراك، وقلما يجئ فَعَّال من أَفْعَلَ يُفْعِل إلا أَنهم قد قالوا حَسَّاس دَرّاك، لغة أَو ازدواج، ولم يجئ فَعَّال من أَفْعَلَ إلاَّ دَرَّاك من أَدْرَك، وجَبّار من أَجبره على الحكم أَكرهه،وحكى اللّحيانيّ: رجل مُدْرِكةٌ، بالهاء، سريع الإدْراكِ، ومُدْرِكةُ: اسم رجل مشتق من ذلك.

وتَدَاركَ القومُ: تلاحقوا أَي لَحِق آخرُهم أَولَهم. وفي التنزيل: حتى إذا ادّارَكُوا فيها جميعاً؛ وأَصله تَدَاركوا فأدغمت التاء في الدال واجتلبت الألف ليسلم السكون. وتَدَارك الثَّرَيان أَي أَدرك ثرى المطر ثرى الأرض. اللّيث: الدَّرَك إدراك الحاجة ومَطْلبِه. يقال: بَكِّرْ ففيه دَرَك.

والدَّرَك: اللَّحَقُ من التَّبِعَةِ، ومنه ضمان الدَّرَكِ في عهدة البيع. والدَّرَك: اسم من الإدْراك مثل اللَّحَق. وفي الحديث: أَعوذ بك من دَرْك الشَّقاء؛ الدَّرْك: اللَّحاق والوصول إلى الشّيء، أدركته إدْراكاً ودركاً وفي الحديث: لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دَرَكاً له في حاجته.

والدَّرَك: التَّبِعةُ، يسكن ويحرك. يقال: ما لَحِقك من دَرَكٍ فعليَّ خلاصُه. والإدْراكُ: اللّحوق. يقال: مشيت حتى أَدْرَكته وعِشْتُ حتى أَدْرَكْتُ زمانه. وأَدْرَكْتُه ببصري أَي رأَيته وأَدْرَكَ الغلامُ وأَدْرَكَ الثمرُ أَي بلغ، وربما قالوا أَدْرَكَ الدقيق بمعنى فَنِيَ. واستَدْرَكْت ما فات وتداركته بمعنى. وقولهم: دَرَاكِ أَي أَدْرِكْ، وهو اسم لفعل الأَمر، وكُسرت الكاف لاجتماع السّاكنين لأَن حقها السكون للأَمر؛ قال ابن بري:جاء دَرَاك ودَرَّاك وفَعَال وفَعَّال إِنما هو من فعل ثلاثي ولم يستعمل منه فعل ثلاثيّ، ون كان قد استعمل منه الدَّرْكُ”[5].

 

أمّا إسناد الفعل أدركَ إلى ضمير التّأنيث الغائب،فهو يحيلنا إلى أنّ الفعل متعلّق بامرأة ما،وهي مجهولة لنا بدليل استخدام ضمير الغائبة،ولا ندري من أمرها إلاّ أنّ نسياناً ما قد أصابها لسبب مجهول،كما لا نعرف مصيرها،أو ما آلتْ إليه بمعيّة مرضها الذي غشيها.

 

ولكن بمجرّد أن ندخل إلى الصّفحة الدّاخليّة من الغلاف نتفاجأ بأنّ الرّواية تقودنا إلى مستوى آخر من المعنى،وهو معنى الإنقاذ لا معنى الإصابة بالمرض،وذلك عندما تضع الرّوائيّة عنواناً فرعيّاً تحت العنوان الرّئيسيّ تقول فيه  “حكاية امرأة أنقذها النّسيان من التّذكّر”[6]،فيحيلنا العنوان عندها إلى تلك العلاقة الجدليّة الاستدعائيّة في الرّواية حيث النّسيان هو من أنقذ بطلتها ” بهاء” من ألم التّذكّر الذي يخنقها بالألم والحسرة والخسارات، ولذلك تواطأتْ مع مرض السّرطان،وكأنّه صديقها،كي ينقذها من التّذكّر،ولذلك تكتب في مخطوطته المذكّرة أنّها تحتاج إلى النّسيان لتهرب من ألم الماضي ” لستُ حزينة لأنّني مريضة بالسّرطان؛ فأنا امرأة تحتاج  أن يدركها النّسيان كي تنسى آلامها وأحزانها.الآن أشعر أنّ هذا المرض هو أكرم من قابلتُ في حياتي؛فهو وحده من سيخلعني من التّذكّر،ويخلع التّذكّر مني.آن لي أن أرتاح،وأن يدركني النّسيان كي أسعد بالباقي القليل من حياتي.ولكَ أيّها المرض أن تعرفني عندما جهلتُ نفسي،وأن تؤمن بي عندما كفرتُ بي،وأنْ تتذكّر منّي،ما لم أعد قادرة على تذكّره ” [7]

 

بل إنّ النّسيان يصبح المنقذ والرّحيم بـ “بهاء” – وفق ما تعتقد- في إزاء قسوة البشر عليها ”  أيّها المرض الخبيث لا تحزن،ولا تنقهر من كلامي هذا؛ فلستُ متكبّرة عليكَ،أو متسامية على بطشكَ،أو كارهة لنزولكَ بي.ولا أقول لكَ هذا الكلام نكاية بكَ؛فأنا أشهد بأنّكَ فتّاك شرس لا ترحم،ولكنّني شاكرة لكَ لأنّكَ ستكون أوّل من يرفق بي،ويريحني من ذاكرة عبء على روحي؛فهي لا تنفكّ تعذّبني بي،وأنت تلحّ على أن تخلّصني منها.ألستَ بذلك أرحم من قابلتُ وعرفتُ؟” [8]

 

ونستطيع القول إنّ النّسيان في هذا الرّواية قد تحوّل إلى معادل موضوعيّ للنّجاة والحبيب والتّطهّر والمخلّص؛ بعد أن ظنّت ” بهاء” أنّ حبيبها ” الضّحّاك” قد تخلّى عنها في الماضي ” يبدو أنّه خشي من أنْ تلقي الشّرطة القبض عليه،ففضّل أن يخذلني وأن ينساني، بدل أن يجازف بحرّيته في سبيل تهريبي من الميتم كما وعدني عشيّة طرده منه”[9]،فأصبح النّسيان هو المنقذ لها،وهو الذي يحبّها بمعنى ما،ويرافقها دون انفكاك عنها،كما يعطيها فرصة للتطّهر من ماضيها،والتوّقف عن بيعها لنفسها ولكلماتها ” لم أفكّر بالتّطهّر إلاّ بطريقتي،واكتفيتُ بغسل جسدي بالملح ومن ثم ماء الورد لتطهيره ممّا علق به من دنس من ولغوا فيه،وبعد ذلك قرّرتُ أن أجعله محرّماً على البشر أجمعين كي أقدّمه للموت طاهراً من كلّ درن أو رجس أو قذارة أو دنس” [10]

 

وعندما تكتب ” بهاء” لحبيبها ” الضّحّاك” فهي تجزم بأنّها قد رأتْ في النّسيان المرضي تطهيراً لها ممّا علق بها من أوجاع وخطايا وآثام : ” ليس المرض الذي فتك بي هو من يدفعني الآن إلى الكتابة له،بل هي رغبتي في أن أتطهّر من النّجس الذي علق بي في رحلتي المضنية في حلبة الصّراع الشّرس غير المتكافئ بين امرأة وحيدة معدمة وبين حياة متوحّشة متنمّرة”.[11]

 

وجملة القول إنّ ” بهاء” سعيدة بهذا النّسيان الذي أنقذها من وجع الذّكريات وجرائر أفعال الماضي التي تورّطت فيها رغم أنفها وإرادتها :” أيّها النّسيان لقد أدركتني في الوقت المناسب؛ما عاد لي أيّ حاجة في التّذّكر،كم أنا سعيدة الآن لأنّني امرأة أَدْرَكَهَا النّسيانُ،فأنقذها منها،ومن عذابات التّذكّر،ومن أوجاع الماضي ومن خيبات الحاضر والمستقبل” [12]

 

وإيغالاً في لعبة التّنكير التي تلعبها الرّوائيّة في روايتها هذه،هي تجعل جملة  “حكاية امرأة أنقذها النّسيان من التّذكّر” [13]التي أتمّت بها عنوان الرّواية في صفحة العنوان الدّاخليّة للرّواية هي من وضع ناشر رواية ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ” التي كتبها ” الضّحّاك”،وليستْ من وضعها هي :” وكتب اسمه واسمها على غلاف الرّواية بوصفهما مؤلفي الرّواية،ودفعها إلى النّاشر الأشهر في الدّول الاسكندنافيّة بعد أن تحمّس لنشر الرّواية باسمها الذي اختاره ” الضّحّاك” لها،وأستأذنه في أن يكتب بخطٍّ صغير تحت العنوان الرّئيسيّ للرّواية : “حكاية امرأة أنقذها النّسيان من التّذكّر”[14]

 

وبذلك تهرب الرّوائيّة سناء شعلان من تبعات التّفسير والتّأويل للعنوان،وتتمسّك ظاهريّاً بالعنوان المعلن للرّواية،ليكون الحديث ظاهرياً عن إصابة امرأة ما بالسّرطان،في حين العنوان الصّغير “حكاية امرأة أنقذها النّسيان من التّذكّر” هو من يحمل التّأويلات الحقيقيّة للأحداث والرّموز والأشخاص،ويفتح باب الإسقاطات على مصراعيه،ويعطي القيمة التّرميزيّة الحقيقيّة للرّواية التي تتجاوز أنّها قصّة معاناة امرأة سحقها المجتمع،لتصبح حكاية أمّة كاملة،ومكابدات شعوب بأكملها.

 

الإهداء والإحالة إلى الدّاخل:

 

هذه الرّواية تقوم على المفارقة في تفاصيلها جميعاً؛ حتى في إخراجها الورقيّ في طبعتها الأولى هي تقدّم مفارقة تثير التّأويلات؛ فالإهداء الموجود في الرّواية خارج متنها يحيل إلى داخلها،والأصل أن يحيل إلى خارجها كما هي عادة الإهداءات الأدبيّة والبحثيّة والفنيّة؛ فقد جرت العادة أن يكون الإهداء نصّاً خارجاً على النّص أو العمل الإبداعيّ أو البحثيّ،ويحيل إلى خارجه حيث هناك الأناس الذين يعيشون في الحيوات الحقيقيّة،ويقدّمون العون للمبدعين والفنانين والباحثين والمنجزين،ولكن الحال مختلف بما يخصّ الإهداء المقدّم إلى الأديب العراقيّ المعاصر عباس داخل حسن[15] ” إلى الأديب عبّاس داخل حسن المصلوب تحت سماء القطب كنجمة الفينيقيين ؛ إنسان دافئ في زمن الصّقيع الأكبر،ورجل أسطوريّ يعيش في مساحة المستحيل،وفي انتظار ما بعده انتظار،ويخلص للتّذكّر رغم مواجعه،ويرسم دفئاً على الصّمت البارد” [16]، فهذا الإهداء يحيل إلى داخل الرّواية بشكل مباشر؛ إذ هو نفس الإهداء الذي كتبه ” الضّحّاك” لحبيبته ” بهاء” في مقدّمة عمله البحثيّ ذا الأجزاء السّبعة ” مزامير العشّاق في دنيا الأشواق” إلى بهاء المصلوبة تحت سماء القطب كنجمة الفينيقيين؛ إنسانة دافئة في زمن الصّقيع الأكبر،وامرأة أسطوريّة تعيش في مساحة المستحيل،وفي انتظار ما بعده انتظار،وتخلص للتّذكّر رغم مواجعه،وترسم دفئاً على الصّمت البارد”.[17]

 

فهل الأديب عباس داخل حسن موجود في الرّواية وأحد أبطالها؟ أما ” بهاء” موجودة في عالم  ذلك الأديب؟ أم أنّ الرّوائيّة قد مارستْ غوايتها في التّلاعب بالملتقّي،وتوريطه في المزيد من الحيرة والقلق والشّك عبر تداخل عوالم الرّواية بعوالم الحقيقة بأكثر من شكل وبعدّة طُرق فنّية،وهذا الإهداء الملغز المقلوب الاتّجاه صورة من صور مزجها لتلكم العوالم؟

 

أعتقد أنّ سناء شعلان قد أنجزت رواية لم تقف عند حدّ محدود من الإحالات،بل سمحت لنفسها بأن تكتب ما تشاء وكيفما تشاء دون أن تبالي سوى بشيء واحد،وهو ” بهاء” و” الضّحّاك” وحبّهما المشتهى،ودون ذلك لم تبال بالواقع المأزوم الذي عرّته دون احترام له،وفضحت المسكوت عنه فيه،وقالتْ بكلّ جرأة: ” أنا أراكم”.

 

وتركت للمتلقي أن يفكّر طويلاً : هل قامت بجرّ الواقع إلى روايتها؟ أم جرّت روايتها إلى الواقع؟

 

أيّاً كانت الإجابة،فذلك لا يغيّر من حقيقة دهشتنا وكسر أفق توقّعنا عندما نرى ” الضّحّاك” يهدي كتابه البحثيّ الملحميّ لحبيبته ” بهاء” ،ثم نجد سناء شعلان تهدي روايتها ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ ” للأديب عباس داخل حسن بالعبارات ذاتها التي استخدمها ” الضّحّاك”،دون أن نستطيع الجزم  بالحدود الفاصلة بين الحقيقة والمخيال في هذين الإهداءين.

 

تداخل السّرد وتركيب المتون:

 

هذه الرّواية تتكوّن من أكثر من متن سرديّ متداخل،بل هي في حقيقة الحال تتشكّل من خمسة روايات تقع في متن رواية واحدة ؛ فالرّواية الأولى هي رواية ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ ” التي تضع سناء شعلان اسمها على غلافها بوصفها مؤلّفتها،وتتكوّن من ثلاثين فصلاً تحمل على التّوالي اسم النّسيان من واحد إلى ثلاثين.وهذه الرّواية هي الوعاء الشّكليّ على امتداد الورق للسّرد الكامل الممتدّ منذ صفحة البداية حتى صفحة النّهاية،وهي تتقاطع داخليّاً مع الرّوايات الأربع الأخرى التي تنساب داخلها،وتتداخل معها،وتصبح جزءاً من لحمتها.

 

ومن ثم هناك الرّواية الثّانية في متن هذه الرّواية وهي رواية ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ” التي كتبها ” الضّحّاك” لتكون حياة جديدة لحبيبته الغارقة في غيبوبة طويلة  ” لقد قرأ كلّ ما كتبته ” بهاء” من ذكريات عن حياتها البائسة في روايتها،ثم مزّق كلّ ما كتبتْ،واختطّ لها ذكريات جديدة ذات بهاء يشبه بهاء جمالها الأحمر في روايتهما ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ” ،ولكنّها لم تعبأ بأقدارها الجديدة التي حاكها لها في روايتهما الأسطورة،وهجرتْ هذا العالم دون عودة “[18].

 

وهذه الرّواية لم نعرف ما هي تفاصيلها أو أحداثها،لكنّنا نعرف أنّ ” الضّحّاك” كتبتها على نيّة أن يجعل منها تاريخاً جديداً لحبيبته “بهاء” : ” سأكتبُ لكِ أجمل الحكايات،وسأسمّي روايتنا هذه ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ”،وسأكتب اسمي واسمكِ عليها،ولذلك لن أكتبَ فيها إلاّ ما تشتهين أن يكون في حياتكِ،وسوف أدفن في صدري أيّ حقيقة لم تريدي أن تبوحي بها إلاّ لي.سأقرأ بتقديس سيرة خطاياكِ وأخطائكِ وزلّاتكِ،وسوف أدفنها في صدري،ولن تزيدكِ زلّاتكِ في عيني إلاّ عظمة وقدسيّة ونقاء،سأكتب لكِ بدلاً عنها أجمل تفاصيل الفضيلة والنّبل والسّمو،سوف تكون روايتنا لنا ولحبّنا،أمّا العابرون فينا،فسوف أنفيهم من روايتنا،لن يكون لنا من التّذّكر سوف ما نشتهي. بعد الآن لن تكوني مجرّد امرأة أَدْرَكَهَا النّسيانُ،بل سوف أتوّجكَ ملكة على قلبي وعلى جبين الخلود على الرّغم من أنف المرض والنّسيان والألم”.[19] .

 

وقد ظلّ ” الضّحّاك ” ينتظر أن تستيقظ حبيبته ” بهاء” من سباتها،لتجد الرّواية التي كتبها لأجلها في انتظارها،” بعد أن بذل جهده ليل نهار في كتابتها لتجد ليغيّر أقدارها بها؛ إذ كتب فيها حياة جديدة لتنسى تماماً أيّ ذكريات مؤلمة عاشتها في الماضي.

 

وكي يجبرها على الاستيقاظ فقد قام بطبع هذه الرّواية،وملأ حجرتها بنسخ منها،وظلّ ينتظر خروجها من غيبوبتها كي يوقعا الرّواية في حفلة توقيع خاصّة بهما ” صديقاه الاثنان كانا يقفان إلى يمناه يتأملان وجهه الحزين الكسيف الموزّع النّظرات بين وجه ” بهاء” وأكوام نسخ رواية ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ” التي نشرها في كلّ مكان في حجرتها في انتظار أن تستيقظ،وتحتفل معه بصدور طبعتها الأولى”[20]

 

وعلى الرّغم من غياب نصّ هذه الرّواية عن سرديّات الأحداث،إلاّ أنّها تتصدّر الأحداث السّعيدة في نهاية الرّواية الورقيّة،ويتمّ نشرها،وتلاقي نجاحاً منقطع النّظير،وتُترجم إلى عدّة لغات دون أن نعرف ما هو مكتوب فيها على وجد الدّقّة ” رواية أَدْرَكَهَا النّسيانُ طبّقت الآفاق شهرة وحضوراً،وحقّقت مبيعات هائلة أغرت النّاشر بترجمتها إلى أكثر من لغة،وأكثر من جهة إعلاميّة وأكاديميّة وثقافيّة عقدتْ جلسات حواريّة ونقاشيّة حولها،وتلقّت أكثر من عرضّ مغرٍ لتحويلها إلى أفلام سينمائيّة.لقد بات العالم كلّه يعرف قصّة العاشقين : “الضّحّاك ” و” بهاء” اللّذين انتصرا على الموت والنّسيان والفراق بقوّة حبّهما الخالد” [21]

 

أمّا الرّواية الثّالثة في متن الرّواية الأم ،فهي رواية المخطوطة التي كتبتها ” بهاء” بخطّ يدها لتكون رسالة اعتراف تضعها بين يدي حبيبها ” الضّحّاك”،وقد اصطحبتها معها في رحلة علاجها من السّرطان على الرّغم من النّسيان الذي هاجمها،وهي رواية مخطوطة عملاقة سيريّة،وهي فعليّاً من تشكّل جسد الرّواية،وتقدّم أحداثها،وتفصح عن حقائقها وأزماتها،وتصحب القارئ في رحلة زمنيّة تمتد لسبعين عاماً في حياة بطلي الرّواية،وفي متنها هناك الحقائق والاعترافات والخلجات والآلام،وقد انتهتْ هذه الرّواية الدّاخليّة المخطوطة بمجرّد أن انتهتْ بطلتها السّاردة الدّاخليّة  التي اسمها ” العاشقة” من رواية أحداث حياة  ” بهاء”،عندها قام ” الضّحّاك” بإعدام الرّواية بإحراقها  في مدفأة بيته ” عندما تبخّرت بعض دموعه من أوار النّار المتعالي في المدفأة،أطعمها دفعة واحدة الرّواية المخطوطة الخاصّة بجميلته الحمراء النّائمة،ووقف يستمتع بتشفٍ وهو يرقب ألسنة النّار تأكل المخطوطة بشهوة ملتهبة،لتحوّلها إلى جمرة ثم إلى رماد في دقائق” [22]

 

وبذلك أعدم ” الضّحّاك” الرّواية المخطوطة التي كتبتها ” بهاء” بخط يدها كي يدفن الماضي فيها،ويلعب لعبة النّسيان الاختياريّ؛ فهو أيضاً يريد أن ينسى ما حدث مع ” بهاء”،ويبغي أن لا تتذكره بأيّ شكل من الأشكال ” هذه المخطوطة هي مخطّط  لرواية أنتِ من كتبها،وأنتِ من رسم شخصيّاتها،كما أنتِ من رسم شخصّية بطلتها التي أسميتها ” العاشقة “،هي رواية جميلة دون شكّ، لكن لا علاقة لكِ بها،فحياتكِ كانتْ مختلفة تماماً،ولعلّها كانت نقيضاً لحياة البطلة التّعسة الحزينة التي حلّ بها مرض نادر أصابها بالنّسيان”.[23]

 

وفي نهاية الرّواية/ في النّسيان الثّلاثين هناك عدد كبير من النّهايات المحتملة لها ،ومنها نهاية تهدم ما حدث في الفصول التي سبقتها،إذ تفترض أنّ الرّواية المخطوطة الخاصّة بـ “بهاء” لم تُحرق،وأنّ هناك اتّجاه آخر في الأحداث ” في الرّواية المخطوطة- الملعونة التي لم تفنَ في حادثة إحراق ” الضّحّاك” لها ” لم تجد ” بهاء” الدّرب إلى ” الضّحّاك” ،ولذلك اخترعتْ ” ضحّاكاً ” جديداً من بناء خيالها الحالم،وظلّت تهذي باسمه وبقصصها الكثيرة معه حتى غدت مجرّد اسماً مكتوباً في لائحة الموتى في مشرحة كليّة الطّبّ في جامعة العاصمة؛ لأنّ لا أحد أبدى أيّ رغبة في استلام جثّتها من المستشفى،ودفنها على حسابه الخاصّ في أيّ بقعة من بقاع الأرض جميعها” [24]

 

وهذه النّهاية المفجعة المفترضة تشكّل المتن الرّوائيّ الرّابع للرّوايات المتداخلة في هذه الرّواية،وهي رواية مفترضة تقول بأنّ المخطوطة الملعونة لم تحترق،وهي بذلك تحليلنا إلى رواية خامسة مفترضة،وهي رواية في فقرة واحدة فقط،وتفترض أنّ الرّواية بأحداثها كاملة لم تحدث أساساً،وأنّ ” بهاء” و ” الضّحّاك” تمّ قتلهما في الميتم في طفولتهما،ودُفنا في قبوه،ولم يكبرا ،وبالتّالي لم يعيشا متن الرّواية الأم التي تحمل أحداث حكايتهما ” في رواية مخيفة يتناقلها أطفال الميتم عن الشّبحين اللّذين يعيشان في القبو يذكرون أنّ هناك طفلة حمراء ملعونة وطفلاً عاشقاً لها مدفونان في تراب القبو بعد أن حبستهما مديرة الميتم في القبو إلى أنْ ماتا جوعاً” [25]

 

وهناك المتن الرّوائيّ الخامس المفترض داخل الرّواية،وهو متن يمتدّ في فقرة واحدة،وهو متن مباغت ومفاجئ وفيه كسر كامل للتوّقعات؛ إذ يفترض هذا المتن أنّ رواية ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ” هي رواية كتبتها  السّكرتيرة  ” باربرا ”  عن عاشقين مشرقيين ” هذا ما كتبته ” باربرا ” في روايتها الشّهيرة الأكثر مبيعاً في بلاد الثّلج والصّقيع التي تحمل عنوان” أَدْرَكَهُمَا النّسيانُ”[26]

 

متاهة السّرد وتركيب البناء وكابوسيّة التّذّكر:

 

هذه الرّواية تتكوّن من ثلاثين فصلاً كلّ منها حمل عنوانَ نسيانٍ ما،وهذه الفصول تقدّم متاهة سرديّة منهكة ومدوّخة تجعلنا في النّهاية نشعر بالرّعب والفزع والقلق والإجهاد ممّا انثال علينا من تفاصيل وأحداث ومعاناة جرّدت المجتمع من ورقة التّوت التي تستر عورته،وأظهرتْ فضائحه وعيوبه،وعرّت مخازي شرائحه،وفضحت حقائقه عبر قصّة حياة  ” بهاء” و” الضّحّاك”،وهما قصّتان تنتظمان قصص المجتمعات العربيّة،بل الأمّة العربيّة،ويمكن إسقاطمها على حياة الشّعوب المضطهدة في كلّ مكان في كوكب الأرض،لنصل إلى نتيجة مفزعة كابوسيّة واحدة،وهي أنّنا جميعاً نعيش في ميتم كبير حيث الألم والوجع والحرمان ” إنّه الميتم في كلّ مكان”[27]،وفي ظلّ هكذا وضع يحرم الإنسان من أصغر حقوقه في الحياة “عندما تحترق الأوطان يصبح العشق محرّماً ” [28]،وبذلك يصبح الوجع هو حجته وتاريخه وتجربته في الحياة ” مَنْ عشقْ حُجّة على مَنْ لم يعشقْ،ومَنْ تألّمْ حُجّة على مَنْ لم يتألّمْ ” [29]

 

وهذه الخلاصة الكابوسيّة هي ما نجدها في بداية الرّواية على شكل استهلالات منقولة عن كتاب  ملحمة ” مزامير العشّاق في دنيا الأشواق” الذي كتبه بطل الرّواية ” الضّحّاك”،وتخدعنا الرّوائيّة سناء شعلان عندما تقدمها على أنّها استهلالات لا أكثر،وهي في حقيقة الأمر مفاتيح للدّخول إلى الرّواية،بل هي حقيقتها،وفحواها،إنّها باختصار تقول لنا إنّنا نعيش جميعاً في ميتم كبير اسمه الوطن،وفي هذا الميتم ليس هناك سوى الوجع والحرمان والألم،فهو كابوس مقيم في حيوات الجميع.

 

وانطلاقاً من ذلك تأتي هذه الرّواية لتكون ضمن تيار الأدب الكابوسيّ في الكثير من تفاصيلها لتأخذ خصائص هذا الأدب الذي ” لا يمثّل كارثة عارضة أو حدثاً استثنائياً بل هو واقع الوجود الإنسانيّ ذاته الذي ليس لرعبه بداية أو نهاية”[30] ، والأدب الكابوسيّ ” أدب الرّعب” يمثّل” الهمّ الرّازح على صدر الحياة والجاثم على أنفسنا” [31] نقابله كلّ يوم دون أن نشعر به، لكن عندما يكتشف يدفعنا نحو الخوف [32] والاشمئزاز دون رحمة متجلّياً في أحداث غريبة عجيبة تكوّن نمطاً من أنماط الخوف ” إنّ الغرائبيّ ينتمي إلى تلك المجموعة من الأشياء المفزعة التي تعيدنا ثانية إلى شيء سبق أن خبرناه أو شعرنا به من قبل” [33]،ورائد إدراك هذه الغرابة هو الخوف لا التردّد .

 

وأمام هذا الكمّ العملاق من الألم لم تجد الرّوائيّة مخرجاً منه سوى النّسيان،ولذلك أعطت كلّ فصل اسم نسيان يحمل رقماً من واحد إلى ثلاثين،وجعلته مرتبطاً بنسيان ما،فنسيت البطلة ” بهاء”  كلّ شيء يوجعها عبر امتداد الفصول،وفي النّسيان الأخير من الرّواية،وهو الفصل الثّلاثين منها،جاء آخر نسيان،وهو “نسيان الماضي” الذي لم يقترن بنسيان ماضي ” بهاء”،بل أيضاً مارس” الضّحّاك” النّسيان ذاته،ونسي ماضيه كاملاً بأوجاعه،وقرّر أن يعيش حياة جديدة ليس فيها إلاّ السّعادة والفرح والطّفولة التي حُرم منها في الماضي،ليصبح طفلاً في السّبعين من عمره،كما أصبحتْ ” بهاء” طفلة على أبواب السّبعين من عمرها ” الضّحّاك هجر التّدريس في الجامعة بشكل نهائيّ،وقدّم استقالته منها بعد إجازته الطّويلة ،وغادرها دون رجعة،وقدّم مكتبة الضّحّاك سليم هدية لدائرة المكتبات القوميّة كي تديرها،وتقوم على شؤونها،وتفرّغ للكتابة الرّوائيّة وعيش تفاصيل السّعادة لحظة تلو لحظة مع “بهاء” طفلته الصّغيرة العاشقة له بشكل جنونيّ؛ فهي ترفض أن تفارقه ولو للحظة واحدة،وتشاركه تفاصيل حياته جميعها حتى تفاصيل استحمامه وقصّه لشعر رأسه،وتهذيبه لأطراف لحيته وشاربه،ونومه حيث تندسّ في حضنه،وتتعلّق برقبته” [34]

 

وفي إزاء هذه الحياة الجديدة التي حصل عليها بطلا الرّواية( بهاء و الضّحّاك) بثمن باهظ،وهو النّسيان الكامل،فقد حصلا على زمن جديد،وحياة جديدة،ولذلك نجد الرّوائيّة سناء شعلان تختم الرّواية بعبارة ” البداية” [35]،بدل أن تختمها بعبارة ” النّهاية”؛ إذ إنّها تعطي أبطال روايتها فرصة جديدة للحياة والأمل والفرح بفضل انتصار واحد في الحياة لا ثاني له،وهو انتصار الحبّ على قبح العالم،وهذه رسالة واضحة تحمل معانيها ودلالاتها وتحريضاتها.

 

السّرد الرّاكض واللّقطة السّينمائيّة:

 

في هذه الرّواية قرار واضح بأن يكون السّرد راكضاً سريعاً لا يحتمل التّراخي أو الحشو أو المشاهد الطّويلة،ولذلك فقد اعتمدت الرّوائيّة على مشاهد اللّقطة السّينمائيّة حيث سرعة الالتقاط،والعناية بالمشهد البصريّ،وقد قدّمت ذلك بالمزيد من المفارقات في هذه الرّواية؛فعلى الرّغم من أنّه نصّ سرديّ بامتياز،إلاّ أنّه قد قدّم بطريقة اللّقطة البصريّة حيث تأخذ الكاميرا مشهداً واحداً مفصّلاً سريعاً،وهو مشهد ملتقط بذكاء ودقّة وسرعة لإبراز الحالة والتّفاصيل.

 

ويبدو أنّ هناك أكثر من تفسير لذلك؛ فمن ناحية أولى الأديبة سناء شعلان مهتمة بكتابة السيّناريو،ولها تجاربها النّاجحة في ذلك،ومن ناحية ثانية هي- بالتّأكيد- تبحث عن شكل جديد في مغامرة تجريبيّة خاصّة،ومن ناحية ثالثة هي منحازة بشكل واضح إلى سرعة السّرد كي تنقذ القارئ من الملل المفترض في رواية كبيرة الحجم،وتشحن المتلقّي بالقلق الذي يجعله متوثّباً لمعرفة المقبل من الأحداث دون أن يستطيع أن يضيّع أيّ مشهد من مشاهد الرّواية،وأقول مشهداً انطلاقاً من تقسيمات السّيناريو السّينمائيّ،ولا أقول اللّوحة السّرديّة انطلاقاً من تشكيلات التّكوين الرّوائيّ.

 

وقد استعانت سناء شعلان بتقنيّة النّقاط المتقطعة لتفصل فصلاً كاملاً بين المشهد والآخر في الرّواية،حتى أنّ بعض المشاهد عندها لم تتجاوز مقدار فقرة أو فقرتين،ولكنّها كانت كافية لتنقل أحداثاً كثيرة،وتتنقل إلى غيرها بسلاسة وسهولة دون قطع وتيرة السّرد،أو الوقوع في فخّ التّفاصيل المملّة القاتلة.

 

إنّ استعراض مشهد واحد من هذه المشاهد يكفي لتمثيل حالة الاختزال الكبيرة للسّرد في الرّواية لصالح سيرها برشاقة وافتتان وجذب  للمتلقّي دون أن تتعثّر بالوصف والإسهاب والإطالة والوقوف عند أحداث كثيرة لا ضير من إعدامها لصالح ركض السّرد باختراق للأنفاس والتّوقعات والتّشوّف للمقبل من الأحداث ” منذ أيام لم يقرأ على ” بهاء” أيّاً من الصّفحات في مخطوطتها،هو يكتفي بأنْ يراقبها،وأنْ يضمّها إلى صدره،وهي تذوي يوماً بعد يوم،ويضع الورد الطبيعيّ في شعرها،ويتلمّس معها نسمات الصّيف الدّافئة التي تهبّ عليهما من النّهر محمّلة بضحك المتنزّهين وصخبهم وفرحهم.هو يهمس لها بالكثير من قصص طفولتهم في الميتم حينما كان أميرها الأوحد في  الحياة،ويحدّثها بلوعة عن بحثه الطّويل عنها،ويتغزّل بجمالها الأحمر الذي لم يسرقه المرض،ولم تهدمه السّنون التي قاربت على السّتين؛فلا تزال حبيبته حمراء شابّة يافعة،وإن كانت في السّتين من عمرها” [36]

 

أسطوريّة الزّمن:

 

للوهلة الأولى يعتقد المعتقد أنّ هذه الرّواية مفرغة من الزّمن خلا زمن التّذكّر والاسترجاع،وهو زمن يمتدّ افتراضيّاً في عامين،وهو زمن قراءة ” الضّحّاك ” في مخطوطة ” بهاء”،وهي غارقة في سبات غيبوبة المرض،ولكن الحقيقة أنّ الزّمن في هذه الرّواية يمتدّ لسبعين عاماً،وهو زمن معاناة بطليها،وهو زمن قابل للإسقاط على أزمان المعاناة ،وهو زمن يتسع كذلك لخسائر الأمّة وعذاباتها وانكساراتها وإحباطاتها،ولذلك عندما تؤرّخ بطلة الرّواية ” بهاء” حياتها بأزمانها،فهي تؤرّخها بالوجع والرّفض،ولا تذكر تاريخاً محدّداً لها،ولكن تترك للمتلقّي الحصيف أن يدرك الأزمان التي تعنيها،وإن لم يستطع تحديدها على وجه الدّقة؛ فله أن يفترض زمناً ما يمكن أن ينطبق على أيّ زمان في الوجود الإنسانيّ ما دام هناك ظلم ووجع وفقر وحرمان واضطهاد ومتاجرة بالبشر والأوطان.

 

كما أنّها عندما تتوقّف عند أزمان معينة، فهي لا تصرّح بتوقيتها،ولكنّها تتركها مفتوحة على الذّاكرة القوميّة الجمعيّة حيث أزمان الفجيعة والحروب والسّقوط والاحتلال والجوع والبطالة واللّصوص والفساد والضّرائب القاتلة والثّورات والحرمان وقمع الحريّات والظّلم واعتقال أصحاب الرّأي وتوسّع المعتقلات وقتل المبدعين والأحرار وأصحاب الكلمة الشّريفة.

 

والزّمن في هذه الرّواية هو زمن دائريّ لا ينتهي،ولكنّه يبدأ من حيث ينتهي،وينتهي من حيث يبدأ في دورة دائمة تكرّر أفعال الحزن والمعاناة،ولذلك لنا أن نصف هذا الزّمن الدّائريّ بأنّه زمن أسطوريّ من حيث عدم انتهائه،وتكرّره مرّة تلو الأخرى،وقد فرض سطوته على أجواء الرّواية عبر تقنيتين،وهما:

 

أ- تقنيّة الفصول والاستهلالات:

 

من المعلوم أنّ الزّمن الدّائريّ المغلق هو زمن أسطوريّ؛لأنّه باختصار لا ينتهي،وإنما يبدأ من حيث النّهاية،ويعود من جديد إلى البداية،فهو زمن مكرور لا يمكن أن يتوقّف أو ينتهي،ومن هنا تتأتى أسطوريّته وسطوته وفزعه؛ إذ هو غير قابل للانتهاء،ودائم التكرّر والتجدّد في حيوات البشر،وكما هو واقع معيش في حياة بطلي الرّواية  ” بهاء” و” الضّحّاك” .

 

فالزّمن الأسطوري هو من الزّمن الدّوريّ الذي نجده في شكل حقيقة انثروبولوجيّة في الحضارات القديمة كلّها،وهو قائم على إمكانيّة تكرار الزّمان مع تكرار الأفعال النّموذجيّة المحاكية لفعل مقدّس أوّل،ولا يختلف هذا الزّمن عن الزّمن الأوّل زمن أساطير الخليقة؛ لأنّ أساطير الخليقة تنطوي على أنّ الخلق عمل متجدد أبداً [37]، فالزّمن الأسطوريّ كما يراه أرنست كاسرر زمن ” بيولوجيّ يراه البدائيّ سياقاً لمراحل حياتيّة متباينة الجوهر،فالظواهر الزّمنيّة المتمثّلة في الطّبيعة كتعاقب الفصول وحركات الأجرام السّماويّة وغيرها تعدّ دلائل على خطّة خياليةّ مماثلة لخطة حياة الإنسان وحياة الطّبيعة” [38]

 

والزّمن الأسطوريّ زمن مطلق قابل للاستعادة والتّكرار والعودة إلى البداية؛ فهو زمن البدايات والعود السّرمديّ”[39]

 

وقد صنعت سناء شعلان هذه الأسطوريّة الدّائريّة من لعبة التّقسيم الدّاخليّ للرّواية؛ فهي تتكوّن من ثلاثين فصلاً تنتظم حياة بطلي الرّواية من البداية الأولى (ولادتهما) حتى البداية الأخرى (زمن نسيانهما،وانطلاقهما في دنيا الحبّ)،ولا شكّ أن تقسيم الرّواية إلى ثلاثين فصلاً يشير إلى مدّة الشهر وهو 30 يوماً،في حين أنّ الاستهلالات التي بدأت بها الفصول عددها سبعة،وهذا بمقدار عدد أيام الأسبوع،أمّا عدد نجوم ” الأوريغامي”  فهو 365 نجمة،وهو عدد أيّام السّنة،وباستحضار أيام الأسبوع مع أيام الشّهر مع أيّام السّنة،يتكون عندنا مفهوم الزّمن المشكّل للعام في التّقويم الإنسانيّ.

 

والعام في الرّواية لا ينتهي،فقد بدأت الرّواية به،وفي نهايتها،لم نجد كلمة نهاية،لينتهي الزّمن،بل تؤكد الرّوائيّة أسطوريته،بأن بدأته من جديد بكلمة ” البداية” لتجعل منه زمناً دائريّاً أسطوريّاً لا ينتهي،ويبدأ من حيث ينتهي،وينتهي من حيث يبدأ،ويفرض سطوته على البشر باستمراريته،وعدم خضوعه لجبروت الموت والانتهاء.

 

والمدهش في الأمر أنّ دورة الزّمن الثّلاثينيّ (مقدار شهر) حصّلتها الرّوائيّة من سطوة النّسيان،إذ هي تربط كلّ نسيان بيوم من أيّام الشّهر،في حين دورة الزّمن السّباعيّ ( مقدار الأسبوع) حصلّتها الرّوائيّة من سطوة التّذكّر التي بنتها من تذكّر الجمل التي كتبتها بطلة الرّواية ” بهاء” في داخل نجوم ” الأوريغامي”[40] المغلقة التي هي وحدها تعرف المكتوب فيها،وعندما يقرؤها ” الضّحّاك” عليها إنّما يحاول أن يذكرها بما كتبتْ ثم نسيتْ،وعند إحصاء عدد الجمل المكتوبة في نجوم ” الأوريغامي” عبر امتداد الرّواية كلّها يتّضح أنّ عددها هو 365،وهو عدد أيّام السّنة،وبذلك تغدو توليفة الزّمن كاملة في هذه الرّواية: اليوم والأسبوع والسّنة،وهي مكوّنة من تشكيل البناء السّرديّ الدّاخليّ للرّواية،وبذلك تقدّم الرّوائيّة -بتقنيّة فائقة وابتكاريّة- زمناً داخليّاً ينتظم الرّواية بدل الإحالة المباشرة إلى الزّمن الخارجيّ الذي تتهرّب منه الرّاوية لصالح زمنها الدّاخليّ الذي يشكّل وقعها الخاصّ الذي يضبط الفعل،ويقطعه ظاهرّياً عن علاقته بالأزمان الخارجيّة المؤّرخة عند البشر،في حين هو في حقيقة الأمر في البنية الدّاخليّة للتّأويل يشير مباشرة إلى هذه الأزمان التي احتوتْ على أفعال الألم والهزيمة والعذاب في الذّاكرة الفرديّة والجمعيّة.

 

ومن هذه التّولفة الزّمنيّة السّرديّة التي خلقتها سناء شعلان من( عدد الفصول الثّلاثين+ استهلالات الأوريغامي السّبعة + عدد نجوم الأوريغامي الـ 365) يتجلّى صراع الزّمن والأفعال في الرّواية؛ فمن ناحية أولى هناك سطوة الشّهر+ النّسيان،وفي النّاحية الثّانية هناك سطوة الأسبوع + التّذكّر،ومن ناحية ثالثة هناك سطوة أيام السّنة الـ  365 التي تجمع بين النّسيان والتّذكّر،وبين هذه القوى الثّلاث التي تكوّن فكرة الزّمن عند الإنسان تعيش أحداث حياة ” بهاء” و ” الضّحّاك” التي تغرق في النّسيان الذي هو في حقيقة الوضع تذكّر كامل،فلا يمكن أن يقوم البطلان بفعل النّسيان إلاّ إن قاما بفعل التّذكّر كاملاً،ولا يمكن أن يكون التّذكّر حقيقيّ إلاّ عند البوح والتّعرّي،ومن هذا المنطلق عرفنا حقائق حياتهما بكلّ ما فيها من فجائع وفضائح ووجع،لقد غدا الاعتراف في هذه الرّواية هو تطهّر،تماماً كما هي الكتابة فيها تطهّر ” قرّرتُ اليوم أنْ أكتب مذكراتي لتكون رواية اعتراف لـ ” الضّحّاك ” الذي عليه أن يعرف الحقيقة الكاملة عنّي،وعن ضياعي في دروب الدّنيا قبل أن أنسى الدّروب والطّريق والمعالم ؛لقد كانت رحلة العمر دونه مضنية ومذلّة وخاسرة بالمقاييس جميعها،إلى حدّ أنّني ضيّعت حقّي في أن أحلم بأن أسير في دربه ؛ لأنّني ضيّعتني إلى حدّ الفقد الكامل،وما أظنّ أنّه سيعرفني الآن لو رآني،ربما ملامحي تذكّره بي،أمّا إنْ لمس روحي بنظراته،أو شمّ رائحة جسدي المزكوم بعفن الرّجال والرّذيلة،فسوف يدرك أنّ ” بهاءه” كما كان يسميني قد تصدّعتْ وتلاشت.ليس المرض الذي فتك بي هو من يدفعني الآن إلى الكتابة له،بل هي رغبتي في أن أتطهّر من النّجس الذي لحق بي في رحلتي المضنية في حلبة الصّراع الشّرس غير المتكافئ بين امرأة وحيدة معدمة وبين حياة متوحّشة متنمّرة.هم يسمون هذه الحلبة الدّامية الحياة،وأنّا أسميها العذاب،كما يسمون الكتابة موهبة وترفاً وأدوات للمبدعين والمتطهّرين،وأنا اسميها طريقة اعتراف واحتجاج على الحياة وظلمها وتضييعها لنا نحن معشر الضّعفاء والمنكوبين والمنكودين”[41]

 

والطّريف في هذه الرّواية أنّ بطليها قد تطهرا بالاعتراف والكتابة؛ فـ ” بهاء” تطّهرت من أفعالها المشينة وتاريخها المخزي عندما كتبت مخطوطتها،و” الضّحّاك”  تطهّر من أوجاعه وذكريات طفولته وألم انتظار استيقاظ حبيبته من الغيبوبة عندما كتب رواية ” أَدْرَكَهَا النّسيانُ” ،وعندما اجتمع العاشقان في نهاية الرّواية قرّرا أن يستهلا الحياة الطّاهرة السّعيدة بفعل الكتابة المشتركة،وأن يكتبا رواية مشتركة جديدة ” بهاء والضّحّاك” يكتبان الآن روايتهما الجديدة المشتركة التي ستتحدّث عن رجل عاشق اسمه ” الضّحّاك” لم يستطع أن يخرج حبيبته ” بهاء” من غيبوبتها الأزليّة بسبب إصابتها بسرطان الدّماغ،فدخل في غيبوبة مماثلة لغيبوبتها ليلقاها هناك في عوالم العدم والمجهول حيث هي مسجونة هناك قهر إرادتها” [42]

 

فالرّواية تجعل من فعل الكتابة فعلاً مطهراً ومقدّساً،ولذلك هاجمت الرّواية من يبيعون أقلامهم،وجرّمتهم بنفس جريمة من يبيعون الأجساد،فلا فرق بين بيع جسد أو قلم،ولعلّ بيع القلم هو أبشع،ولذلك كانت خسارة ” بهاء” في بيعها لقلمها وإبداعها لا تقلّ قبحاً وفجيعة عن بيعها لجسدها للرّجال الذين دفعوا المال لها مقابل شرفها وكرامتها وكبرياءها وعمرها ” هي اعتادتْ على أن تبيع لهم كلماتها كي تعتاش بها،بعد أن ضاقت ذرعاً بزبائنها الذين كانوا يشترون جسدها مقابل نقودهم النّجسة،وضاقوا بشبابها الذي غادرها بعد طول تلذّذهم به،فأخذتْ تتاجر بكلماتها،وتمارس دعارة القلم بدل دعارة الجسد” [43]

 

حتى عندما حاولتْ ” بهاء” أن تقنع نفسها بأنّ بيع القلم أقلّ رخصاً من بيع الكلمة،كانت في أعماقها مؤمنة بعمق بأنّ البيعين هما على درجة واحدة من الرّخص والخسّة : ” كنتُ أعتقد أنّ أكبر انتصار حقّقته لنفسي الوطن كان عندما قرّرتُ بحزم أن أوقف الاتّجار بنفسي وعرضي،وحصرتُ البيع والشّراء في كلماتي وإبداعي بعيداً عن جسدي، بعد أن أقنعتُ نفسي بأنّ بيع الكلمات والمواقف أقلّ من بيع الأجساد والأعراض،وأوهمتُ نفسي بأنّني مقتنعة بهذه المفاضلة بين بيعين رخيصين لا يمكن أن نفضّل أحدهما على الآخر في التّنخيس والتّسليع” [44]

 

تقنيّة عدم تراتبيّة السّرد وترتيب الفصول:

 

من الأمور المدهشة بحقّ في بناء هذه الرّواية أنّها لا تخضع أبداً لسلطة الزّمن التّراتبيّ،بمعنى أنّها لا تحتاج إلى التّسلسل الرّياضيّ الطّبيعيّ من الرقم واحد إلى الرّقم ثلاثين كي يستقيم السّرد،ويسير في سيرورته الطّبيعيّة محمّلاً بالأحداث والأفعال والمواقف،بل هناك ظاهرة مدهشة في تشكيل التّرتيب في هذه الرّواية؛ إذ يمكن بكلّ سهولة وبساطة أن نضع فصلاً مكان آخر دون أن تنهار الرّواية،أو يتأثر سردها،أو تنهار لحمتها الدّاخليّة،وقد تأتّى ذلك من ذكاء استخدام تقنيّة الاسترجاع،بشكل يسمح -على سبيل المثال- بأنّ  نضع الفصل الأخير بدل الفصل الأوّل أو مكان أيّ فصل في الرّواية دون أن تنهار الرّواية،أو يتزعزع تنظيمها الدّاخليّ؛ لأنّها رواية قائمة على التّذكّر والاستدعاء والاسترجاع ودفق الذّكريات،ومن أيّ نقطة بدأ ذلك لن يؤثّر على سير أحداث الرّواية أو يكسر متعتها،وقد ساهم الزّمن الدّائريّ الذي بُنيت الرّواية عليه على تعزيز هذه التّقنيّة،وجعل الرّواية عبارة عن ثلاثين نسياناً موجعاً قابلة للاصطفاف السّرديّ دون أيّ سلطة لتراتبيّة الزّمن التّعاقبيّ عليها.

 

فظائعيّة المكان:

 

على الرّغم من انتصار الرّواية للمكان الحاضن حيث البرد والصّقيع الذي هو بديل للوطن الخاذل حيث الاحتراق والألم،إلاّ أنّ أنّها لا تصرّح باسم أيّ مكان على وجه التّحديد،وتترك للقارئ أن يختار المكان المفترض لهذه الأحداث التي يمكن أن تحدث في أيّ مكان في المعمورة ما دام هناك وجع وألم وحرمان.

 

والمكان في ظاهرة،أو في بنيته الخارجيّة ينحصر في مدينة ثلجيّة باردة حيث بيت ” الضّحّاك” الذي يقبع قرب نهر بارد متجمّد في معظم أيام السّنة،ولكن السّرد المتاهة في الرّواية يتأرجح في كلّ مكان حتى يعتقد المعتقد أنّه يمتدّ عبر أماكن الدّنيا كلّها ما دام هناك ألم وظلم ومعاناة.

 

فهذه الرّواية عندما تستحضر المكان،فهي تستحضر مكاناً مأزوماً موجوعاً،لا تحديد له على وجه الدّقّة،ولا نعرف له اسماً،ولكنّه مكان فيه القتل والذّبح والثّورات والنّهب والظّلم والفساد،ولذلك هي لا تبالي به،ولا يعنيها أمره،وترفض أن تسمّيه وطناً لها،كما ترفض أن تسمّي نفسها مواطنة فيه،وتراه مكاناً خراباً،وصورة كبرى عن الميتم؛ فالوطن والجغرافيا الظّالمة لها هي جميعها في نظرها ميتم كبير.

 

وفي هذا المكان الخاذل حيث الميتم الوطن تحدث الأمور المتوحشّة جميعها من ظلم وقتل واغتصاب واستغلال ونهب وسرقة وبطش وتعذيب وقهر،ولذلك لا نجد ” بهاء” تشير إلى هذا المكان إلاّ بالغضب والكره،وترفض أن تكون جزءاً منه،ولا تبالي بمصيره،أو بما يحدث به،وتنحصر أحلامها وأحلام ” الضّحّاك” في الهروب منه ” كم يشعرُ الآن بذنب ملوّع ؛لأنّه نكث وعده لها،ولم يهرّبها من الميتم قبل عقود طويلة! كان عليه أن يهرّبها من ميتم الأيتام،ومن ميتم الوطن،وأن يشاركها فيما حصل عليه من حظوظ سعيدة عندما وصل إلى هذه الأرض مع ابن عمّ أبيه،ليعيش حياة كريمة بهيجة لا ينقصها إلاّ أن تكون معه” [45]

 

و” بهاء” تسخر من الذين يدّعون الوطنيّة في أوطان محترقة ” وهو كان خير من يتكلّم عن الوطن والوطنيّة،إذ كانت تعني عنده التّنفّع والاستغلال بأشكاله المتاحة له بحكم وظيفته الإداريّة الحسّاسة في المدينة.أمّا إن كانت الوطنيّة تعني البذل والعطاء والتّضحية،فهو كان يلقي بها في وجه المساكين والمستضعفين من أبناء الوطن ليدفعوا ثمن وطنيتهم بالإجبار؛ فالقسمة عنده وعند أمثاله من المزورين كانت واضحة تماماً؛ فالوطن لهم،والوطنيّة للفقراء والمنكودين والمستضعفين والشّرفاء وأصحاب الضّمائر الحيّة والذمّم النّظيفة التي لا تُباع ولا تشترى.”[46]

 

والمفجع في هذه الأوطان المياتم التي تهرب ” بهاء” منها أنّها تسير لحظة تلو أخرى نحو الدّمار،وأن لا أمل فيها للنّجاة أو الإصلاح،تماماً كما لا فرصة فيها لانتصار الحقّ والفضيلة،ومحاربة الفساد،ومعاقبة المفسدين؛ فهي عوالم مفلسة تماماً ” وأنا أراقب قطعان الجاموس تسرح في السّهوب،تذكّرت الجياع في كلّ مكان في أصقاع هذه المعمورة،وحسدتُ الأبقار على اختلاف أنواعها وسلالاتها في هذا المكان وفي بلادي على وافر حظّها مقارنة بعذابات البشر في كلّ مكان،وقرع ذهني سؤال قلق نخزه بوجع مسلّة عمّا تراه يحدث الآن في مدائن الشّرق التي فارقتها وهي تستعر بالنّار والفتن والابتلاءات والمصائب،ويجوبها اللّصوص والقتلة آمنين فرحين،ويموت فيها الأبرياء والأبطال والصّالحين،في حين تسمن الكلاب والأبقار والخنازير والفئران الآدميّة حتى تختنق بسمنتها” [47]

 

وتزداد الفجيعة  في نفس ” بهاء” لأنّها تدرك مقدار الخسارات حولها ” كلّ شيء حولي أصبح خاسراً بامتياز؛ المدن والمواطنون والأفكار والأحداث والمذعنون والرّافضون جميعهم الآن خاسرون،لا شيء هناك في الأفق سوى الخسارة،والجميع ضلّوا الدّرب في متاهة تاريخيّة مخيفة ينزلقون فيها دون مقاومة” [48]

 

وتكون الخسارة الحقيقة لـ “بهاء” عندما تخسر انتمائها لوطنها،ولا تعود تبالي بمصيره ما دام هذا الوطن لم يقم بدوره الطّبيعيّ تجاهها،فلها عندئذٍ أن تخلعه غير آسفة على ذلك ” لا تعنيني خسارات التّاريخ والنّاس أجمعين؛فمنذ زمن طويل أصبحتُ بفعل الحزن والوحدة والمعاناة كائناً لا ينتمي إلاّ لنفسه ولذاته ولمعاناته،ولا يحرّكه أيّ صوت في الخارج أيّاً كان،ولذلك لم يعد يشكّل فارقاً عندي إلى من أنتمي،وأين أسكن،وما اسم جماعتي أو حضارتي،ما دمتُ نكرة مضيّعة فيهم،إلى حدّ أنّني لا أعرف لي اسماً أو نسباً.أنا في هذا العالم ممّن ليس لهم بواكٍ أو ناعون،ولذلك لا أجيد أن أبكي على أيّ أحد” [49]

 

وفي المقابل نجد ” الضّحّاك” الذي وجد وطناً ثلجيّاً يحتضنه،ويحبّه،ويعوّضه عن وطنه الطّارد له ولغيره من أبنائه ” فهو يشعر أنّه الآن في وطنه؛ فالوطن عنده هو الاحتضان والحبّ والاكتفاء،وهذا المكان قد احتضنه،وأحبّه،ولذلك هو وطنه،أمّا تلك الخرائب القاسية في الشّرق حيث يرتع اللّصوص والقساة،فهي ليست أوطاناً في نظره،إنّها ليست أكثر من خرائب تاريخيّة قد سطا عليها لصوص عابرون للتّاريخ؛ إذ خرجوا من رحم الماضي حيث قصص الشّطار والعيّارين والبصّاصين والوشاة وقطّاع الدّروب،وعاثوا فساداً في الحاضر” [50]

 

لقد خلع ” الضّحّاك” وطنه الشّرق بما جنى عليه،وأصبح عنده لا يساوي أكثر من البصق عليه ” يشرب كأساً وراء كأس نخباً لوطنه الحنون عليه،ويبصق مرّة تلو الأخرى على وطنه الماضي كلّما تذكّر يتمه ووحدته وحياته الضّالة فيه حيث عاش فيه حياة قطّ أعور حزين مقطوع الذّنب مهترئ الحظّ” [51]

 

أمّا وطنه المرأة الحبيبة فقد ظلّ يبحث عنها لمدة نصف قرن حتى وجدها،ووجد بها الوطن المفقود والزّمن المسروق،وبدأ يعيش معها أفراح الوطن والطّفولة التي لم يعشها،ولكن في الوطن الثّلجيّ البديل المحتضن لهما،لا في الوطن الطّارد الظّالم لهما ”  لقد قرّر أن يعود بها إلى وطنه الحقيقيّ، ولا وطن له سوى بيته الذي اشتراه وأثّثه وجهّزه للقائها،هناك سوف يعيشان بسعادة حتى يرحلا عن هذا العالم الكئيب” [52]

 

الإحالات والمراجع:

 

[1]  –   صدرت الرّواية في طبعتها الأولى في شهر كانون الأوّل من العام 2018،عن دار أمواج للنّشر والتّوزيع،عمان،الأردن.

 

[2]  –   سناء شعلان: أَدْرَكَهَا النّسيانُ،ط1،أمواج للنشر والتّوزيع،عمان،الأردن،2018،ص 28

 

[3] –   نفسه: ص 314

 

[4]  – انظر غلاف الرّواية: سناء شعلان: أَدْرَكَهَا النّسيانُ،ط1،أمواج للنشر والتّوزيع،عمان،الأردن،2018.

 

[5] –  انظر مادة درك، لسان العرب، ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، (ت175هـ). لسان العرب، ط3، 12 مجلد، ج6، دار إحياء التراث، بيروت، 1993.

 

[6] –  سناء شعلان: أَدْرَكَهَا النّسيانُ، ص3

 

[7] –   نفسه: ص 46

 

[8] –   نفسه: ص47

 

[9] – نفسه : ص 93

 

[10] – نفسه : ص195

 

[11] – نفسه: ص46

 

[12] –  نفسه: ص52

 

[13] –   نفسه: ص 2

 

[14] – نفسه: ص278

 

[15] – عبّاس داخل حسن،أديب عراقي مواليد 1962،مقيم من ثلاثة عقود في فنلندا،صدر له خطى فراشة،وألق الحكاية،وسقوط السّماء في خان الشّابندر،ومزامير يوميّة.

 

[16] – سناء شعلان: أَدْرَكَهَا النّسيانُ،ص5

 

[17] – نفسه: ص180

 

[18] – نفسه: ص299

 

[19] – نفسه: ص56

 

[20] – نفسه: ص281

 

[21] – نفسه: ص306

 

[22] –  نفسه: ص277

 

[23] – نفسه: ص58

 

[24]- نفسه: ص 313-314

 

[25] – نفسه: ص314

 

[26] – نفسه: ص 313

 

[27] – نفسه:ص4

 

[28] – نفسه: ص4

 

[29] – نفسه: ص4

 

[30] – محمد خلاف : النصّ الخراطيّ تأسيس الواقع النّفسانيّ ، الفكر العربي المعاصر ، ع 42 ، 1986 ، ص 92

 

[31] – نفسه: ص92

 

[32] – سيجموند فرويد : محاضرات تمهيديّة جديدة في التّحليل النّفسيّ،ترجمة عزت راجح، مكتبة مصر، القاهرة، -195، ص17

 

[33] – نفسه: ص17

 

[34] – نفسه: ص307

 

[35] – نفسه: ص314

 

[36] – نفسه: ص181

 

[37] – محمد عجينة: موسوعة أساطير العرب عن الجاهليّة ودلالاتها، ج2،ط1،دار الفارابي،بيروت،لبنان،1994،ص 194.

 

[38] –  نورثروب فراي وآخرون: الأسطورة والرمز، دراسات نقدية لخمسة عشر ناقداً،ط2،ترجمة جبرا إبراهيم جبرا،المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر،ط2،بيروت،لبنان،1980، ص 36

 

[39] –   محمد عجينة: موسوعة أساطير العرب عن الجاهليّة ودلالاتها، ج2 ، ص194.

 

[40] –    الأوريغامي هو: فنّ طي الورق أو الأوريغامي أو الأوريجامي باليابانيّة: من أوري-Ori و معناه (الطّي) والغامي-kami معناه الورق، هو فن طي الورق الذي يرتبط بالثّقافة اليابانيّة.الاستخدام الحديث لكلمة ” أوريجامي” هو مصطلح شامل لممارسات الطّي بغض النّظر عن ثقافتها الأصليّة، والهدف منها هو تحويل ورقة مسطحة إلى الشّكل النّهائيّ من خلال تقنيّات النّحت والطي. انظر الرّابط التّالي:

 

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%BA%D8%A7%D9%85%D9%8A

 

[41] –  سناء شعلان: أَدْرَكَهَا النّسيانُ، ص47

 

[42] – نفسه: ص112

 

[43] – نفسه: ص61- 62

 

[44] – نفسه: ص190

 

[45] – نفسه: ص162

 

[46] – نفسه: ص189

 

[47] – نفسه: ص268

 

[48] – نفسه: ص186

 

[49] – نفسه: ص186

 

[50] – نفسه: ص75

 

[51] – نفسه: ص76

 

[52] – نفسه: ص34

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى