العصر الرقمي يلقي بظلاله الرواية العربية.. والأدباء يكشفون عن التحديات والمتغيرات
النشرة الدولية –
يقال إن هذا هو العصر الذهبي للرواية، لكن مما لا شك فيه أن الرواية أصبحت تواجه تحديات ومتغيرات مختلفة في ظل العصر الرقمي الذي نعيش فيه، وأصبح هناك مصطلح يعرف بـ”الأدب الرقمي العربي”، فظهرت أنماطًا جديدة منها كالرواية التفاعلية والرقمية.
وتعرف الرواية الرقمية بأنها الرواية التي تستخدم الأشكال الجديدة التي ينتجها العصر الرقمي، ولها أنواع عدة منها: رواية الهايبرتكست التي تستخدم الروابط المتشعبة ومؤثرات المالتيميديا المختلفة ويقوم بكتابتها شخص واحد يتحكم في مساراتها. الرواية التفاعلية وهي رواية تستخدم الروابط المتشعبة أيضا وبقية المؤثرات الرقمية الأخري مثلها مثل النوع الأول، لكنها تختلف في كون كاتبها أكثر من واحد ويشترك في كتابتها عدة مؤلفين، وربما تكون مفتوحة لمشاركة القراء في كتابتها. الرواية الواقعية الرقمية وهي الرواية التي تستخدم الأشكال الجديدة التي أنتجها العصر الرقمي لتعبر عنه وعن الانسان المعاصر والانسان الرقمي الافتراضي، بحسب تقرير اعدته للنشر، الزميلة، آية ياسر ، على موقع “العرب مباشر”.
وتمكنت العولمة وتداعياتها التكنولوجية المعاصرة من طرح خطاب أدبي هجين ونمط إبداعي مغامر يفيد كل من فنية الأدب وعلمية الواقع الرقمي الجديد.. وحول ذلك كان لنا هذا التقرير:
يقول الكاتب الكردي السوري “هوشنك أوسي”، في تصريحات لـ”العرب مباشر”: “أعتقد أن هذه المقولة اللينينيّة “لكل نمط من المعيشة، نمط من التفكير” من المقولات اليساريّة التي حافظت على ديمومتها، لأنها تتناول صيرورة الحياة، وما تبدعه من طرائق ووسائل وأفكار، في سياق تطوّرها الدائم. هذه المقولة، تتقاطع مع مقولة “لكل زمانٍ دولة ورجال”، وكذلك تتقاطع مع الحديث المنسوب للنبي محمد “أنتم أعلم بشؤون دنياكم” لجهة المعنى والدلالة على تعدد الخيارات وتنوّعها وتطوّر انماط المعيشة والتفكير في كل حقبة تاريخيّة، وعدم الانغلاق ضمن شكل أو نسق أو إطار معيّن محدد، قطعي الثبوت والإحكام. وعطفاً على ما سلف، يمكنني أن أدرج رأيي حول ضرورة الإقرار بأن الآداب والفنون وطرائق التعبير عن الذات الفرديّة أو الجمعيّة، تتطوّر، وأن هذا التطوّر هو من طبائع الأمور. وعليه، من الطبيعي أن تنسجم حياة الأفراد والبشر مع أحكام وظروف تطوّر الحياة، ومن الطبيعي أن يتبع ذلك، تطوّر جنس الرواية أيضاً، لأن هذا الصنف من الأدب هو أحد مرايا أو الخطابات التي تحاول التعبير عن الحياة بما فيها من واقع ووقائع حقيقيّة أو متخيّلة.
ربما لأنني أنتمي لهذا العصر وطرائقه وأدواته وأنماط تفكيره، لا أميل إلى التهويل الذي يحدثه بعض النقّاد حيال اتلاف التطوّر التقني للشعر والرواية، بحجّة الأصالة والحفاظ على التقاليد، وضرورة إخضاع الحديث للتقنين وفق شرائع القديم، تقنيناً صارماً، حازماً حارماً، مانعاً رادعاً. وقد ذكرت رأيي هذا في ملتقى الرواية الذي شهدته القاهرة في شهر نيسان الماضي، وملتقى الرواية في فلسطين الذي انعقد قبل أيّام في رام الله.
غنيٌّ عن البيان والشروح أن اختراع الطائرة، لم يلغِ دور ووظيفة القطار، السيّارة، بل تكفّلت الحياة والعلوم بتطوير القطارات والسيارات أيضاً. وكذا حال الفنون والآداب. ما زال الناس يقرأون كلاسيكيّات المسرح اليوناني، أو الانكليزي، ويقرأون دانتي، وثربانتيس، وتوليستوي وغونه…الخ، صحيح ليس بذلك الحجم والغزارة، إلاّ أن ظهور تقنيّات وطرائق جديدة في الكتابة الروائيّة، لم تحيل كل المنتوج الأدبي الروائي في القرنين الماضيين إلى المتاحف”.
ويضيف “أوسي”: “أعتقد أن الأمر متعلّق بالسؤال الجهوري والأساسي المرتكز على ماهية الفعل الإبداعي، وقياس نسبة الإبداع في الرواية التقليديّة أو الرقميّة أو أية طريقة أخرى يمكن أن تبدعها الحياة. ذلك أن الحياة أكثر غنى وإبداع، وتخلق فنونها وطرائقها التي تناسبها وتعكس تفاصيلها وأسئلتها. الرواية لا يمكن لها إلاّ أن تكون في قلب العصر الرقمي، وتساهم فيه تطويره، بالطريقة التي تراها الحياة مناسبة. في الروائيون والروائيّات الجدد، “الرقميّون” هم أدرى بشؤون عصرهم ويومهم ودنيا إبداعاتهم. لأن أنماط معيشتهم وتفاعلهم مع الحياة، بالضرورة ستخلق أنماط جديدة من التفكيّر والأسئلة. وبالتالي، لكل زمن دولة ورجال ونساء، ولكل زمن روائيون وروائيّات”.
أما الأديبة التونسية “فاطمة بن محمود”، رئيس جمعية الكاتبات المغاربيات بتونس، فتقول: “ككل مرة يطل علينا نمط ابداعي جديد او في صيغة مختلفة ترتفع الأصوات بين متقبل و رافض، لكن هذه المرة وضعنا يبدو مريبا عندما يتعلق الأمر بالرواية الرقمية من يرفضها يؤكد انه خارج مدار الزمن لا يفهم طبيعة اللحظة التي نعيشها و التي تحتكم الى قوة التكنولوجيا التي اقتحمت حياتنا رغما عنا من مختلف الجهات و من يتقبلها لا يفهم انه لا يجب ان يتقبل شكل جديد للرواية تعتمد فيه على الشروط الرقمية بل يجب ان يتقبل ثقافة الرقمنة أصلا بما هي نمط تفكير و اسلوب حياة يجعلنا نغير من مفاهمينا للحياة عامة ومن رؤيتنا للأدب تحديداً”.
وتابعت “بن محمود”: “التحديات الكبيرة التي يجب ان نطرحها و نحن نتحدث عن الرواية الرقمية ليست في تحويل الرواية من الورقي إلى البي دي إف وليس في مواكبة البرمجيات لكتابة أدبا يعبر عن عمقنا الحضاري وينقل أزمتنا الحقيقية مع ذواتنا ومجتمعاتنا والعالم من حولنا أعتقد ان التحديات الكبيرة في طرح أسئلة أعمق عن عالم التكنولوجيا الذي يزحف علينا ونحن نعيش في لحظة فارقة تنتشر فيها تيارات ” فكرية ” تسحب بشدة مجتمعاتنا المتخلفة نحو الماضي وهو ما يفرض علينا ان نفكر في واقعنا بعقول السلف االصالح ويريد تطبيق نمط حياة لا يصلح لهذه اللحظة التي نعيشها هذا ما يجعل من المثقف عموما و المبدع خاصة ثابت في نفس المكان يطرح نفس الأسئلة ويلوك نفس الأجوبة ولا يفهم أن وجوده مهدد أصلا ورهين واقع متخلف وجهل ينتشر وأمية تتراكم لذلك اعتقد أن الأدب الرقمي فرصة لنطرح الأسئلة الحقيقية ونبحث عن أجوبة مهمة تعيد تموقتنا في اللحظة التي نعيشها.
المسألة أكبر من أدب رقمي ولكن يمكن أن تكون منطلقة لذلك أعتقد أن تحديات المبدع والمثقف عموماً كبيرة جدا وخطيرة أيضاً”.
فيما يقول الأديب والناقد اليمني “محمد الغربي عمران”، رئيس نادي القصة اليمني بصنعاء: “حضرنا نقاشات حول الرواية الرقمية في آخر ملتقى للرواية “ملتقى القاهرة للرواية” وتداخلت أراء النقاد والمختصين، ومنهم الدكتور “محمود الضبع” الذي كان رأيه واضحا بأن الرواية الرقمية لم تبدأ بعد”.
وأضاف “الغربي عمران”: “هذا أمر أما التحديات التي توجه الرواية المعاصرة؛ فإن الحالة الرقمة التي تعيشها الراوية قد ساعدتها على بصط وجودها أكثر وأكثر.. فلا تحديات.. بل أفاق لمزيد من نشر ضوءها؛ فالتقنية الحديثة تساعد أكثر على النشر ووصول المادة إلى متلقيها متخطية كثير من الحواجز منها الرقابة وصعوبة نقل المادة ورقيا للمتلقي.. هنا أضحت الرواية كالشمس تبذغ لتصل بأشعتها إلى أبعد مدى.. والغد مبشر بما هو أروع.. وقد نعيش رواية مختلفة .. فالرواية متجددة تستوعب وتتماشى مع كل التقنيات وجميع الأجناس الفنية”.
ويؤكد الأديب السعودي “محمد عزيز العرفج” أن التحديات الراهنة التي تواجه الأدب العربي في عصرنا الرقمي كثيرة.. في السابق كان الأدب الجيّد يقدّم من خلال برامج وقنوات وصحف وصفحات أدبية متخصصة وكذلك عبر أقلام النقّاد، أما الآن فإن الكتب الخاوية أصبحت تملأ المكتبات العربية ورقيا بالإضافة إلى انتشارها رقمياً، عبر مشاهير التواصل الاجتماعي! وأصبحت تلك الكتب مع الأسف الشديد تنافس الأدب الجيد، وأصبح أولئك المشاهير ينافسون الأدباء حقّاً.
وأكد “العجرف” أن الرواية الآن تعيش (عهدها) الذهبي، ولن تأخذ العصر كله، فقد كانت القصة القصيرة هي السائدة ومنافسة للشعر في بداية هذا العصر، ثم سحبت الرواية البساط، ولكن المستقبل كل المستقبل للسيرة الذاتية، بدليل أن عالمنا العربي وهو العالم الوحيد الذي لا يفرّق بين الرواية التي تتكون من شخوص متخيّلة والسيرة الذاتية التي تأتي من شخوص وأحداث حقيقية، ويكتب خطأ (رواية-سيرة ذاتية) إذ هما جنسان لا يجتمعان مطلقاً! وبدأ كثير من الشعراء والقاصين والكتاب بصفة عامة يكتبون سيرهم الذاتية على أنها روايات، وربما ينالون جوائز في الرواية ويصف أحدهم بـ(الروائي) وهذا خطأ، أو يكتب سيرة غيرية لشخصيات في التاريخ ويكتب تحتها (رواية) ويصنّف على أنه روائي وقد نال كثيرون جوائز في الرواية وما كتبوه لا يعدّ رواية إنما سيرة ذاتية أو غيرية!.
ويشير الدكتور “أحمد قرّان الزهراني”، الشاعر والإعلامي السعودي وأستاذ الإعلام في كلية الاتصال والإعلام بجامعة “الملك عبدالعزيز”، إلى أن أن العصر الرقمي سيخدم الثقافة والأدب العربي كثيرا، حيث يستطيع الأديب أن يتواصل مع الآخر دون وصاية أو رقابة أو تعقيدات وبالتالي ستكون نوافذ النشر كثيرة ومتعددة ومتاحة للجميع إضافة إلى اتصاله بأقرانه الأدباء في العالم وبكل اللغات، وعلينا أن نتعامل مع العصر الرقمي بوعي بأهميته وأن نتقن أدواته وأن نوظفه توظيفا إيجابيا سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.