كيف ستتأثر “هواوي” ومستخدمو جوالاتها بعد تضييق الخناق عليها من “جوجل” وآخرين؟
النشرة الدولية –
“الخوف من الآخر”، قد يقود إلى نشوب صراع تكسير عظام بين القوى العظمى، على غرار ما حدث بين قطبي الحضارة اليونانية (أثينا وسبارتا) في عصر ما قبل التاريخ، وهو أمر يحذر كثيرون من تكراره كما ناقشنا في تقرير “الحرب البيلوبونيزية”.
لم يعد يخفى على أحد القلق الذي تشعر به الولايات المتحدة الآن من صعود الصين كقوى عالمية ذات تأثير هائل في العالم على الأصعدة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، ولعل هذا ما تعكسه تصريحات وقرارات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” مؤخرًا.
وقال “ترامب” في مقابلة مع “فوكس نيوز”، إنه سعيد للغاية بالحرب التجارية التي أشعلها مع الصين، مضيفًا: أعتقد أنها -الصين- تريد أن تحل محل الولايات المتحدة كقوة عظمى رائدة عالميًا، لكن هذا لن يحدث خلال رئاستي.
وجاءت هذه التعليقات بعد أيام من قرار الإدارة الأمريكية بزيادة التعريفات الجمركية على واردات صينية قيمتها 200 مليار دولار إلى 25% من 10%، في ظل محاولات “ترامب” لإخضاع بكين خلال المحادثات الجارية والتي تبدو في الرمق الأخير لها.
الخوف الأمريكي من تعاظم النفوذ الصيني، كان جليًا أيضًا في محاولتها المضنية للحد من وصول تقنيات “هواوي” إلى أسواقها المحلية وكذا أسواق الحلفاء في أوروبا وآسيا، لا سيما تكنولوجيا شبكات الجيل الخامس التي تعد الشركة الصينية رائدًا عالميًا فيها.
هذه المخاوف التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها “ذات دوافع سياسية” وليست أمنية -تزعم الإدارة الأمريكية أنها تواجه تهديدات تتعلق بالأمن القومي من الشركة الصينية- دفعت “ترامب” إلى إدراج “هواوي” ضمن قائمة سوداء تحد من وصولها إلى الموردين الأمريكيين.
إدراج “هواوي” بالقائمة السوداء يعني أن الشركات الأمريكية ستحتاج إلى تراخيص خاصة لبيع منتجاتها إلى صانعة الجوالات الصينية، بالإضافة طبعًا إلى تقييد بيع منتجات الشركة الصينية في السوق الأمريكي.
حتى توقيع القرار من قبل “ترامب” في الخامس عشر من مايو، لم يكن مفهومًا بالضبط ما هي تبعاته، لكن خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي بدأت ملامح الإجراء الحقيقية في الظهور، حيث علقت شركة “جوجل” بعض معاملاتها مع “هواوي”.
وفقًا لما كشفت عنه “رويترز”، فإن “جوجل” (المالكة لنظام التشغيل “أندرويد”) علقت المعاملات التي تشمل نقل أجهزة أو برمجيات أو خدمات فنية للطرف الصيني باستثناء البرامج مفتوحة المصدر والمتاحتة للجميع.
من جانبها، ردت “هواوي” بأنها ستواصل دعم كل الجوالات والحواسب اللوحية، مؤكدة عزمها توفير التحديثات الأمنية وخدمات ما بعد البيع لكل الأجهزة التي تحمل علامتها التجارية وعلامة “هونور”.
لكن التصعيد الأمريكي لم يتوقف عند قرار “جوجل”، حيث أوردت “بلومبرج” في تقرير لها أن شركات صناعة الرقائق الأمريكية مثل “إنتل” و”كوالكوم” و”برودكوم” قررت هي الأخرى عدم توريد منتجاتها إلى “هواوي”.
وفقًا لصحيفة “إيفنينج ستاندرد” البريطانية، فإن قرار “جوجل” لا يعني حرمان جوالات “هواوي” من استخدام “أندرويد” بشكل كامل؛ حيث تستطيع أي شركة ببساطة تصميم هاتف يتوافق مع نظام التشغيل والاستفادة منه، نظرًا لطبيعته مفتوحة المصدر.
سينطوي على هذه الخطوة حرمان جوالات “هواوي”، التي تعد ثاني أكبر صانعة جوالات في العالم بعد “سامسونج”، من بعض تحديثات نظام التشغيل “أندرويد”، كما ستفقد الإصدارات الجديدة القدرة على الوصول إلى عدة تطبيقات، مثل “خرائط جوجل” و”جيميل” و”يوتيوب” ومتجر التطبيقات.
القرار في مجمله، يعني فقدان “هواوي” لرخصة استخدام “أندرويد”، ما يترتب عليه وقف الدعم التقني والتعاون الخدمي الخاص بنظام التشغيل بين الشركتين، علمًا بأن التحديثات التي تطرحها “جوجل” للنسخة مفتوحة المصدرة تأتي متأخرة كثيرًا عن النسخ المرخصة.
حظرت الحكومة الأمريكية بالفعل الجوالات المصنعة بواسطة “هواوي” من الوصول إلى سوقها المحلي، نظرًا لما أبدته من مخاوف تتعلق بالأمن القومي وعلاقة تجمع صانعة الهواتف بالحكومة الصينية، ومع ذلك فالقرار الأخير لـ”جوجل” سيؤثر على أعمال الشركة في مناطق أخرى.
من جانبه قال محلل سوق الجوالات لدى “سي إس إس إنسيتس”، “بين وود”: هذا الخبر يدق ناقوس الخطر، عدم القدرة على الوصول إلى دعم “جوجل” لنظام التشغيل “أندرويد” وغيره من التطبيقات سيكون إشكاليًا للغاية بالنسبة لأعمال الأجهزة الاستهلاكية لـ”هواوي”.
تقول “سي إن إن” في تقرير لها إن الإطاحة بـ”هواوي” خارج منظومة “أندرويد” يشكل ضربة موجعة إلى صانعة الجوالات الصينية، التي كانت تطمح أن تصبح أكبر صانعة للجوالات في العالم، وتتفوق على “سامسونج” بعدما تفوقت على نظيرتها الأمريكية “آبل” بالفعل.
فيما تقول “آي دي سي” للتحليلات، إن قطع خدمات “جوجل” ومنع الوصول إلى بعض تطبيقات “جوجل” عن ملايين من مستخدمي جوالات “هواوي” خارج الصين، يقتل جاذبية هذه الأجهزة، وبالتبعية سيحد من قابلية استخدامه.
بعيدًا عن حظر “جوجل”، فإن الشركة قد تعاني كثيرًا أيضًا من القيود التي فرضها مزودو الرقائق، فقد أنفقت “هواوي” العام الماضي 11 مليار دولار على شراء لوازم إنتاج من “كوالكوم” و”إنتل” و”ميكرون”، بحسب تقرير لموقع “فون أرينا”.
في السياق نفسه، أوردت “رويترز” على لسان مصدر صيني، يعمل لدى شركة تكنولوجيا أمريكية، قوله إن “هواوي” لن تستطيع استبدال مورديها الأمريكيين بآخرين في الصين قبل بضعة سنوات على الأقل.
مع ذلك، قال الرئيس التنفيذي لـ”هواوي”، “رن زينجفاي”، خلال عطلة نهاية الأسبوع، إن شركته ليست بحاجة للرقائق الإلكترونية التي تنتجها الولايات المتحدة، مضيفًا:
سنواصل تطوير الرقائق الخاصة بنا للحد من آثار القرار الأمريكي، لقد كنا نستعد لذلك.
المفاجأة الحقيقية التي قد تسر الجانب الصيني وتحبط جهود التقويض الأمريكي، هي إطلاق “هواوي” لنظام التشغيل الخاص بها والذي كشفت عن جهود تطويره في أواخر عام 2018، ويتصادف أن الموعد المتوقع لطرحه خلال صيف 2019.
إذا استطاعت “هواوي” فعلًا توفير حاجتها من الرقائق عبر مصادرها الخاصة، وأيضا إطلاق نظامها الذي كان محل نقاش وتكهنات على مدار سنوات، فإنها بذلك ستفرغ الحظر الأمريكي من مضمونه ليصبح بلا فاعلية، لكن سيبقى أمامها تحدٍ أقوى، وهو إثبات موثوقية وفعالية بدائلها.
على الجانب الآخر، فإن نجاح الشركة الصينية في تجاوز عقبة الحظر الأمريكية، يدفعنا للتساؤل عن الخطوة المقبلة للولايات المتحدة في سبيل الحد من الهيمنة والتوسع الصيني، وإلى متى يستطيع العالم تفادي سيناريو “الحرب البيلوبونيزية”.