حروب حميدة* صلاح الساير

النشرة الدولية –

تحت قيادة ايزنهاور نفذت قوات التحالف عام 1944 أكبر عملية إبرار عرفتها البشرية. وقد حدث ذلك على شاطئ نورماندي الفرنسي حين تم إنزال 160 ألفا من الجنود المحمولين على متن مئات السفن وآلاف القوارب تحت النيران الكثيفة للجيش الألماني المعادي والمتمترس على الشاطئ. الأمر الذي كلف التحالف موت آلاف الجنود وسقوط مئات الآلاف من الجرحى. بيد أن تلك العملية العظيمة غيرت مجرى آخر حرب عالمية، ومهدت لانتصار قوى السلام واندحار النازية الشريرة، وأسفرت بالتالي عن موت طاغية سفاح هو ادولف هتلر، وانقشاع غبار المعارك التي راح ضحيتها الملايين من البشر.

معركة النورماندي مثلها مثل غيرها من العمليات العسكرية الدامية تذكرنا على الدوام بأهمية قرار الحرب الساعي إلى إنهاء مسلسل الشرور ووضع حد لحالة عدم الاستقرار حين تتم المواجهات العسكرية الضرورية مع قوى الطغيان من أجل الانتصار للحياة الكريمة. ذلك أن ولادة السلام الحقيقي قد تحتاج إلى حرب طاحنة ضروس تنهي حالة القلق وعدم التوازن وانعدام الاستقرار. وأشير إلى حرب تحرير الكويت التي لولاها لما تحررت بلادنا، ولبقي العالم أسير الخوف من (الكيماوي وأسلحة الدمار الشامل). وقديما قيل: رب ضارة نافعة. فقد يولد السلام من فوهة البندقية لا من منقار حمامة السلام أو أوراق المفاوضات.

إن انتظار الحروب أشد خطورة على المجتمعات من اندلاعها، واستمرار حالة عدم الاستقرار مضرة بتنمية الدول ومضيعة للوقت والجهد والمال. فالقلق الأمني الناجم عن النزاعات الإقليمية، وعدم احترام الدول لبعضها، ومحاولات التدخل السافر، ورعاية الإرهاب، ودعم القوى الانفصالية، واستمرار احتلال أراضي الجيران، والاستقواء بالسلاح بحجة المقاومة(!) وإثارة النعرات المذهبية، والسعي إلى امتلاك الأسلحة المحرمة، والإصرار على الرعونة السياسية وجرجرة المنطقة إلى صدامات مجانية، والتهديد بتصدير الثورة، جميعها تشكل حروبا صامتة استنزفت المنطقة منذ وقت طويل، ولا فرق بينها وبين الحروب ومدافعها المدوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button