هل ماتت قوميتنا ام شاخت؟* رجا طلب

النشرة الدولية –

قرأت مصطلح «غسل الدماغ» لأول مرة عندما كنت طالبا في الثانوية عام 1980 وكان هذا المصطلح هو عنوان الكتاب المميز للدكتور فخري الدباغ استاذ الطب النفسي بجامعة الموصل، وقتذاك ولجهلي «بعلم النفس» تخيلت ان العنوان قد يكون حيلة لفظية لجلب الشهرة للكتاب ولزيادة مبيعاته، غير اني اكتشفت كم ان هذا المصطلح دقيق وحيوي، وخلال دراستي للاعلام بجامعة بغداد وتحديدا مادة «الحرب النفسية» على يدي الدكتورة حميدة سميسم ابحرت في هذا العالم الذي اخذني الى قناعة مفادها ان عالم الثمانينات وما بعده وبخاصة اليوم مع ثورة الاتصالات وبرمجياتها وتحديدا وسائل التواصل الاجتماعي تجاوز الامر مصطلح ان العالم «قرية صغيرة» الى مصطلح جديد الا وهو ان العالم لا يتجاوز «سرير النوم والموبايل».

هذا العالم الجديد ساهم بشكل كبير في صناعة «ثقافة جديدة» لا تعير للقيم ولا للمعتقدات الاعتبار المطلوب، واصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي الاداة الابرز في عملية «غسل الدماغ»، فيكفي ان تنشر على حسابك في اي من تلك الوسائل اية معلومة بصرف النظر عن مدى مصداقيتها او دقتها العلمية لتصبح تلك المعلومة جزءا لا يتجزأ من «الثقافة الاستهلاكية السريعة» التى يتحدث عنها اساتذة علم النفس الاجتماعي، وهذه الحالة اغرت الكثير من «النكرات» الباحثين عن الشهرة او الذين كانوا عاجزين عن الوصول الى منصات اعلامية سواء اكانت مكتوبة او مرئية او مسموعة الى اقتحام هذا العالم بقلوب قوية وعقول فارغة، وبدأنا نلمس نتائج التاثير الذي مورس على العقل العربي الشعبي لعقود طويلة، فخرج علينا من نصب نفسه واعظا، ومن اعتقد انه محلل سياسي استراتيجي وعميق، ومن اعطى لنفسه الحق بان يفتي بالتاريخ وعلم الاجناس والحضارات، وهذه نتيجة طبيعية في ظل عالم كان احاديا في كل مناحي الحياة وكان يفتقد لمبدأ الحوار والرأي والرأي الاخر وللثقافة العميقة.

فائض الحرية المفترضة الذي وفره «العالم الجديد» كشف هشاشة بعض مجتمعاتنا ومدى ضعف حصانتها الاخلاقية والثقافية وكشف كم ان قوميتنا التى طالما تغنينا بها هي زائفة وتتغير كما الزي الذي تفرضه المناسبات المختلفة، واخرج لنا اصواتا حولت الشعب الفلسطيني ونضاله الى «عالة» على الامة وشككت بجينات الفلسطيني وعروبته، وهو تحد لم يسبق ان واجهه العقل العربي الرسمي والشعبي، وهي نتيجة مأساوية وكارثية.

لقد جاء الزمن الذي غُسلت به ادمغتنا وهزمنا فيه انفسنا بانفسنا وتحول فيه الاخ عدوا والعدو الى اخ بل وحليف.

الرأي الأردنية

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى