الضرائب الرقمية.. هل هي الحل لمواجهة عمالقة التقنية؟

النشرة الدولية –

كثيراً ما تثير الفوارق في الربحية أزمة في الاقتصادات، حيث تتجه الاستثمارات بطبيعة الحال للقطاعات ذات الربحية العالية بدرجة أكبر من تلك ذات الربحية الأقل، مما يخلق حالة من عدم التوازن بنمو قطاعات أكثر من أخرى.

ولحل هذه المشكلة قررت فرنسا مؤخراً فرض ضريبة 3% على مجمل إيرادات الشركات العملاقة في مجال الإنترنت، مثل “فيسبوك” و”أمازون” و”جوجل” وغيرهم، في محاولة من باريس لتوجيه الاستثمارات نحو مجالات أخرى لا تحظى بنفس اهتمام المستثمرين.

وأثار ذلك القرار التساؤل عن مدى نجاعة استخدام الضرائب لتوجيه الاستثمارات، ويأتي هذا التساؤل بالذات منطقياً مع العلم بأن صناعات التكنولوجيا لا سيما تلك العملاقة، تحقق أرباحاً تصل إلى 30% بما يجعل فرض ضريبة 3% ليس بهذا القدر من التأثير.

والملاحظ أن هذه الضرائب “تم تصميمها” لكي تستهدف الشركات الكبيرة فحسب دون إعلان ذلك صراحة، فهي تُفرض على الإعلانات على المواقع وعلى الأنشطة الإلكترونية الوسيطة (مثل الدخول على موقع من خلال “فيسبوك”)، واستخدام بيانات العملاء للحصول على عائدات، بما يجعلها تكاد تذكر أسماء الشركات العملاقة فحسب.

وتقدر حجم هذه الأنشطة فحسب في فرنسا بحوالي 850 مليون دولار سنوياً، وعلى الرغم من أن هذا المبلغ قد لا يكون كبيراً قياساً لحجم الشركات الهائل، إلا أن توجه بريطانيا بعد فرنسا لإقرار ضريبة 2% على نفس الشركات قد يكون موجعاً لها بنهاية الأمر.

وقد حاولت أوروبا العام الماضي إقرار ضرائب مماثلة على مستوى القارة العجوز ككل، غير أن ممانعة دول مثل أيرلندا وهولندا أفشلت المساعي التي قادتها فرنسا وبريطانيا أيضاً في ذلك الوقت، مما دفع فرنسا للعودة لمحاولة إقرارها على المستوى المحلي وليس الإقليمي.

ويشير تقرير لشبكة “سي.إن.بي.سي” الإخبارية إلى أن الضرائب الفرنسية قد تضر بالمستهلك النهائي ولن تؤثر كثيراً على الشركات التكنولوجية العملاقة، حيث تتوقع زيادة تكلفة الخدمات التي تقدمها في فرنسا (والدول التي تليها في فرض الضريبة) بنسبة 5%، لكي تتمكن الشركات من الحصول على الأرباح نفسها بعد فرض الضريبة.

وتقدر دراسة لـ”ديلويت” أن المستهلكين سيتحملون 55% من الضريبة بينما سيتحمل “آخرون” (ويقصد بهم شركات وسيطة بالأساس) 40% منها، ولن تتحمل الشركات العملاقة إلا 5% فحسب من الضريبة المستحدثة.

كما أن ما تصفه “باريس” بالوضع  الاحتكاري لتلك الشركات من بين أسباب فرض الضريبة، ويُثار تساؤلٌ منطقي هنا عما إذا كانت نسبة 3% فحسب كافية لتخلي شركة عن وضعها الاحتكاري، بل إذا كان من المنطقي استهدافها بضرائب استثنائية من الأصل.

ففي ظل غياب منافسين فاعلين لشركات مثل “جوجل” و”فيسبوك” مثلاً من غير المنتظر تأثير تلك الضرائب على مجمل أعمال الشركة، إذ سيضطر المستهلك للتعامل معهم حتى في حالة ارتفاع تكلفة خدماتهم نظراً لعدم وجود من يوفرها.

ويمكن تشبيه هذا الأمر بمبيعات التبغ، فعلى الرغم من كافة الضرائب التصاعدية التي تفرض عليه، والتي تصل إلى 20% في ألمانيا، ودولارٍ على كل علبة سجائر في أمريكا إلا أن مبيعات التبغ تبقى في تزايد لأن الضرائب يتم فرضها على الصناعة ككل دون توفير البديل فيتحملها المستهلك في نهاية الأمر.

وتضيف الدراسة أن مثل تلك الضريبة تضيف “ضغوطاً تضخمية” لا لزوم لها، خاصة إذا ارتفعت إلى مستويات أعلى من ذلك، في ظل تحقيق “آبل” لمبيعات 13 مليار دولار، و”فيسبوك” لعائدات 3.56 مليار دولار في أوروبا، بما يجعل فرض ضرائب عليهما مجرد رفع للمستوى العام للأسعار بلا مبرر واضح.

والشاهد أن مثل تلك الضرائب الفرنسية لن تتمكن من تحقيق هدفها بتنويع الاستثمارات أو القضاء على الأوضاع الاحتكارية للأسباب السابق ذكرها، لتبقى وسائل تنويع الاستثمارات أو الحد من تصاعد ربحية تلك الشركات مرتبطاً أولاً وأخيراً بتوافر المنافسة وليس بتقييد عمل تلك الشركات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى