الأزمة الاقتصادية تهز قواعد السياسة الهشة في تركيا* جلدم أتاباي شانلي
النشرة الدولية –
انقلبت جميع المعادلات الاقتصادية والسياسية في تركيا بعد الانتصار الساحق الذي حققه المعارض أكرم إمام أوغلو في الانتخابات البلدية في إسطنبول في 23 يونيو الماضي.
وتركز معظم التحليلات على الخيارات، التي يواجهها الرئيس رجب طيب أردوغان للحفاظ على مكانة حزبه في الأشهر المقبلة، والتي تصل إلى إمكانية تقديم موعد إجراء الانتخابات العامة قبل عام 2023.
من المفيد إلقاء نظرة على نتائج استطلاعات الرأي زلزال الانتخابات، حيث أصبح 58 في المئة من الأتراك يفضلون النظام البرلماني السابق على نظام أردوغان الرئاسي إذا تمت إعادة استفتاء عام 2017، وفقا لشركة متروبول لاستطلاعات الرأي ومقرها أنقرة.
ويظهر الاستطلاع أن الكثير ممن اعتادوا على التصويت لحزب العدالة والتنمية أصبحوا يعتقدون أن الحزب فقد اتصاله بالواقع في ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية المستمرة في تركيا.
ومن بين الآراء المدهشة للمشاركين في الاستطلاع، انتقادهم لخطاب حزب العدالة والتنمية المثير للاستقطاب والذي وصف فيه كل الأحزاب المعارضة تقريباً بأنها “إرهابية” وانتقدوا أيضا تحالفه مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف.
وأصبح إمام أوغلو يحظى بدعم قوي أيضا خارج إسطنبول، التي حصل فيها على أصوات 54 بالمئة من الناخبين. والمفاجأة أن تأييده في منطقة الأناضول الكبرى ارتفع إلى حوالي 60 بالمئة، وفقاً لشركة آدمور لاستطلاعات الرأي.
وتبدو تلك النتيجة مذهلة إذا علمنا أن انتخاب أردوغان رئيسا جاء بنسبة 52.6 بالمئة من الأصوات العام الماضي، رغم أن علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كان إمام أوغلو سيتمكّن من الحفاظ على هذه الشعبية.
وسلطت شركة كوندا، المشهورة باستطلاعاتها الدقيقة، الضوء على استياء الناخبين من إلغاء الانتخابات الأولى لرئيس بلدية إسطنبول التي جرت في 31 مارس، والتي فاز بها إمام أوغلو أيضاً ولكن بفارق ضئيل للغاية.
وتكشف نتائج الاستطلاعات المذكورة عدداً من الحقائق البسيطة.
الحقيقة الأولى تتمثل في النظام الرئاسي المعيب يهدف فقط إلى تعزيز قوة أردوغان. وبعد تعهدات بأن جمع السلطات في قبضة رجل واحد ستؤدي إلى حلول سريعة للمشاكل الاقتصادية، أدرك الأتراك بعد عام واحد أن ذلك يؤدي إلى العكس تماما بعد أن اشتدت الصعوبات الاقتصادية.
الحقيقة البسيطة الثانية هي أن الوضع الاقتصادي لعب دورا رئيسا في إبعاد معظم الناخبين عن حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وأدرك المواطنون حكم الرجل الواحد في عهد أردوغان يعني أن الرئيس وصهره، وزير الخزانة والمالية براءت البيرق، لا يزالان في حالة إنكار لوجود أزمة اقتصادية. وبالتالي، كانت حزم الدعم المعلنة للاقتصاد غير فعالة وأدت إلى تدهور سريع في الميزانية.
كما فشل شعار “إنه الاقتصاد، يا غبي!” الذي تردد صداه وسط فريق أردوغان من المستشارين والوزراء، الذين يبدو أنهم موجودون فقط لدعم تصور أردوغان للوضع. ويبدو أنهم فقدوا أيضاً القدرة على التواصل.
أخيرا، أظهرت استطلاعات الرأي، أن غريزة البقاء لدى أردوغان، شجعته على التمادي في محاولة كسب الناخبين بطرق استعراضية، أدت إلى غضب ونفور مؤيديه.
ويبدو أن حاجة أردوغان إلى دعم حليفه القومي المتشدد، حزب الحركة القومية، دفعه أكثر إلى ذلك الخطاب المتشدد الذي خلقه بنفسه وأصبح أسيرا له. ولم يعد الناخبون وخاصة الشباب تجذبهم خطابات الصراع، وأصبحوا يبحثون عن مستقبل أكثر إشراقا يدعمه الأمل بدلا من الكراهية.
كان الاقتصاد في قلب نجاحات حزب العدالة والتنمية في الانتخابات على مدار العقدين الماضيين. لكن إخفاقات حزب العدالة والتنمية الآن هي إخفاقات اقتصادية في أعين الناخبين الأتراك.
كانت مستويات المعيشة تتحسن وتجعل الحياة أكثر سهولة، لكن السنوات المضيئة لحزب العدالة والتنمية تحولت إلى دورة الموت في ظل انهيار الليرة، وارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة والانكماش الاقتصادي وغياب الاستثمارات الأجنبية وجبال الديون والبطالة المتزايدة.
يُلقي بعض الناخبين الآن باللوم على النظام الرئاسي الذي تم تصميمه بشكل سيئ في معاناتهم، وما أعقبه من ترسيخ عملية صنع القرار، وأخيراً السياسات الخاطئة لأردوغان والبيرق.
وأصبح عدد كبير من ناخبي حزب العدالة والتنمية مستعدين لإعطاء الفرصة لسياسي معارض على اتصال مع الواقع ويعترف بالصعوبات الاقتصادية ويسعى لتقديم حلول مبنية على نظرة إيجابية.
وبما أن المنافسة السياسية ستصبح أكثر احتداماً وأصعب، فسيكون من الصعب أكثر على الرئيس وأنصاره تنفيذ الإجراءات اللازمة لتصحيح مسار الاقتصاد.
من المرجح ألاّ تحظى سياسات أردوغان بتأييد حتى داخل حزب العدالة والتنمية، وأن يبتعد عنها الرئيس السابق عبدالله غول وعلي باباجان، المعروف بنجاحاته عندما كان مسؤولا عن الاقتصاد.
ويبدو أنهما على استعداد للعمل إلى جنب إمام أوغلو وحزب الشعب الجمهوري المعارض والحركة الكردية والحزب الصالح القومي العلماني. إذا نجح مثل هذا التحالف فسرعان ما سيشكّل توقعات إيجابية للاقتصاد.
لسوء الحظ، من المستبعد أن يتراجع أردوغان وحلفاؤه اليمينيون المتطرفون أو يعالجوا أسباب تدهور الاقتصاد والديمقراطية وسيادة القانون. إذ يبدو أنهم سيحاولون استغلال المشكلات بهدف الحصول على المزيد من الأصوات في الانتخابات القادمة.
وسيبقى الاقتصاد التركي في حالة جمود لبعض الوقت لأن حزب العدالة والتنمية في صراع وجودي. ويبدو من شبه المستحيل أن يدعم أردوغان العقلانية التي يمكن أن تقلّص سلطاته.
ويبدو أن الأضرار الاقتصادية ستفرض التغيير السياسي مثلما حدث في الأزمة المالية عام 2001. وعاجلا أم آجلا سيبدأ تغيير السياسة من الاقتصاد.
التغيير ليس سهلا لكن هناك سببا للشعور بالتفاؤل.