لماذا الفلسطيني الان؟ * رجا طلب
النشرة الدولية –
لا أدري إن كانت قد انتهت زوبعة تطبيق التعليمات الجديدة لدى وزارة العمل اللبنانية بشأن “العمالة” الوافدة والتي شملت الفلسطيني المقيم في لبنان منذ سبعين عاماً أم لا ؟
من المفترض بداية أن يكون الفلسطيني اللاجئ في لبنان حالة استثنائية فهو لم يأت إلى لبنان أو غيره من الدول العربية في ظرف طبيعي، كما لم يأت زائراً أو سائحاً بل جاء “هارباً” للنجاة من بطش العصابات الصهيونية. جاء إلى لبنان والأردن وسوريا ومصر وهو يحمل معه مفتاح بيته في فلسطين فقد اعتقد “المسكين” أن هروبه هذا هو هروب اضطراري ومؤقت للنجاة بالعمر والشرف لعدة أيام أو أسابيع أو بضعة أشهر على أقصى حد ثم يعود لبيته وأرضه وحياته التي اعتاد عليها في فلسطين، ولكن هذا الحلم لم يتحقق.
في قصة اللجوء الفلسطيني إلى لبنان تحديداً هناك محطات أقل ما يقال عنها إنها “مريبة”، فقد تمكنت عائلات فلسطينية معينة كانت ترتبط بصلات اجتماعية مع عائلات لبنانية ثرية ونافذة في لبنان من الحصول على الجنسية اللبنانية بعد أسابيع من وصولها الأراضي اللبنانية، وهذه العائلات سواء الفلسطينية أو اللبنانية معروفة للمهتمين بهذا الملف، أما بقية اللاجئين الفلسطينيين فقد تم تصنيف بعضهم تصنيفاً طائفياً وطبقياً، وتم توزيعهم وفقاً لهذا التصنيف على أماكن محددة في جنوبي لبنان، وفي بيروت وشمالي لبنان، أما الأغلبية الساحقة من اللاجئين الفلسطينيين فقد وزعوا على المخيمات الموجودة حالياً ومن المهم هنا الإشارة إلى أن الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى لبنان ساهموا سواء بأموالهم التي جاءت معهم أو بتعليمهم أو بخبراتهم الحرفية والصناعية والزراعية والثقافية وحتى الفنية في نهضة الاقتصاد اللبناني الذي انتعش انتعاشاً لافتاً بعد عام 1948 .
هذه الإشارة التاريخية العابرة كان القصد منها التأكيد على أن التعامل مع اللاجئ الفلسطيني كان ومنذ اليوم الأول لوصوله التراب اللبناني كان ” “مسيّساَ” وتحكمه عوامل سياسية ذات أبعاد طائفية وطبقية.
الحماسة الشديدة التي تحلى بها وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان لتطبيق التعليمات الخاصة “بالعمالة الأجنبية” وضرورة حصولها على “إجازة عمل” أي “تصريح عمل”، لا أعتقد أنها ناتجة عن رغبة حقيقية في تنظيم سوق العمل اللبناني وتحديداً الشق المتعلق بالفلسطيني، وذلك لكون الفلسطيني أصلاً ليس جزءاً من سوق العمل اللبناني، فهو محروم بموجب القانون ذاته من قرابة 70 مهنة، والنشاط الاقتصادي للأغلبية العظمى من الفلسطينيين هو داخل المخيمات والتي من الواجب على الوزير أبو سليمان وغيره من الوزراء اللبنانيين زيارتها والتعرف على الظروف المعيشية والحياتية المزرية التي يعيش في ظلها الفلسطيني والتي قد تساعده أو تساعد الوزراء الآخرين على فهم “وضع الفلسطيني وظروفه” قبل اتخاذ قرارات “مكتبية ” تتجاهل واقعه وتزيد من تأزيمه.
البعض وجه اتهامات سياسية صريحة للوزير أبو سليمان لكونه قادماً من خلفية اجتماعية وثقافية وسياسية وصفت بأنها معادية للوجود الفلسطيني في لبنان، والبعض اعتبر قرارات الوزير نوعاً من المزايدة على تيار سياسي لبناني منافس لتياره بشأن الوجود الفلسطيني أو السوري في لبنان، وفي كل الأحوال علينا فهم الفلسفة التي اعتمدها لبنان الرسمي بتركيبته الطائفية من الفلسطينيين والقائمة على نظرية “خلق بيئة طاردة لهم” وهي النظرية التي بدأ تطبيقها في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي بعد أن استفادت الدولة اللبنانية من “اللجوء الفلسطيني” وانتعشت كل القطاعات الاقتصادية وغير الاقتصادية من هذا اللجوء بشكل أو بآخر.
اليوم وفي ظل الضغوط السياسية الكبرى التي تمارسها الولايات المتحدة على الدول التي يعيش على أرضها لاجئون فلسطينيون من أجل “توطينهم” يجد لبنان نفسه في مأزق كبير، فهو لا يستطيع توطين أو تجنيس الفلسطينيين لكي لا يخل بالتركيبة الديمغرافية الطائفية، كما لا يستطيع طردهم، مما جعل “العقل المركزي” للدولة اللبنانية يضطر للعودة لنظريته الأولى ألا وهي خلق الظروف الطاردة للفلسطيني كمخرج وكحل لهذا المأزق، وهو أمر تؤكده الأرقام والإحصائيات الرسمية اللبنانية حيث تشير نتائج التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان الذي أنجزته إدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في عام 2017، إلى وجود 174 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان يعيشون في 12 مخيماً و156 تجمعاً فلسطينياً في المحافظات الخمس في لبنان، وهي أرقام تكشف حجم الهجرة الفلسطينية من لبنان، باعتبار أن عدد اللاجئين المسجلين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في بيروت يبلغ 449 ألفاً، وهو ما يؤكد و بحسب مصادر فلسطينية متعددة، أن أكثر من 50 في المائة من اللاجئين الفلسطينيين هاجروا من لبنان.
إن عقيدة العداء لدى البعض في لبنان للحالة الفلسطينية تتجاوز “فرصة العمل” أو “حرية العمل” بل تتعداها لتحمل عناوين عدة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو إيدولوجي ومنها ما هو طائفي وهو “الأخطر” .
الإمارات 24