لعبة الامتحانات* لمياء المقدم

النشرة الدولية –

أقول لابني شكرا على كل علامة جيدة يحصل عليها في المدرسة، فهذا حقه. وهو شكر نابع من القلب وحقيقي، ففي هذه الأيام التي تكثر فيها التكنولوجيا وينتشر فيها يوتيوب ونتفليكس وفورتنايت، كل علامة جيدة هي إنجاز يستحق الشكر.

قبل بدء الامتحانات بأيام أجرينا مفاوضات صعبة للغاية استمرت لساعات وانتهت بوضعنا خطة مبدئية وافقنا عليها نحن الاثنين. وتنص الخطة على أن اللعب بالبلاي ستيشن مسموح فقط يوم الجمعة ظهرا بعد انتهاء دوام المدرسة، وقبل بدء عطلة نهاية الأسبوع. أي أنها نوع من الاسترخاء والمكافأة على الجهد المبذول خلال الأسبوع. الشرط الأساسي الذي يجب أن يتوفر قبل ذلك هو أن يكون معدله العام فوق المتوسط. وبمجرد تراجع المعدل إلى ما تحت المتوسط تنتهي كل الصلاحيات والمكافآت.

على هاتفي الجوال تطبيق للعلامات المدرسية، وهو شبيه بالملف الإلكتروني الذي تخزن فيه علامات الطالب وكل ما يتعلق بمدرسته: الجدول اليومي، المهام المدرسية، ساعات الدراسة، ملاحظات الأساتذة، التأخير، المرات التي لم يقم فيها الطفل بواجبه المدرسي وأخيرا العلامات التي يحصل عليها في كل مادة. ويجب أن أعترف أنني عشقت التكنولوجيا بسبب هذا التطبيق الذي يمنح الآباء إحساسا بأنهم طرف في المدرسة ويجعل كل سلوك الطفل وأدائه المدرسي مكشوفين لهم لحظة بلحظة.

العلامات تحسب آليا، ولهذا فمعدل المواد والمعدل العام في تأرجح دائم، تستطيع علامة عالية في الهندسة في الصباح أن ترفعنا إلى أعلى، وعلامة سيئة في الفرنسية مثلا، ظهرا، أن تهبط بنا إلى الدرك الأسفل.

وارتقاء التلميذ إلي الفصل الموالي لا يستوجب فقط أن يكون معدله العام فوق المتوسط (6) بل يتطلب أيضا ألا يزيد عدد المواد التي لم يحصل فيها الطفل على المتوسط عن مادة واحدة رئيسية واُخرى ثانوية. وللتوضيح أكثر، حصول التلميذ على 8 كمعدل عام، لا يخول له النجاح والاجتياز الى المرحلة القادمة إذا كانت هناك ثلاث مواد تحت المتوسط!

في الطريق الى العمل، أثناء الفسحة، وفي السوبرماركت، بإمكاني على الدوام أن أفتح التطبيق وأتابع العلامات، وأقرأ الملاحظات التي يكتبها الأساتذة كل يوم، وهي عملية مسلية من ناحية، ومستغرقة ومحفزة من ناحية أخرى، إذ تتحول علامات ابنك إلى تحد يومي وسباق لكل الأسرة، حتى أنني أشعر أحيانا أنني أجلس معه في فصل افتراضي، وأن الذي سيرتقي هو أنا، وليس هو.

والحقيقة أنني دائما ما تساءلت بيني وبين نفسي: كيف يتمكن الأساتذة من تصحيح امتحانات التلاميذ ووضع العلامات وملئها في التطبيق بهذه السرعة المذهلة (غالبا في نفس اليوم)، ففي زمني كان الأستاذ يتأخر أسابيع طويلة قبل أن يصحح الامتحانات ويضع العلامات، ومازلت أذكر أن أفضل أساتذتي وأحبهم إلى قلبي قال يوما “إذا صادف وتوقفت عن التدريس فسيكون ذلك بسبب تصحيح الامتحانات”، وهو ما حصل لاحقا بالفعل.

المعضلة هنا هي أن التلاميذ هم من يصححون أوراقهم بأنفسهم ويضعون العلامات مباشرة بعد الانتهاء من الامتحان. يمرر كل تلميذ ورقته لزميله الذي بجانبه، ثم يتلو عليهم الأستاذ الإجابات الصحيحة عن كل سؤال ويخبرهم بالعلامة المناسبة له. ويتحول الأستاذ إلى مستشار للتلميذ المصحح في حالة تردده أو وجود أسئلة لديه. بعد ذلك يعيد كل تلميذ الورقة إلى زميله مصححة وعليها العلامة.

مع كل هذه التحولات أشعر كأن المدرسة تحولت إلى لعبة إلكترونية مشوقة، تماما كتلك المتاهات الممتعة على البلاي ستيشن، التي يجاهد الشخص للخروج منها للوصول إلى الهدف، أو كما لو أنها رحلة استكشافية مشتركة لكل الأسرة بما فيها من تشويق وانتظار وتحديات. وهو ما يتناسب مع عقل الطالب في الزمن الحالي، الذي لم تعد تستهويه طريقة التعليم القديمة أو الانتظار أسابيع لمعرفة علامته أو الحصول على معدله العام مرة كل ثلاثة أشهر. التعليم بهذه الطريقة وعلى هذا النحو التوسعي المتقدم متعة للطالب ولأهله.

العرب اللندنية

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى