اليوم العالمي للمتاحف موعد سنوي يحيي مستقبل التقاليد
النشرة الدولية –
تتعدد أدوار المتاحف في بلدان العالم، وتتطور رسالتها يوما بعد يوم، فبعد أن كانت المتاحف تضم بين جنباتها الآثار القديمة والأدوات الحجرية الأولى التي استخدمها الإنسان، واللوحات والتماثيل والكثير من الأعمال الفنية، التي تُعَبّرُ عن التطلعات السامية لبني البشر، صارت اليوم تضم أيضا منجزات العصر الحديث في شتى مجالات العلوم والفنون، ومختلف أنماط التطور في شتى طرق الحياة.
وبعد أن كان دور المتاحف هو جذب الزوار الذين باتوا أكثر حنينا إلى الماضي، في ظل التطورات التقنية والعلمية المتلاحقة، صار اليوم للمتاحف دور تعليمي يتنامى يوما بعد يوم.
ومع تزايد أهمية المتاحف، يتزايد سعى الباحثين للنظر في التطور الذي طرأ على وظيفة المتاحف وتنوع أنماطها، وانتشارها واتساع استخدامها في العالم أجمع.
وفي مناسبة احتفالات العالم باليوم العالمي للمتاحف الذي يحل يوم 18 مايو من كل عام، خلصت دراسة مصرية معمارية وفنية حديثة أعدّها ثلاثة باحثين مصريين -هم عبدالرحمن بكر وأشرف حسين، الأكاديميان في كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان، وأحمد عوض الأكاديمي في كلية الهندسة بجامعة 6 أكتوبر- إلى وجود صياغة رمزية في عملية تصميم الحيز الداخلي للمتاحف في الكثير من بلدان العالم، وتوظيفها كآلية للدعاية السياسية، وحدوث الكثير من التغير على المفهوم الذي كان سائدا حول دور المتحف كمركز ثقافي وسجل بصري يوثق شخصية الأمم.
ويأتي احتفال هذه السنة تحت شعار “المتاحف كمراكز ثقافية: مستقبل التقاليد”، حيث يركز على الأدوار الجديدة للمتاحف باعتبارها جهات فاعلة نشطة في مجتمعاتها؛ فقد حافظت المتاحف على مهماتها الأساسية “التجميع، الحفظ، التواصل، البحث، والمعارض” وعملت على جعل ممارساتها أقرب إلى المجتمعات التي تخدمها، وتبحث اليوم عن طرق مبتكرة لمعالجة القضايا الاجتماعية المعاصرة وإيجاد حلول للصراعات. ورأت الدراسة أن المتاحف عامة، والمتاحف القومية بشكل خاص، باتت تمثل إحدى أهم آليات الدعاية السياسية للدول والشعوب، وذلك من خلال إيصال رسالة المتحف الثقافية وأهدافه القومية عبر دلالات ومعاني الصياغة الرمزية للتصميم الداخلي والمعماري بالمتحف ضمن عناصر المنظومة المتحفية.
وأقرّ الباحثون في دراستهم التي حملت عنوان “الصياغة الرمزية للتصميم الداخلي في المتاحف القومية كآلية للدعاية السياسية “، بضرورة توسيع قاعدة تطبيق الصياغة الرمزية للتصميم الداخلي والمعماري للمتاحف بصفة عامة، وذلك بغرض تفعيلها كأداة رئيسية في إيصال الرسالة المتحفية إلى جمهور المتحف، كما تمت التوصية بتطبيق الصياغة الرمزية للتصميم الداخلي والمعماري للمتاحف القومية المصرية والعربية كإحدى آليات الدعاية السياسية للتوجهات القومية العربية.
وبحسب الدراسة فإن المتاحف القومية هي إحدى أهم المؤسسات الثقافية للدولة والتي تعكس حضارة مجتمعها وتراثه وتمثل ذاكرته المادية والمعنوية، بل وتتخطى ذلك إلى تجسيد الرؤية الحضارية للأمة. ومن ثم تُعد المتاحف من أهم وسائل تحقيق الأهداف القومية لأمة ما على المستوى الثقافي والسياسي وذلك عبر رسالة المتحف الثقافية، وهو ما انعكس بدوره على كيفية التصميم الداخلي والمعماري للمتاحف القومية، هذا إلى جانب ما وضعته المفاهيم الجديدة والاتجاهات الفكرية المعاصرة للتصميم الداخلي والمعماري للمتاحف في العقود الأخيرة، إذ ربطت بين المكونات المعمارية، وآليات العرض المتحفي، ومضمون الرسالة المتحفية، ومنها جاءت الصياغة الرمزية للتصميم الداخلي والمعماري للمتاحف كرابط مادي يكفل نقل معاني الرسالة الثقافية إلى جمهوره.
وذكرت الدراسة أن “المجلس الدولي للمتاحف” قد عرّفَ المتحف بأنه كل مؤسسة دائمة تقوم بحفظ المجموعات الفنية والتاريخية والعلمية ودراستها وتشجيعها بمختلف الوسائل وبخاصة عن طريق عرضها للجمهور للترويح عنه وتثقيفه. ويعتمد زوار المتاحف -سواء كانوا من الخاصة أو من العامة- على ما يقدمه المتحف وما يحدثه من تغيير في أفكارهم، وهذا هو ما أنشئ المتحف من أجله، ويعدّ المتحف بمثابة مؤسسة هامة تشمل الهوية
الثقافية العامة المتمثلة من قبل كلّ من الأدلة التقليدية المادية والمعنوية. وبصفة عامة فإن المتحف عبارة عن منشأة ثقافية تعليمية دائمة تقوم بخدمة المجتمع وتعكس مدى تقدمه عن طريق القيام بعمليات العرض والحفظ والاتصال والنشر، وذلك لخدمته في المجالات الثقافية والبحث والتعليم، ومن ثم تميل المتاحف في الوقت الحاضر إلى أن تكون مراكز ثقافية.
ورأت الدراسة أن المتاحف تعتبر مرآة تعكس مدى تقدم الحضارات والشعوب على المستوى الفكري والعلمي والفني، إضافة إلى أنها ذاكرة الأمم لما تحتويه وتعرضه من تاريخ وأحداث مرت بها تلك الأمم خلال العصور المختلفة. وتعتبر المتاحف من أهم وسائل الاتصال بين الماضي والحاضر، بل بين الشعوب أيضا. ومن خلال المتاحف تتعرف الأجيال على مراحل وفترات من تاريخها، وتعد من أهم الوسائل التي يعتمدها الدارسون لمعرفة تاريخ أمة من الأمم أو نمط شعب من الشعوب، لذا ظهر خلال العقدين الأخيرين توجه نحو الاهتمام بالمتاحف المعاصرة وأخذت تنتشر نظرية جديدة مفادها أن دور المتاحف هو تعليم وتثقيف الزائر وإطلاعه على كل مظاهر الحضارة التي تنتمي إليها مجموعة مّا من الآثار. كما يُعد من واجبات المتحف العمل على خلق وعي جديد لدى الشعب، وتنمية مشاعر الولاء والانتماء، ويقوم المتحف أيضا بإطلاع المجتمع المحيط على تاريخه بصورة ملموسة.
يذكر أن اليوم العالمي للمتاحف كان قد بدأ الاحتفال به عام 1977، وذلك بهدف إتاحة الفرصة أمام المختصين للتواصل مع العامة وتنبيههم للتحديات التي تواجه المتاحف إذا أصبحت -حسب تعريف المجلس للمتاحف- مؤسسات في خدمة المجتمع وتطويره.