غدنا القريب بعيد* صالح الشايجي

النشرة الدولية –

كثيرا ما نردد أقوالا مأثورة ولكن لا نفكر في معناها ولا نتمعن بمدلولاتها.

إن انتماء تلك المقولات والأقوال إلى حقب زمنية غابرة وموغلة في القدم منحها حصانة ونوعا من الأهمية يكاد يبلغ بها مبلغ القداسة. وتلك هي طبيعة علاقتنا بالمأثور، فدائما هو صادق ومهم ومقدس، ولا يجوز التشكيك فيه حتى وإن لم يكن ذا صلة بالدين، فيكفي أن يكون من إرث السالفين ليأخذ مسحة التقديس الزائفة،

ورد في ذهني وأنا أدور في هذا الفلك، قول مأثور شهير لا نفتأ نردده يوميا، وهو:

«إن غدا لناظره قريب»

ونضربه للتدليل على قرب حدوث ما نحن بانتظاره.

فالمرأة الحامل تردده وهي في شهرها الأول وبانتظار وضعها بعد شهور.

والطالب في يومه الدراسي الأول يردده وهو ينتظر نهاية العام الدراسي بعد تسعة أشهر.

والموظف يقوله للتدليل على قرب نهاية الشهر من أجل قبض الراتب رغم أنه لم يدس بعد راتبه عن شهره الحالي في جيبه.

وهو المعنى نفسه الذي أراده الشاعر حين أطلق قصيدته المتضمنة هذه العبارة التي جاءت في عجز أحد أبيات تلك القصيدة.

أما الحقيقة فهي عكس ذلك تماما، فإن الغد المنظور أو المنتظر، بعيد بعيد بعيد وليس بقريب كما قال الشاعر. وكل شيء ننتظره نراه بعيد المنال والتحقق ونحس بالملل الشديد خلال فترة الانتظار.

في بدء النهار الدراسي يحس الطالب بالملل ومثله المعلم، رغم أن فترة الدراسة لا تتعدى ساعات قليلة، ومع هذا فإن الملل هو سيد الموقف خلال تلك الساعات القليلة التي تمر بطيئة بطيئة والتي لم ير الطالب ولا المعلم أن نهايتها قريبة.

أما الحامل التي تحمل ما في بطنها وهناً على وهن طيلة تسعة أشهر، فلا يظنن عاقل أن غدها قريب، بل هو بعيد بعد المدى المفتوح، قوامه آلام وخمول وتعب وثقل وسهر وهم ثقيل بثقل الرواسي الراسخات.

ولعل ما يعانيه الصائم خلال نهار رمضان خير دليل على أن «غدا لناظره بعيد» رغم أن غد الصائم في مغرب اليوم ذاته لا في صبيحة الغد.

الأنباء الكويتية

زر الذهاب إلى الأعلى