العودة بعد الانفصال فخ لا يجب الوقوع فيه * لمياء المقدم
النشرة الدولية –
قرأت مؤخرا دراسة هولندية تقول إن معظم الأشخاص الذين يقررون العودة إلى بعضهم البعض بعد الانفصال، إنما يفعلون ذلك لشعورهم بالارتباك وبتغير الحياة عليهم وليس بسبب رغبة حقيقية في العودة.
قرار الانفصال عن شخص ما بعد عِشرة سنوات أو حتى أشهر ليس قرارا سهلا على الإطلاق ولا يأتي من فراغ، ورغم أن إحصاءات الطلاق مرتفعة في جميع أنحاء العالم وتكاد تكون واحدة في كل مكان، إلا أن البشر لا ينفصلون غالبا إلا لأسباب تبدو لهم وجيهة، على الأقل في تلك اللحظة.
عندما يقرر شخص العودة إلى من انفصل عنه، يبرر ذلك غالبا بأن الغضب كان وراء الانفصال، لكن في الحقيقة هناك دراسات كثيرة تشير إلى أن الفترة اللاحقة للانفصال تعد بالنسبة للمنفصلين بمثابة الفخ المنصوب لمشاعرهم وثقتهم بأنفسهم، وتشبه إلى حد كبير فترة الإقلاع عن الإدمان، مما يجعل الكثيرين يقررون العودة إلى شريكهم ليس حبا فيه بل خوفا من المجهول الذي ينتظرهم.
ورغم أن عادات وثقافات الكثير من الشعوب تهلل لهذه العودة وتباركها وهناك أمثلة كثيرة على ذلك في الثقافة العربية مثلا، إلا أن علم النفس لا يشجع على هذه الخطوة المرتدة إلى الخلف ويعتبرها انتكاسة مؤقتة.
أغلب الذين يقررون العودة إلى شريك سابق يفعلون ذلك إما لشعورهم بالوحدة أو الارتباك أو الفراغ أو الخوف من المستقبل المجهول، وجميعها لا تكفي لتبرير العودة، ولا تحمي الأطراف العائدة من الوقوع مجددا في أزمة الانفصال.
يشعر المنفصلون بالوحدة وبفراغ الكون من حولهم بعد فترة الانفصال، بالأخص أولئك الذين استمرت علاقتهم سنوات طويلة وتعودوا بموجبها على نمط معين من الحياة، ونسوا تماما كيف يكونون وحيدين. والحقيقة أن معضلة “كيف تكون وحيدا دون أن تشعر بالوحدة؟” هي أهم تحد يواجه المنفصلين. وعلى الشخص أن يتساءل في هذه الأثناء: ما الذي كان يقدمه لي شريكي ولا أستطيع أن أوفره لنفسي؟ قد تكون الإجابة على هذا السؤال أولى خطوات التعود.
من المؤكد أن الإنسان لا يستطيع أن يكون وحيدا طول الوقت لكن البقاء مع شخص لمجرد عدم الشعور بالوحدة لا يعد سببا رئيسيا وكافيا لاستمرار العلاقات. الصحيح أن لا يشعر المرء بالوحدة حتى وهو وحيد. يحتاج هذا الأمر إلى الكثير من التعود والتدريب والحركة أيضا، وأولى هذه الخطوات أن يتعلم الإنسان أن يكون صديق نفسه بالدرجة الأولى ويوفر لها ما تحتاجه من اهتمام وتقدير وتوازن، فإذا كان ما نحتاجه من الشريك هو الحب والتقدير والاهتمام والرعاية فهي وإن كانت ركيزة أساسية في كل علاقة إلا أن توفيرها للنفس أولوية.
يقودنا هذا إلى الحديث عن مفهوم السعادة، هل نترك سعادتنا بيد الآخرين أم نتحكم فيها بأنفسنا؟ إذا كان ما يجعلنا سعداء هو وجود من يقدم لنا الحب ويشعرنا بقيمتنا فإن اختفاء هذا الشخص يعني اختفاء السعادة من حياتنا، وهو ما يجعلنا ضعفاء وهشين. الأفضل أن نتحكم في سعادتنا بأنفسنا وأن نفعل من أجلنا ما يجعلنا سعداء دون اعتماد في ذلك على الطرف الآخر.
والسؤال الآن لماذا نحتاج الآخر إذا كنا سنوفر كل شيء لأنفسنا؟ وطبعا تكمن الإجابة في حاجتنا إلى التعايش داخل المجموعة أولا من أجل الاستمرار، والحاجة إلى التشارك ثانيا.
يرغب الإنسان في تقاسم لحظات سعادته وفرحه وحزنه مع شخص ما، ليس بوصفه فاعلا فيها، وإنما بوصفه شريكا، أن يكون هناك شاهد يذكرنا دائما بأننا عشنا.
الدراسة المذكورة سابقا تحذر من العودة إلى الشريك في هذه الفترة الهشة وترى أن مجرد التفكير في الانفصال له ما يبرره وأن بذرة الانفصال ستظل موجودة طالما زرعت في أفكار ونوايا أصحابها، وتبقى المسألة مسألة وقت ليس أكثر.
العرب الدولية