في خطوة متوقعة.. عباس يوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع اسرائيل ويشكيل لجنة لبحث آلية التنفيذ
أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في وقت متأخر الخميس وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع اسرائيل وتشكيل لجنة لبحث آلية التنفيذ تبدأ عملها اعتبارا من الجمعة.
فيما رأى محللون أن القرار قد يسهم في لملمة الوضع الفلسطيني، تساءل آخرون ما اذا كان سيخلف تداعيات عملية.
وكانت السلطات الاسرائيلية قد قامت الاثنين بهدم منازل 12 بناية لفلسطينيين في منطقة صورباهر الواقعة على طرف مدينة القدس وبين مناطق تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، ما أدى الى فقدان عشرات الفلسطينيين لمنازلهم. تقول اسرائيل إنها هدمت هذه المنازل بسبب قربها من الجدار.
لاقى هذا الاجراء تنديدا فلسطينيا واسعا، واعتبروه “تطهيرا عرقيا” وعقدت القيادة الفلسطينية إثر ذلك اجتماعات مكثفة ومنها الاجتماع الذي عقدته الخميس وأعلن فيها عباس قراره.
وقال عباس، بعد ان استعرض جملة من الخلافات بين السلطة الفلسطينية واسرائيل “أمام إصرار سلطة الاحتلال على التنكّر لجميع الاتفاقيات الموقّعة وما يترتّب عليها من التزامات، نعلن قرار القيادة وقف العمل بالاتفاقيات الموقّعة مع الجانب الاسرائيلي والبدء في وضع آليات اعتباراً من الغد لتنفيذ ذلك”.
الاتفاقيات
في 13 سبتمبر من العام 1993 وقعت منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل اتفاق سلام في البيت الابيض بحضور غالبية زعماء دول العالم، ووقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن الجانب الفلسطيني بصفته حينها أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ونص الاتفاق على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي (السلطة الفلسطينية) لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات.
وشكلت هذه الاتفاقية الرئيسية غطاء لعدة اتفاقيات بين الطرفين، منها اتفاقيات تتعلق بالمياه والكهرباء والتنسيق الأمني بين الجانبين والنواحي الاقتصادية، وأيضا اجراء انتخابات لاختيار رئيس للسلطة الفلسطينية ومجلس تشريعي.
ويعتبر التنسيق الأمني من أهم هذه الاتفاقيات، خاصة وأن هناك حوالى 400 ألف مستوطن اسرائيلي يعيشون في المستوطنات الاسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية.
مع انتهاء الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام، فشلت محاولات الرئيس الاميركي بيل كلينتون في العام 2000 في التوصل لاتفاق جديد بين الفلسطينيين واسرائيل، بعد عدة أيام من المفاوضات الثلاثية في منتجع كامب ديفيد ضم كلينتون وياسر عرفات، ورئيس الوزراء الاسرائيلي حينها ايهود باراك.
وإثر فشل تلك المفاوضات اندلعت انتفاضة مسلحة في الاراضي الفلسطينية، قامت اثرها السلطات الاسرائيلية باقتحام المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية وتم تدمير العديد من المقار الأمنية الفلسطينية. تعرض الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لحصار في مقره برام الله حتى وفاته في العام 2004.
عقب وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، انتخب محمود عباس ( 84 عاما) رئيسا للسلطة الفلسطينية وأعلن منذ أيامه الأولى رفضه للعنف وانتهاج العمل الدبلوماسي.
وكانت أول مواجهة دبلوماسية قادها عباس حينما أوقفت المفاوضات السلمية مع الجانب الاسرائيلي، حيث أصر عباس على وقف الأعمال الاستيطانية الاسرائيلية كشرط لاستئناف هذه المفاوضات التي ما زالت متوقفة حتى الآن.
نجح عباس في الحصول على قبول في الامم المتحدة لدولة فلسطين كعضو مراقب، وهو ما اعتبر نجاحا للدبلوماسية الفلسطينية.
لماذا اتخذ عباس قرار وقف الاتفاقيات؟في إطار نهجه الدبلوماسي لوح عباس أكثر من مرة في ورقة وقف التنسيق الامني مع الجانب الاسرائيلي، كخطوة يمكن اتخاذها في حال “استمرت اسرائيل في خرق الاتفاقيات”، كما أعلن اكثر من مرة، غير انه لم تتخذ اي خطوة فعلية في هذا الإطار.
يعتبر التلويح بوقف الاتفاقيات مع الجانب الاسرائيلي خطوة ليست بالجديدة، حيث اتخذ المجلس المركزي الفلسطيني على مدار السنتين الماضيتين أكثر من قرار حول الموضوع، وشكلت لجان لتنفيذ هذا القرار.
غير ان الشيء الجديد ان هذا الاعلان تم هذه المرة من قبل الرئيس الفلسطيني نفسه، وهو ما لم يحدث سابقا.
وجاء إعلان عباس هذا عقب عدة تطورات كان أهمها مؤخرا حينما أقدمت اسرائيل على هدم منازل فلسطينيين في مناطق خاضعة للسلطة الفلسطينية قريبة من مدينة القدس.
إضافة الى ذلك، فإن هدم المنازل جاء في ظل أجواء مشحونة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل، منها وقف تحويل أموال ضريبية لصالح السلطة الفلسطينية من قبل اسرائيل، ما وضع السلطة الفلسطينية في أزمة مالية خانقة، عوضا عن الاجراءات الاميركية المتخذة ضد السلطة الفلسطينية منها إغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن واعلان القدس عاصمة لاسرائيل، ووقف الدعم المقدم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين.
وأعلن عباس أن اسرائيل هي التي تنكرت لكل الاتفاقيات “ولا يمكن لنا الاستمرار بالتزاماتنا من طرف واحد”.
كل هذا دفع رئيس السلطة الفلسطينية لاتخاذ قرار ما قد يسهم في لملمة الوضع الفلسطيني.
هل للقرار معنى عملي؟
في حين يرى مقربون أن القرار له معنى وطني قد يسهم في تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية على الأقل، يقول آخرون بأنه “لا يعني شيئا”.
وبحسب محللين، فإن قرار عباس الذي ألحقه بتشكيل لجنة للتنفيذ، يعني أن القرار لن ينفذ الآن وانما سينتظر اللجنة، في حين أن السلطة الفلسطينية وفي قرارات سابقة شكلت حوالى ثماني لجان لتنفيذ نفس القرار.
في المقابل، فإن كان قرار تشكيل السلطة الفلسطينية جاء وفق اتفاق مع اسرائيل، فهل يعني الغاء الاتفاقيات مع اسرائيل الغاء السلطة الفلسطينية التي يرأسها عباس؟
يقول المحلل الاستراتيجي هاني المصري لوكالة فرانس برس “لا ينفع الحديث عن وقف الاتفاقيات مع اسرائيل دون الحديث عن مصير السلطة الفلسطينية وتغيير شكلها ووظائفها”.
ويخلص الى القول “القرار صيغة مكررة عن قرارات سابقة”.