نجوم فيلم “ذات مرة في هوليوود” أكثر المرشحين لنيل السعفة الذهبية

النشرة الدولية –

تعلن مساء السبت جوائز الدورة الـ72 من مهرجان كان السينمائي، وهي دورة حفلت بالكثير من المفاجآت والأعمال الجديدة المثيرة، منها ما استطاع أن يشق لنفسه طريقا نحو المجد، ومنها ما هبط وقد يكون قد غادر سباق الجوائز مبكرا. لكن في جعبة لجان التحكيم التي تمنح الجوائز دائما الكثير من المفاجآت.

لم تكن ترشيحات النقاد وتوقعاتهم دائما مقياسا يعتدّ به لدى لجان التحكيم وهي بصدد منح الجوائز، فكثيرا ما جاءت نتائج مسابقة مهرجان كان وغيره، مغايرة تماما لتوقعات نقاد السينما، بل وأحيانا ما تكون أيضا صادمة.

تصدر كل يوم، طوال فترة انعقاد المهرجان، مجلة “الفيلم الفرنسي” (لو فيلم فرانسيه) تستطلع يوميا آراء النقاد الفرنسيين، وتنشر ترشيحاتهم من واقع عدد النجوم التي يمنحونها لكل فيلم من الأفلام المتنافسة. وحسب المجلة فإن الفيلم الحاصل على أكبر عدد من الترشيحات هو “ألم ومجد” للمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار، رغم أنه بالتأكيد ليس أفضل أفلام مخرجه، ومنها ما يفوقه كثيرا في مستواه وسبق أن شارك في مسابقة مهرجان كان مثل “فولفر” (العودة) – 2006، الذي فاز بجائزتيْ أفضل سيناريو وأفضل ممثلة، لكنه لم ينل “السعفة الذهبية”. وقد يكون الحماس الفرنسي لفيلم المودوفار الجديد رغبة في منحه الجائزة المرموقة التي لم ينلها قط، تتويجا لمسيرته السينمائية الطويلة.

الفيلم التالي مباشرة في ترشيحات نقاد “الفيلم الفرنسي” هو “طفيلي” Parasite للمخرج بونغ يون هو من كوريا الجنوبية. وهو في رأيي الشخصي أفضل الأفلام التي عرضت بالمسابقة الرسمية وأجدرها بالفوز بالجائزة الكبرى، لا ينافسه عليها بشكل حقيقي سوى “ذات مرة في هوليوود” لكونتين تارانتينو، وهو عمل شديد السحر والرونق والجمال الفني، فيه الكثير من المتعة في السرد وفي الأداء التمثيلي والخيال السينمائي المدهش. وفيه يمزج تارانتينو الحقيقة بالخيال، ويبتكر شخصيات وأحداث كثيرة يتلاعب بها، وبالجمهور، بل وأساسا، بالسياق السردي ولغة الفيلم، لكي يخلق عملا خلاقا غير مسبوق في طرافته أعتبره احتفالا بسحر السينما القديم. ويستحق الفيلم أن نخصص له مقالا مستقلا.

والحقيقة أن فيلم تارانتينو يبدو أقرب من غيره إلى “السعفة الذهبية”، بعد كل ما أحاط بعرضه في كان من إثارة وترقب واهتمام إعلامي كبير، وبعد أن واصل تارانتينو الليل بالنهار وانكب على العمل في مونتاج الفيلم (الذي صوره بكاميرا 35 مم وليس بكاميرا رقمية) حتى يمكنه اللحاق بمسابقة المهرجان بعد أن كان الأمل قد تضاءل في مشاركته، لكنه جاء وجاء معه جميع أبطال الفيلم من مشاهير نجوم هوليوود: براد بيت وليوناردو دي كابريو ومارغوت روبي. وعرض الفيلم في الحادي والعشرين من مايو، أي بعد مرور 25 عاما بالضبط على عرض فيلم تارانتينو “خيال رخيص”Pulp Fiction الذي نال “السعفة الذهبية” عام 1994، وكان سببا في شهرة مخرجه الذي لم يدرس السينما، بل تعلمها من خلال مشاهدة الأفلام.

أتوقع شخصيا أن يحصل “ذات مرة في هوليوود” على “السعفة الذهبية”، ويحصل الفيلم الكوري البديع على “الجائزة الكبرى” التي تمنحها لجنة التحكيم وتأتي في المرتبة التالية مباشرة للسعفة الذهبية، وربما يحدث العكس بالضبط، وقد ينال فيلم ألمودوفار جائزة أحسن إخراج أو سيناريو (إن استعصت عليه السعفة الذهبية بالطبع)، كما يمكن أن تمنح اللجنة جائزة أفضل ممثل إلى أنطونيو بانديراس الذي يقوم بشخصية مخرج سينمائي بلغ الستين من عمره، ويعاني من بعض المشاكل النفسية والمرضية ويسترجع مسار حياته وكيف بدأت علاقته بالفن. أما جائزة أفضل ممثلة فتستحقها عن جدارة ديبي هونيوود بطلة فيلم كن لوتش “عفوا. لم نجدك” الذي ربما يحدث مفاجأة ويحصل أيضا على جائزة أفضل إخراج.

سبق أن حصل المخرج الأميركي تيرنس ماليك على “السعفة الذهبية” عن فيلمه الرائع “شجرة الحياة” (2011). وقد عاد إلى مسابقة كان بفيلم “حياة خفية” Hidden Life وهو فيلم كان يمكن أن يكون واقعيا تماما عن رجل نمساوي يرفض المشاركة في الجيش النازي لاعتقاده أنه بذلك سيصبح مشاركا في عمل يتعارض مع أخلاقياته ومثله العليا، وليس نتيجة موقف سياسي، لكن ماليك يجعل فيلمه أنشودة بصرية شاعرية عذبة تفيض بالحس الديني، عن العذاب الذي يعتبر مرادفا للتضحية من أجل أن تنتصر الفكرة الإنسانية. إنه دون شك، أكثر أفلام مخرجه تعبيرا عن مشاعره الدينية المسيحية. وهو في ذلك ينطلق من مقولة منسوبة للمسيح هي “ماذا يفيد المرء إن ربح العالم كله وخسر نفسه”.

من أفضل أفلام المسابقة بعد ذلك الفيلم الفرنسي “البؤساء” أول أفلام المخرج لادج لي (من أصل أفريقي) وهو عمل قوي متماسك يتناول مشكلة سكان الأحياء الهامشية من المهاجرين الأفارقة وأبنائهم، وعلاقتهم المتوترة مع الشرطة الفرنسية وعنصريتها المعروفة. ويجمع الفيلم بين البعدين الاجتماعي والبوليسي، ويدور في سياق مشوق. ويعتبر هو الأفضل بين الأفلام الفرنسية الأربعة في المسابقة.

أما أقلها شأنا فهو فيلم “أطلانطيون” Atlantiques أول أعمال المخرجة الفرنسية ماتي ديوب (من أصل سنغالي)، وتصور فيه حكاية يختلط فيها الواقع بالخيال، من منظور نسائي، تتركز على علاقة حب بين فتاة سنغالية وشاب يتركها ويسافر في قارب من قوارب اللاجئين إلى إسبانيا، لكننا لا نعرف ما إّذا كان قد وصل أم أن القارب غرق، أم عاد أدراجه إلى داكار. لكن المعالجة تتفرع لتدخلنا في موضوع آخر يتعلق باستغلال الشركات الأجنبية للعمال والتقاعس عن دفع رواتبهم، وكيف تلجأ مجموعة النساء إلى الانتقام من صاحب الشركة المستغلة، وتهديده بالويل والثبور ما لم يدفع كل ما عليه من ديون لأسر العمال. لكن النساء وهن غالبا، زوجات وخطيبات العمال الذي فروا للخارج وربما لقوا حتفهم غرقا، تظهرن على هيئة أشباح كأنما هن أيضا غرقن تحت الماء وعدن للمطالبة بالحق الضائع والانتقام. كل هذا في سياق أسلوب مضطرب مشوش وصورة غير واضحة ومساحة خانقة تعيق اكتشاف المكان، ومستوى تمثيلي ضعيف ومونتاج مفكك.

فريق علم الفيلم البرازيلي “باكوراو” الذي اشترك في إخراجه خوليانو دورنيلس وكليبر ميندوسافريق علم الفيلم البرازيلي “باكوراو” الذي اشترك في إخراجه خوليانو دورنيلس وكليبر ميندوسا

مع ذلك لن أُدهش شخصيا إذا ما حصل هذا الفيلم على إحدى الجوائز، بعد أن أصبحت حملة “مي تو” (أو “أنا أيضا”) النسائية الغاضبة، تطالب بالمساواة سواء في عدد الأفلام التي تقبلها المهرجانات في برامجها، أو في تقاسم الجوائز وإلا اُعتُبرت المهرجانات “ذكورية متعصبة” ومنحازة ضد المرأة، وهو ما يهدد، ليس فقط بإفساد عالم السينما، بل وإفساد مجالات عديدة في حياتنا على الصعيد الثقافي بوجه خاص، فالرغبة في التظاهر بالليبرالية لا بد أن يؤدي إلى الإعلاء من شأن الركاكة. وهي محنة تواجه مهرجان كان وغيره من التظاهرات السينمائية العالمية حاليا.

لا أتوقع جائزة ما لفيلم البلجيكيين الأخوين جان بيير ولوك داردان “أحمد الصغير” Le Jeune Ahmed على الرغم من أهمية الموضوع الذي يتناوله وهو كيف يحدث التغير في عقول المراهقين من أبناء المهاجرين المسلمين في أوروبا، ويجعلهم يتجهون ناحية التطرف الديني. هنا نحن أمام صبيّ في الخامسة عشرة من عمره، يصبح فريسة لما يغرسه في ذهنه شيخ المسجد المتطرّف الذي يحرضه ضد الآخرين من غير المسلمين، فيرفض الفتى في البداية مصافحة معلمته، بل ويعتبر والدته منحرفة عن الدين القويم لأنها لا تغطي شعرها وتشرب الخمر، كما يتهم معلمته (المسلمة) بالانحراف بسبب ارتباطها بشاب يهودي، ويرفض فكرتها في تعليم اللغة العربية من مصادر غير القرآن الكريم، ويندفع في تطرّفه إلى درجة محاولة قتلها.

أفلام الأخوين داردان عادة من النوع الذي يطلق عليه “المنياتير” miniature (أي الأفلام الصغيرة التي تركز على موضوع محدود أو شخصية واحدة تتابعها). كما تبتعد أفلامهما عن التحليل النفسي وتتعامل ببرود الواقعية الصارمة مع الشخصية وسلوكها. وقد سبق لهما أن فازا مرتين بالسعفة الذهبية لأن هناك من يغرمون بهذا النوع من الأفلام التي لا يحدث فيها الكثير. وينتهي “أحمد الصغير” نهاية تقلل كثيرا من قيمة الفيلم وكأنما بدأ الأخوان داردان موضوعا لكنهما عجزا عن إنهائه فقررا التوقف دون أن نعرف ماذا حدث لهذا الفتى الذي يرفض الامتثال للحقائق، ويغمض عينيه عن الواقع ويعيش في وهم النقاء والاستعلاء الديني، بينما هو يعرف جيدا أن “مرشده الروحي” نصاب وكاذب، لكنه يبرر ذلك بكونه يدافع عن وجود المسجد ووجود الإسلام في بلجيكا!

الفيلم البرازيلي “باكوراو” الذي اشترك في إخراجه خوليانو دورنيلس وكليبر ميندوسا، يدور في عالم المستقبل القريب (بعد 5 سنوات من الآن) ويروي قصة رمزية عن توحش الاحتكارات الغربية ورغبتها في السيطرة الكاملة على مصادر الثروة في دول العالم الثالث ولو عن طريق إبادة السكان الأصليين. لكنه يبدأ بأسلوب الفيلم التسجيلي ليتحول تدريجيا إلى أسلوب فيلم الأكشن والرعب، وينتهي بمذبحة مروعة. والفيلم يقول إنه يتعيّن على الشعوب المستضعفة أن تستعد لمواجهة الشركات الاحتكارية الغربية ولو بالسلاح.

لم أستطع التفاعل جيدا مع الفيلم الروماني “الصافرون” The Whistlers رغم أنه من إخراج المخرج الموهوب كورنيللو برومبيو فهو عمل بوليسي مثير عن عصابة تهريب مخدرات تلجأ إلى جزيرة في المحيط الهادئ لكي تتعلم لغة جديدة عن طريق الصفير بغرض الهرب من كاميرات المراقبة وغيرها من الوسائل الحديثة، والهدف هو الاستيلاء 30 مليون يورو نكتشف في النهاية أنها مخبأة داخل حاشيتن. يخترق العصابة ضابط شرطة لكنه يصبح عميلا مزدوجا، ويحاول الحصول على المال لنفسه، تروضه فاتنة حسناء لا تقل سحرا عن مونيكا بيللوتشي هي “كاترينيا مارلون” (لعلها الاكتشاف الأكبر في هذا الفيلم). وتلتوي الحبكة وتتفرع ويتصارع الكثير من الشخصيات، ويسود كثير من العنف، لكن الخاسر الأول في اعتقادي هو المخرج ثم جمهور الفيلم نفسه.

يدور فيلم “جو الصغير” أول أفلام النمساوية الناطقة بالإنكليزية (من إنتاج بي.بي.سي) في المستقبل القريب أيضا، لكنه لم يترك أثرا كبيرا، وفشل بسبب برود حبكته وعدم تطورها بعد مرور أكثر من ساعة من عرض الفيلم، إلى جانب اعتماده على فرضيات غير مقنعة، وافتقاده للحظات المرح وجمود مناظره الداخلية وكثرة الحوار والمصطلحات العلمية التي يصعب على الجمهور استيعابها. و“جو الصغير” هو الاسم الذي يطلقونه على نبات مستحدث باستخدام علم الهندسة الوراثية، سرعن ما يسيطر على كل من يقتربون أو يحتكون به، يتلبسهم ويسبب لهم أضرارا لا قبل لهم بها. وكأن الفيلم يحذر من خطورة التقدم العلمي الذي لا يحظى بدراسات كافية.

جاء فيلم “ماتياس وماكسيم” للكندي زافيير دولان، مخيبا للآمال بسبب اعتماده على الثرثرة التي لا تتوقف دون أن يتمكن من تطوير موضوعه أو الاقتراب كما كان ينبغي من شخوصه المعذبة. أما فيلم إيليا سليمان “لا بد أن تكون هي الجنة” ففيه يسير المخرج الفلسطيني على دربه القديم في أفلامه السابقة منذ “سجل اختفاء”، ولكنه لا يصل قط إلى الذروة التي بلغها في “الزمن الباقي” قبل عشر سنوات. ولنا وقفة مع هذا الفيلم تفصيلا بعد إعلان الجوائز مساء السبت، فبعدها يصبح لكل حادث حديث.

زر الذهاب إلى الأعلى