يعيشون “مع الصخب” و .. يموتون بصمت!* رجا طلب
النشرة الدولية –
مرت الذكرى الـ43 لمجزرة تل الزعتر متزامنة هذا العام مع عودة “شوفينية” ملفتة ومثيرة للقلق والتساؤل ضد “الفلسطيني” بشكل عام وضد المخيم ورمزيته ووجوده وحقوقه بشكل خاص فجرها قرار وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان بشأن تصاريح العمل للاجئين الفلسطينيين.
كانت جريمة تل الزعتر التعبير الاكثر مأسوية وانحطاطاً في تاريخ المجازر التي تعرض لها الفلسطينيون بل كانت اكثر فظاعة وهمجية من تلك المجازر التي ارتكبها الصهاينة وميليشياتهم إبان حرب عام 1948، وعكست جريمة تل الزعتر “كراهية” دفينة ضد الإنسان الفلسطيني المحطم الذي من المفترض أنه يعيش في لبنان، لكنه في ذات الوقت يعيش في عالم آخر لا يشارك ولا يزاحم فيه أحد.
كراهية الفلسطيني في لبنان وقتذاك وإن كانت بقاياها مازالت موجودة هي كراهية مركبة، تجمع الكراهية الطائفية بالسياسية بالاقتصادية، ووصلت حد الكراهية الثقافية والفنية في بعض الأحيان، على الرغم من أن الوجود الفلسطيني في لبنان كأحد نتائج الاحتلال الإسرائيلي لم يكن عبئاً، لا على الديمغرافيا اللبنانية ولا على الاقتصاد ولا الحياة الاجتماعية بل على العكس من ذلك، وبشهادة العديد من الشخصيات الوطنية اللبنانية، كان هذا الوجود وجوداً نوعياً وساهم مساهمة كبرى في تطوير الحياة العامة في لبنان وفي المناحي كافة.
لقد كان “تل الزعتر” عبارة عن عملية “تطهير عرقي” بكل ما في الكلمة من معنى، أنهى التواجد الفلسطيني في شرق العاصمة اللبنانية، وسمح بتكوين كانتون طائفي هويته الظاهرة مسيحية ولكن حقيقته وقتذاك “كانتون تابع لإسرائيل وأمريكا وفرنسا كجزء من تقسيم لبنان مناطقياً على أساس طائفي ومذهبي، وعندما لم تنجح إبادة مخيم تل الزعتر وأغلبية ساكنيه في تنفيذ مشروع التقسيم الطائفي المشار إليه (الأرقام تتحدث عن ان القتلى الابرياء وصل عددهم إلى أكثر من ألفين)، استكملت المأساة عام 1982 في مخيمي صبرا وشاتيلا وتكشفت كل الأوراق بعد المشاركة العلنية لقوات الاحتلال الاسرائيلي في المساهمة بهذه المجزرة إلى جانب قوات حزب الكتائب بقيادة وتوجيه من بشير الجميل وغرفة عمليات موحدة يديرها أرييل شارون وزير الحرب الإسرائيلي وقتذاك.
العداء للفلسطيني في لبنان وتحديداً في المخيمات كان “صناعة محترفة”، أو “طبخة” طبخت على نار هادئة. فقصة محاولة اغتيال زعيم حزب الكتائب بيير الجميل وقتذاك وبعدها حادث الانتقام من “بوسطة عين الرمانة” كرد على المحاولة هما مجرد عوارض لمخطط رسم بدقة للبدء بتصفية الوجود الفلسطيني في لبنان، هذا الوجود الذي بدأ بصورة طبيعية وبتعاطف لبناني شعبي ورسمي مع “المأـساة الفلسطينية”، وأخذ ينحرف بعد ذلك نحو التناقض ومن ثم التصادم مع “الكتلة الانعزالية” في لبنان.
يقسم جابر سليمان، الباحث المتخصص في دراسات اللاجئين في دراسة له تحت عنوان (الوجود الفلسطيني في لبنان بين الماضي والحاضر: حالة حصار) المنشور على موقع ” بديل .. المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين”، هذا الوجود إلى عدة مراحل وهي مرحلة التكيف والأمل (1948-1958)، و مرحلة القمع والتهميش (1958-1969)، ومرحلة الازدهار وبناء المؤسسات (1969-1982 ) ، ومرحلة الانحسار وانهيار المؤسسات (1982-1989 ) وأخيراً مرحلة الإهمال المتعمد (1989-2005)، واقتبس هنا ما كتبه عن المرحلة الأولى لهذا الوجود حيث يقول ما نصه:
بدأت هذه المرحلة بنزوح الفلسطينيين إلى لبنان وانتهت باندلاع ثورة عام 1958. وتميزت بداياتها بترحيب لبناني رسمي وشعبي بلجوء الفلسطينيين إلى لبنان عكسه آنذاك موقف رئيس الحكومة اللبناني رياض الصلح، وعبر عنه بشكل واضح وصريح وزير الخارجية حميد فرنجية الذي قال في ذلك الحين: “سنستقبل في لبنان اللاجئين الفلسطينيين مهما كان عددهم ومهما طالت إقامتهم. ولا يمكننا أن نحجز شيئاً عنهم، ولا نتسامح بأقل امتهان يلحقهم دوننا… وسنقتسم فيما بيننا وبينهم آخر لقمة من “الخبز” (من محضر الجلسة السابعة لمجلس النواب اللبناني، 2115/1948).
ويضيف سليمان: “وقد تميزت هذه المرحلة بقدر نسبي مقبول من حرية التعبير السياسي والتنظيمي وبتوفير فرص العمل للاجئين الفلسطينيين في مرحلة الفورة الاقتصادية التي شهدها لبنان في عقد الخمسينيات”.
اليوم وبعد 43 عاماً على هذا الوجود تعود مسألة “شيطنة الفلسطيني” في لبنان الى الواجهة، وتُستحضر في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي أجواء ما قبل “تل الزعتر”، وسط عجز واضح للدولة اللبنانية على وقف ولجم الشحن في هذا الموضوع الخطير والمتفجر.
الإمارات 24