السادة الرعاع* صالح الشايجي

النشرة الدولية –

ما من مهنة أهينت واستبيحت وانتهكت مثل مهنة الحوار التلفزيوني أو الإذاعي.

إنها مهنة عاث فيها الفاسدون، وتطفل عليها المتطفلون، ودخلها العاطلون والباطلون والمغفلون والمهابيل ومن شاكلهم من أشباه البشر.

لم يبق ذو علة وذو سقم إلا وصار صاحب برنامج حواري، يحاور فيه نفسه، صار كالمخبول يحدث نفسه ويجيب على نفسه، بينما الضيف المسكين غدا كتمثال أو صنم، لا يتحدث ولا يتكلم، ولو حاول فتح فمه أو تحريك لسانه بألف أو باء أو جيم أو ياء، سارع صاحب البرنامج المهيب المغوار الأشوس إلى قمعه وإسكاته بالتي هي أحسن وإن عاودها عاجله بالتي هي أسوأ.

هذه المهنة هي من أكثر المهن دقة وصعوبة، وليس من السهل على غير المحترفين ولوج عالمها والتربع على كرسيها.

فالمحاور لابد أن يكون واعيا ذكيا لمّاحا وعلى قدر من المعرفة والثقافة العامة وبالذات في الحقل الذي يعمل فيه الضيف.

ولا بد أن يكون مستمعا جيدا، وأن ينصت إنصاتا كاملا ودقيقا لما يقوله ضيفه، وألا تفوته عبارة أو معلومة قالها الضيف بصورة عابرة، بينما هي تستحق التدقيق والتمعن ومزيدا من الشرح والإيضاح، وهنا على صاحب البرنامج التدخل طالبا من ضيفه الشرح والتوضيح، ولا تغني عن ذلك معرفة صاحب البرنامج بالمعلومة أو بالخبر الذي جاء الضيف على ذكره فهو لا يستوضح لنفسه ولكن لمشاهديه ومستمعيه.

إن المحاور الحقيقي هو الذي يؤمن بأنه يمثل مشاهديه ومستمعيه وهو ينوب عنهم في هذا الحوار، ولا يمثل نفسه، وهذا يتطلب منه أن يعطي الضيف فرصته كاملة للتعبير عن رأيه أو شرح الفكرة التي يتحدث فيها بشكل كامل، فلا يقاطعه أو يدخل عليه بسؤال آخر قبل أن يكمل فكرته، لأنه بذلك يكون قطع على المستمعين وحرمهم من معرفة بقية ما يريد الضيف قوله.

مع الأسف، فإنه مع انتشار الفضائيات ساءت مهنة المحاور وأصبحت ميدانا مفتوحا للجميع لا يتورع أحد عن دخوله، وسقطت المعايير والقواعد التي تحكم هذه المهنة، فصرنا نرى الجهلاء والرعاع هم من يعمل في هذه المهنة.

وبالطبع أنا لا أعمم على الجميع، فهناك مازال محاورون أفذاذ يحترمون المهنة ويملكون قواعدها ويقدرون مشاهديهم.

الانباء الكويتية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button