إحياء لذاكرة فلسطينية القدس في إطار معرض “الى الأبد” للفنانة رفيدة سحويل
غزة – فاطمة الزهراء سحويل
عبر خمسة وثلاثون لوحة تنتمي للفن المعاصر جمعت بين المدرسة التعبيرية الرمزية والواقعية قدمت الفنانة رفيدة سحويل ذاكرة بصرية عن مدينة القدس التي لم تراها سوى عبر شاشات التلفاز وصفحات الانترنت، اتجهت إلى البحث والقراءة من خلال أعمال الكتاب عن المدينة.
تمكنت الفنانة سحويل أن تسكب أفكارها على لوحات ثرية بالتفاصيل في معرض لها نظمته مؤخرا في غزة بعنوان “إلى الأبد”، جميعها عكست تحرر الحياة النائمة فينا وتيقظ حكاية غصن زيتون رُفع مع بندقية ثائر بينما ينام العالم، وقد وصف أحد الحضور رفيعي المستوى، ممثل القنصلية الفرنسية مجدى شقورة، المعرض بأنه عاكس لأحقية الفلسطينيين بالأرض ودعمهم له يأتي رفضا لانتهاكات الاحتلال للمدينة واستنكار الاعتداءات المستمرة على أهلها.
ومن جهته عبر رئيس الاتحاد العام للمراكز الثقافية يسري درويش عن سعادته بافتتاح معرض إلى الأبد لتقول أن القدس ستبقى فلسطينية إلى أبد الآبدين ولن تثني الجميع من التمسك بها والاقرار من قبل أحرار العالم أنها عاصمة فلسطين ومازالت محتلة، لتقدم صورة للارتباط الوطني الذي نقلنا إلى حارات القدس وشوارعها لتؤكد أن القدس حاضرة في قلوب أهالي قطاع غزة فالارتباط الوطني يوحدنا جميعا .
اعتمدت الفنانة رفيدة لإيصال رسالتها على الطاقة الابداعية لتنوع الأسلوب بين الواقعي والتعبير مستخدمة الوان الاكلريك والتركيب بتقنية تميزت بحداثة الفكرة عملت على نقل روح الحياة المقدسية لزوار معرضها المقام في المركز الثقافي الفرنسي بمدينة غزة بدعم من الصندوق الثقافي الفلسطيني بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي ومركز غزة للثقافة الفنون.
قائلة:” على الرغم من عدم زيارتي للقدس مطلقا إلى أن المدينة وتفاصيلها تعيش في وجداني نتيجة للوعي الجمعي المترسخ لدينا كوننا فلسطينيين فنحن أصحاب الحق والأرض مهما حاول المحتل أن يبعدنا عنها فلدينا التزام قوي تجاه القضايا الوطنية و الفن أحد أهم أدوات الحفاظ على الهوية” .
الفنانة رفيدة الحاصلة على 4 جوائز محلية في الفن التشكيلي والفيديو آرت والأعمال الانشائية والتصوير اللوني ترى أن الفن يمتلك أثرا مهما في تعزيز الهوية العربية والدينية للمدينة المقدسة يظهر عند النظر إلى العلاقة التي تجمع الجيل الجديد من النشأ مع هذه المدينة التي عايشوها عادة في قصائد الشعراء، لكن اليوم شعروا بنبضها من خلال اللوحات .
موضحة أن الاهتمام بالأعمال الفنية التي تركز على مدينة القدس من شأنه زيادة الوعي بالمخاطر والتحديات التي تواجهها
كما دعت إلى مزيد من الاهتمام بالحالة الفنية في قطاع غزة كونها بوابة تعزيز السلام وقناة اتصال لكل لغات العالم شاكرة المؤسسات الداعمة لمعرضها مؤكدة على دورهم المهم والمؤثر لتطوير المشهد الفني في فلسطين.
وفي قراءة للوحات معرضها إلى الأبد يمكن للزائر أن يرى فوق أعلى قبة الصخرة دائرة مغلقة جمعت داخلها أشجار الزيتون والعلم الفلسطيني ومساجد المدينة وسمائها الوادعة لتوثق ما يميز العمارة الاسلامية في المدينة التي تحمل الهلال المغلق والذي يحاول فنانين الاحتلال تغيره ومحوه لبناء هوية مختلفة للمدينة.
تمكنت الفنانة من رسم لوحة خاصة للغزال الجبلي الذي يعتبر من أهم الحيوانات البرية الفلسطينية والذي لم يراه سكان القطاع من قبل جمعت بين غزالين كبيرين وطفليهما وقد اقتربت الأم من صغيرها في اشارة الى معجزة الحب غير المشروط لمدينة القدس وأهلها.
وأكدت في لوحة أخرى على قدسية المدينة الدينية من خلال تجسيد القبة كخلفية لأيادي رفعت إلى السماء تحمل كتبا مختلفة الألوان تتوحد في وجهتها لتمتلك الحياة التي منحتها لها دروب الصلاة لتحرس جذور الأسلاف.
جمعت بين الهلال والصليب لتشكل بساط السماء الأزرق المخضر المفعم بالحيوية والأمل بالسلام يتقدمها البرتقال والزيتون أعلى جدران القدس.
وفي مواكبة للحداثة والفن المعاصر جسدت لوحة جوية لقبة الصخرة بمسقط رأسي تغلب عليه الخطوط الرفيعة وضربات الفرشاة المتداخلة تعبيرا عن الحركة الدائمة لأهل المدينة وزوارها.
وفي إشارة إلى القبة المذهبة التي اشتهرت بها المدينة المنتهية باثني عشر عمودا من الرخام الصلب رسمتها بصورة تعبيرية رمزية من الداخل مبرزة الأقواس داخلها لتوثق جمال الهندسية المعمارية للمدينة تعتليها مجموعة من الدوائر المتدرجة ألوانها بين البرتقالي والأزرق والأصفر تأكيدا لعراقتها تاريخها الفلسطيني والعربي الذي تحتضن فيها أسرار آثار أقدام سلكت طريقها المقدس.
بأسلوب معاصر استخدمت الفنانة تقنية ثلاثية الأبعاد في جزء مفصول من قبة الصخرة لكن دون تركيب لأنه جزء أصيل من اللوحة وقد غطت مكان الجزء المفصول بقصاصات ورقية للجرائد الممتلئة بعناوين الأخبار عن مؤتمر البحرين وصفقة القرن ومحاولات تدمير المدينة وتهجير أهلها يعتليها صورة عدد من كؤوس الشراب موحية للزائر أن شبكة من المؤامرات والاتفاقيات كانت تتم تحت المدينة لكنها أصبحت اليوم معلنة للجميع.
إضافة إلى رسم بائع الكعك الذي يجلس أمام بواباتها كل صباح منذ ما يقارب الثلاثين عاما ليحفظ للمدينة وجهها العربي الذي يحاول الاحتلال تغيره بتقديم رواية تاريخية مزورة للسياح، فيصدح صوته في فضاء المدينة الذي يتسع للجميع.
أعلى السور وفي جانب اللوحة الأيسر رسمت ما يبدو كفتاة تؤدي رقصة الحياة يعلوها قطرات زرقاء تسللت تحت قدميها من تحت لوحة لمدينة القدس مثبتة على ما يشبه الجدار وفي جانب اللوحة الأيمن تدرج اللون الأزرق فوق الأبيض ليبدو للمشاهد كحفرة واسعة بين المدينة وتفاصيلها التي تحمل الحب والألم في محاولة لتقريب المسافات الفاصلة بين الأحداث القديمة والحديثة لتنكمش تدريجيا وصولا إلى السلام.
كما عملت من خلال اللوحات على نشر المعرفة حول فلسطينية المدينة وتاريخها من خلال توثيق تواريخ أبرز الأحداث التي مرت على المدينة كعام 1987-1967-1948-2000 لرواية قصة المدينة عبر ذاكرة بصرية تترسخ إلى الأبد تكتبها بالألوان، عبر لوحات تحمل تفاصيل الحياة والتاريخ معبرة عن أفكارها حول الحب والأمان الذي يجب أن تحظى به المدينة مجسدة في لوحة أخرى صورة للخيول العربية الأصيلة وقد منحتها الحياة والحركة بقوة إلى الأمام من خلال ضربات الفرشاة باللون الأبيض وسط لوحة امتلأت باللون البني الداكن الذي منحها تعبيرا أقوى عن الحرية .
إلى جانب ذلك لم تنسى أن توثق العملة الفلسطينية من خلال لوحة الجنيه الفلسطيني الذي يحمل صورة المدينة، مع عدد من اللوحات تُظهر تفاصيل أبوابها العريقة التي تفرد أذرعها في كل الاتجاهات لتمنح السماء عناقا طويلا يجعل أشجارها تتلألأ كلما استيقظ الفجر.