د. الشعلان للنشرة الدولية: “أدركها النّسيان” هي أيقونتي وترنيمة المسحوقين

النشرة الدولية – طلال السّكر –

الأديبة الأردنية الشّابة د. سناء الشعلان صدر لها حديثاً رواية “أدركها النّسيان”، وهي الرّواية الرّابعة لها، في حين هي العمل الـ 58 لها في جملة أعمالها النّقدية والرّوائيّة والقصصيّة والمسرحيّة وأدب الأطفال، بعد حصولها على نحو 63 جائزة محليّة وعربيّة وعالميّة في تلك الحقول، وهي رواية منذ صدورها قد نالت اهتماماً نقديّاً وجماهيريّاً كثيراً، وجذبت الانتباه إليها، وفيها قال الأديب والنّاقد العراقيّ عبّاس داخل حسن عن الرّواية: “أَدْرَكَهَا النّسيان” رواية حبّ وانسحاق مصائر واغتراب وحرمان وضحايا حروب معلنة وخفية وبوح … وفي الرّاوية كلّ عوامل النّجاح الذّاتيّة والموضوعيّة، والأمر المهّم فنيّاً هو أنّها مثّلت شكلاً جديداً ضمن تيار الرّاوية الجديدة في المشهد الرّوائيّ العربيّ الحالي، وتحتاج قراءات متعدّدة، وأنا متيقّن من أنّها ستنال استحقاقها الإبداعيّ من القرّاء والمهتميّن بالرّاوية العربيّة”.

في حين قال الدكتور الهنديّ أورنك زيب الأعظمي عنها: “إنّ هذه الرّواية هي ليست رواية الحبّ والعشق والحرمان فقط، بل هي رواية لأسفار الواقع ومآلات البشر ومصارع الأحرار ونكد المتسلّطين وقبح الظّالمين ومعاناة المسحوقين والمهمّشين وفضح صريح لستر الكاذبين والمدّعين وأرباب السّلطة والنّفوذ والنّفاق ، هذه هي رواية سبّ الفساد والمفسدين، ولعن المخرّبين، وتجريم الخائنين، إنّها مساحة كونيّة تشبه تجربة الأحرار والمنكودين والمحرومين والمسحوقين في كلّ زمان ومكان”.

وعلى هامش صدور هذه الرّواية كان لنا هذا اللّقاء معها.

1- ما هي منزلة رواية ” أدركها النّسيان” في نفسكِ؟

رواية “أدركها النّسيان” هي أيقونتي السّرديّة التي رسمت فيها رؤيتي للعالم بالكلمات، وجعلت منها ترنيمة روائيّة تسير على ألسنة المسحوقين، وتندّد بمن يسحقهم، وتروي حكاياتهم المسكوت عنها في عوالم قاسية تهضم حقوقهم، وتهصر أرواحهم، إنّها صرخة مدويّة لمن لا يملك أن يصرخ في العوالم المعيشة حيث لا حقّ للكلام إلاّ للطّغاة والمستبدّين والظلّمة.

 

2- كيف تشكّلت هذه الرّواية في داخلكِ حتى خرجت بهذا الشّكل الرّوائيّ البديع فنّياً الموجع إنسانيّاً؟

هذه الرّواية هي مخاض ما عاينتُ من أزمات ومعضلات وإكراهات يعيشها الأفراد والمجتمعات في هذا الزّمن الملبس المتنكّر، وهي صورة من صور رؤيتي لهذا العالم بحساسيّة مفرطة تجاه ما يحدث فيه، وقد بنيتها على قدر الوجع والحزن والصّدمة والقرف من هذا العالم، ولذلك خرجتُ متقنية فنيّاً بقدر تصويرها لبشاعة الواقع؛ إنّها رواية الصّورة النّقيّة الواضحة لملامح شوهاء كريهة متوحّشة.

 

3- هل “بهاء” بطلة الرّواية شخصيّة حقيقيّة؟ وهل “الضّحّاك” بطل الرّواية شخصيّة حقيقيّة؟ وهل أحداث هذه الرّواية حقيقيّة أم هي محض انبثاق من مخيالكِ؟

“بهاء” حقيقيّة، و”الضّحّاك” حقيقيّ، وأحداث الرّواية حقيقيّة بمقدار حقيقيّة الصّدق الفنّيّ، أيّ أنّ أبطال الرّواية وأحداثها حقيقيّة بمقدار إقناعها الفنّيّ، والتزامها بصدقها الفنّيّ الذي يجعلها صورة عن الواقع، ولكن برؤيتي الخاصّة، وللمتلقّي أن يؤمن بصدق هذه الأحداث، وحقيقيّة وجود هؤلاء الأبطال بقدر اقتناعهم بأدائهم، وتأثيرهم في وجدانه وأحاسيسه وتلقّيه لهم.

4- في هذه الرّواية تبدو الأحداث كارثيّة والمآلات موجعة ولا فرح فيها أو أمل أو انفراج، ولا صيغة مقترحة لحلول المشاكل فيها. فما سبب عدم تقديمكِ لحلول للمشاكل الكثيرة والخطيرة التي طرحت في هذه الرّواية؟

ليس من وظيفة المبدع أن يقدّم حلولاً ونصائح ومواعظ؛ فهذه وظائف الأنبياء والوعّاظ والمصلحين والمربّين، في حين وظيفة المبدع أن يعرّي الفساد والسّقوط والخبائث، وأن يفضح المفسدين والأشرار، وأن يضيء مناطق الظّلام والمسكوت عنه، وللمجتمع أن يتلقّى حقائقه، وأن يتعامل معها كيفما يشاء.

 

5- ليس في هذه الرّواية تحديد للمكان أو الزّمان أو تصريح بأسماء حقيقيّة. فما سبب هذا الإلغاز في عدم التّحديد والتّخصيص؟

كنتُ أريد أن أفتح هذه الرّواية على الأزمان والأماكن جميعها، وجعلها أيقونة صالحة لكلّ مكان وزمان حيث نجد المضطهدين والمسحوقين والمهمشين يعانون من ضنك الحياة، ويسقطون في شراك الظّلام والقسوة والحرمان والمعاناة، لم أرد أن أجيّر هذه الرواية لصالح جغرافيا محدّدة، أو تجربة إنسانيّة مخصوصّة، ولكنّني تركتها مفتوحة على التّجارب جميعها، وعلى التّأويلات كلّها، وللمتلقّي أن يحدس زمكان هذه الرّواية، وأن يسقطها على عالمه الذي يشابه عوالمها من حيث السّقوط والقبح والاستلاب والظّلم.

 

6- لقد جمعت بين تناقضات حادّة في هذه الرّواية، وعلى رأسها تناقضات الكابوسيّة وورديّة عوالم الحبّ. فماذا بغيت من الجمع بين هذه المتناقضات؟

كنتُ أبغي أن أرسم عالماً حقيقيّاً منتزعاً من العالم الحقيقيّ بكلّ ما فيه من تناقضات، ولذلك ظهرت هذه الرّواية صورة عن العالم بكلّ ما فيه.

 

7- هذه الرّواية هي ملحمة كابوسيّة مرعبة حيث السّواد والوجع والظّلم يعيش في كلّ أركانها. فأين بصيص الأمل فيها؟ وما هو طوق النّجاة من مآلاتها السّوداويّة؟

ليس هناك أمل في هذه الرّواية سوى في الحبّ الذي ينقذ الجميع من السّقوط والرّذيلة، ويعطيهم القوّة للحياة والاستمرار والتّحدّي والتّمسّك بالمستقبل من الأيام.

 

8- ما هو الشّعور الذي رافقك طوال كتابتكِ لهذه الرّواية؟

الرّغبة في الصّراخ والتّقيّء على هذا العالم القذر النّجس المغرق في الوحل والرّذيلة.

 

9- هل نستطيع القول إنّ هذه الرّواية تؤرّخ للعوالم السّفلى في المجتمع؟

أبداً، هذه الرّواية تؤرّخ للعوالم جميعها بكلّ صراحة وصدق وتعرية؛ فتظهر سفليّة العوالم جميعها، بما فيها العوالم التي تزعم أنّها عوالم علويّة ومثاليّة ونخبويّة.

 

10- من يقرأ هذه الرّواية يدرك أنّها رواية لا تؤمن بالنّخبة، وأنّها تقصد أن تفضحها. فما نزوعك إلى هذا الاتّجاه؟

أنا لا أؤمن أبداً بما يسمّى بالنّخبّة؛ فجميع النّخب قد تعرّت، وفضحت في الوقت الحاضر، ولم تعد هنا فئة نخبويّة يعوّل عليها وعلى أخلاقها ومبادئها، بل إنّ الكثير ممّن يلبسون أقنعة النّخبويّة هم مجرمون بامتياز، ولذلك أنا أؤمن بالسّلوك النّخبويّ الذي يمكن أن يحترفه مجرم شريف عنده أعراف وحدود، أكثر من إيماني بطقوس انتهازيّ مثقّف يستغلّ مكانته ومنصبه وثقافته لأجل إشباع أطماعه وأهدافه الانتهازيّة.

 

11- هذه الرّواية تحفة تجريبيّة. فهل قصدتِ أن تلعبي على الشّكل لأجل خدمة المضمون؟

لا شكّ أنّ الشّكل هو المضمون كما يقول “رولان بارت”، وعندما أفكّر بطريقة تخليق الفكرة ليس عندي طريقة لذلك إلاّ الشّكل السّرديّ، أيّ طريقة تشكيل اللّغة لأجل تقديم الفكرة، ولذلك حرصتُ على التّجريب في هذه الرّواية لأجل أن أقوّلها ما أريد أن أقول.

 

12- كيف حافظتِ على اللّغة الشّعريّة الرّائقة في رواية هي رواية الكابوس والقبح والوجع؟

اللّغة الشّعريّة التي أستخدمها استطاعتْ أن تحمل رؤية هذه الرّواية ومشاعرها، وباختصار أنّ هذه اللّغة الشّعرية رسمت بجمال قبح هذا العالم.

 

13- بما يمكن وصف رواية “أدركها النّسيان”؟

هي رواية هجاء الواقع بما فيه من مفاسد وقبح وسقوط وتردٍ.

 

14-  في الفصل الأخير من الرّواية هناك حشد من النّهايات المقترحة. فأيّ هذه النّهايات هي نهاية الرّواية”؟

جميعها هي نهايات مفترضة وممكنة، وللقارئ أن يختار ما يشاء منها وفق رؤيته وفهمه وإدراكه.

 

15-  وما هي النّهاية التي تختارها سناء الشعلان المؤلّفة لرواية “أدركها النّسيان”؟

اختار نهاية انتصار “بهاء” على الموت والنّسيان والمرض بفضل بحبّ “الضّحّاك” لها، ومن ثم انطلاقهما في حياة سعيدة مشتركة في الجزء الأخير من حياتهما بعد أن عجزا عن الحصول على السّعادة طوال أطوار حياتهما.

 

16-  رواية “أدركها النّسيان” هل هي انتصار للتّذّكر أم للنّسيان”؟

هي انتصار للذّاكرة الإنسانيّة حيث يقبع الدّرس البشريّ بكلّ تفاصيله القبيحة والجميلة في آن، والنّصر والبقاء يكون حليف الحقّ والحقيقة مهما طغت الأكاذيب على التّفاصيل.

 

17-   إنْ كانت روايتك السّابقة ” أعشقني” هي رواية الخيال العلميّ والعوالم المفترضة المقبلة، فكيف يمكن تصنيف رواية “أدركها النّسيان”؟

هي رواية الواقع المعيش بكلّ ما فيه من قبح وخزي وانحطاط.

 

18-   أين نجد “بهاء” بطلة رواية “أدركها النّسيان” في الواقع؟ وأين نجد الميتم وعوالم الرّواية في الحقيقة؟

“بهاء” هي في كلّ منّا، وصورة عنه بقدر الوجع والمعاناة، والميتم وعوالمه هي حقيقة الإنسانيّة الكبرى حيث الميتم هو قانون حاضر الإنسان المأزوم في عوالم متهالكة كلّها قسوة واستلاب، ولا منقذ فيها أو منها، وجميعنا نعيش فيها أيتاماً محرومين ومضطهدين.

 

19-   في نهاية لقائنا هذا بك. ماذا تحبّين أن تهدي للقرّاء من رواية “أدركها النّسيان”؟

أهديهم بعضاً من نجوم الأوريغامي الموجودة في الرّواية التي تقول:

1-      “مَنْ عشقْ حُجّة على مَنْ لم يعشقْ، ومَنْ تألّمْ حُجّة على مَنْ لم يتألّمْ”

2-      “عندما تحترق الأوطان يصبح العشق محرّماً”

3-      “إنّه الميتم في كلّ مكان”

4-      “أشهدُ أنّني قد عشتُ لأنّني عشقتُ”

5-      “لا أزال أتعرّف عليّ. كم هذا شاقٌّ ومعقّد!”

6-      “لستُ متأكدة إلاّ منكَ”

7-      “ما أجمل ما لم يأتِ بعد؛ وحده ما لم يجرحني حتى الآن”

8-      “ليست أمّهاتنا من تلدنا، بل العشق هو مَنْ يلدنا بحقّ”

9-      “الثّقة هي الإيمان المطلق بالحبّ”

10-    “كلّ شيء يصبح مقدّساً في أرض الحبّ حتى الصّغائر والزّلات!”

11-    “كم يخذلنا الحلم!”

12-    “كاد العمر ينتهي، سريعاً قد حدث ذلك”

13-    “أجمل حبّ هو الذي لم نعشه بعد”

14-    “الحبّ لا يموت إلاّ بسكتة قلبيّة مداهمة”

15-    “الحبّ فوق كلّ شيء، لكن تحته الكثير من الأشياء الشّريرة”

 

زر الذهاب إلى الأعلى