الأردن وقطر .. لماذا في هذا التوقيت؟* فهد الخيطان

النشرة الدولية –

تستعد عمان والدوحة لرفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى مرتبة السفراء بعد قرابة عامين من تخفيض التمثيل على وقع الأزمة المستفحلة بين قطر ودول خليجية. لم يستجب الأردن بداية لضغوط قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر التزاما بنهج تاريخي في السياسة الخارجية، يقوم على مبدأ التمسك بعلاقات دائمة ومستمرة مع الدول العربية كافة.

قطر ليست المثال الوحيد، ففي وقت أقدمت فيه معظم الدول العربية على قطع علاقاتها مع سورية، ظلت السفارة الأردنية في دمشق مفتوحة. التباين في المواقف السياسية بين الحكومات ليس سببا وجيها لقطع العلاقات، ومنظومة المصالح الثنائية يمكن لها أن تعمل في ظل هذه التباينات. كان هذا هو الحال مع قطر، لا بل إن العلاقات على المستوى الثنائي شهدت زخما اكبر في فترة تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي، خاصة وأن الدوحة بادرت إلى مد يد المساعدة للأردن في مواجهة الأزمة الاقتصادية، وفتحت أبوابها لتشغيل عشرة آلاف أردني، واستثمار أموالها في قطاعات اقتصادية. في وقت لم تتوقف فيه اللقاءات على المستوى الوزاري. لم يكن الأردن طرفا في الخلاف الخليجي الداخلي، وكان يأمل بنهاية سريعة للأزمة مع قطر، لكن تطور الأحداث لاحقا أظهر بأن الأزمة مديدة ولا نهاية وشيكة لها، ولهذا قرر تفعيل التمثيل الدبلوماسي ليكون على نفس المستوى مع جميع الأطراف. بهذا المعنى، فإن تبادل السفراء بين عمان والدوحة لن يكون على حساب علاقاته المستقرة والقوية مع الدول الخليجية الأخرى ولا انقلابا على صلاته القوية مع دول بوزن السعودية والإمارات العربية ومصر، لكن في حسابات المصالح الأردنية المباشرة، غدا إرسال سفير أردني إلى قطر متطلبا لابد منه لحماية هذه المصالح وتعزيزها. يعيش في قطر أكثر من خمسين ألف أردني، وهناك استثمارات قطرية في الأردن بالمليارات، وهي مرشحة للزيادة في المستقبل. هذه هي سياسة الأردن في مقاربة علاقاته الخارجية ومصالحه الوطنية، وهي مقاربة لا تضر أحدا بل تضمن علاقات طيبة مع الجميع. ويعتقد سياسيون أن الخطوة الأردنية باتجاه الدوحة، مقدمة لخطوات مماثلة على مسارات دبلوماسية أخرى. لقد عانى الأردن طويلا من صراعات المنطقة وحروبها، ودفع ثمنا باهظا من اقتصاده ومستوى معيشة شعبه، ومن حقه أن يتحرك بكل الاتجاهات لتعويض خسائره، وتحقيق المنافع لشعبه، مثلما أن القطيعة الدبلوماسية مع الأشقاء والجيران لن تضيف إلا مزيدا من المشاكل لدول المنطقة وشعوبها، بينما التضامن العربي الذي طالما ألح عليه الأردن هو السبيل لاستعادة الدور العربي الفاعل في مواجهة السطوة الإقليمية والدولية على دولنا ومقدراتنا وسيادتنا. منذ حرب الخليج الأولى عانى الأردن من سوء الفهم لعلاقاته ومواقفه حيال دول الخليج، وقد عمل جاهدا لسنوات طويلة لتجاوز هذه الحالة، وبناء علاقات متوازنة وقوية مع جميع الدول بصرف النظر عن مواقفها من قضايا المنطقة والعلاقات البينية. وبفضل هذا المبدأ الذي أرساه الملك عبدالله الثاني في السياسة الخارجية، لم تشهد علاقات الأردن أزمة مع أي دولة عربية، ولم يقطع علاقاته الدبلوماسية مع أحد. رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطر، هو تأكيد على هذا المبدأ. ليس إلا.

الغد الأردنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى