مكامير الفحم.. صناعة تهدد كوكبنا
القاهرة – أحمد سبع الليل –
مستقبل غامض ينتظر صناعة وإنتاج الفحم في مصر او ما يعرف بمكامير الفحم، فحسب إحصائية لجهاز شؤون البيئة عام 2018، اعتمدت على حصر من وزارة التنمية المحلية، قالت إن المكامير التي جرى حصرها تصل إلى نحو 1600 مكمورة موزعة على محافظات مصر المختلفة، وتذهب التقديرات الفعلية إلى أن عدد المكامير على مستوى الجمهورية يتخطى الـ 5000 مكمورة، ويتركز معظمها في محافظات الدلتا، وفي مقدمتها القليوبية والغربية والمنوفية والشرقية”.
وما بين محاربة الدولة للمكامير غير المرخصة نظرا لأضرارها الجسيمة على الإنسان والبيئة، وبين اتجاه التجار لمزيد من الاستثمار في صناعة الفحم وتصديرها من أجل كسب المال وإدخال عملة صعبة بالدولار، تقف صناعة الفحم محليًا عاجزة، عن المضي قدُما نحو صناعة عالمية، بسبب عمل التجار في هذه الصناعة بشكل متخفي بسبب مطاردة وغلق الحكومة للعديد من المكامير بسبب تلوثها للبيئة وقربها من المناطق السكانية.
مشروعًا قوميًا مربحًا لكنه أرهق الجهات المسئولة في مصر
رغم أن عائد التصدير والاستخدام من إنتاج الفحم كبير للغاية، لكن صناعة الفحم في مصر تعد من أكثر الأزمات التي تؤرق الجهات الحكومية المسئولة، إذ يتراوح العائد من تصدير الفحم للخارج بين 100 مليون دولار، بما يعادل 730 مليون جنيه شهريا، ما يجعل المكامير مشروعًا قوميًا مهمًا يستدعى إعادة توطين وتطوير هذه الصناعة وعرض نماذج مطورة منها لتقييمها، واختيار الأقل ضررًا للحد من مخاطرها مع ضرورة دراسة الأحمال البيئية الناتجة عنها.
وشكلت مكامير الفحم بمحافظات مصر، مشكلات عدة متعلقة بالصحة والزراعة؛ فهي تعمل بطرق غير شرعية ومؤذية للعاملين بها والقاطنين حولها، ومع ذلك؛ لا غنى عنها في الحياة العملية، فالفحم النباتي يستعمل في الحرق المباشر للحصول على الطاقة من أجل إنتاج العديد من الصناعات الحيوية مثل الأسمنت والطوب وغيرها الكثير، كما يتم تصديره إلى عدة دول لجلب العملة الصعبة.
الغلق والتقنين والاستثمار المستدام.. وماذا بعد؟
وتسعي الدولة من أجل الحفاظ علي البيئة لمقاومة العديد من مكامير الفحم غير المرخصة او التي تسبب مشاكل بيئية كبيرة، فعدد كبير من تلك المكامير لا يلتزم بالاشتراطات البيئية السليمة، ومطلع 2019 أعلنت الحكومة المصرية تبنيها لفكرة الاستثمار الأخضر والذي من خلاله يتم تطوير آلية تمويلية عبر بروتوكول تعاون بين وزارة البيئة، ووزارة التنمية المحلية، وجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، بإتاحة قروض ميسرة لمساعدة أصحاب المكامير في أعمال التطوير وإنشاء مكامير متطورة “صديقة للبيئة”، لافتة إلى تقديم التمويل لـ 16 مستثمراً بإجمالى 549 ألف جنيه.
من جانبه وافق محافظ كفر الشيخ على تطوير 18 مكمورة للفحم النباتي، وتحويلها إلى مكامير مطورة طبقًا للاشتراطات البيئية، وذلك بالتعاون مع وزارة البيئة، فضلًا عن إزالة 4 مكامير فحم مخالفة بقرية الفقهاء القبلية بسيدى سالم، لافتًا أنه تم حصر جميع المكامير المخالفة على مستوى المحافظة، وتحرير محاضر بتلك المخالفات ضد أصحابها، موضحا أن الحملة مستمرة لإزالة مكامير الفحم المخالفة، وذلك حفاظا على البيئة والصحة العامة للمواطنين وتفعيلا للقانون، كما أكدت الدكتورة ندى عاشور مدير إدارة البيئة بمحافظة المنيا، أن المحافظة بها عدد كبير من مكامير الفحم يصل إلى 48 مكمورة على مستوى مراكز المحافظة وتم غلق كل المكامير الموجودة بمركز مطاي؛ كما أصدر اللواء محمد كمال الدالي، محافظ الجيزة، قرارًا بحظر تشغيل مكامير الفحم والفواخير نهائيًا، بنطاق المحافظة لمدة 3 أشهر، تبدأ من سبتمبر المقبل حتى نهاية نوفمبر 2018، وغلق المسابك التي تعمل بأفران الفحم أو السولار أو المازوت من الخامسة مساءً حتى السابعة صباحًا، عدا التي تعمل بالغاز الطبيعي أو الحث الكهربائي، من أجل حماية البيئة من التلوث.
المكامير السوداء.. دخان قاتل
وتشير التقارير إلى أن نسبة 17% تقريبًا من الوفيات الناجمة سنويًّا عن سرطان الرئة بين صفوف البالغين في مرحلة مبكرة، ترجع إلى التعرُّض لمواد مسرطنة موجودة في الهواء الملوّث داخل المنزل بسبب الطهي باستخدام أنواع الوقود الصلب.
من جانبه قال المهندس محمد صلاح، الرئيس التنفيذي لجهاز شئون البيئة، أنَّ زيادة أعداد مكامير الفحم، ترجع لعدم ضم العديد منها تحت منظومة الاقتصاد الرسمي للدولة، فضلًا عن أنَّ البعض يعمل دون ترخيص وبالمخالفة لنص القانون 4 لسنة 1994 بشأن حماية البيئة، والتي تسبب تأثيرات على الصحة العالمية والبيئة.
يضيف رئيس جهاز شؤون البيئة، أن أكاسيد الكبريت التي تنبعث من المكامير تضر بالحياة النباتية والحيوانية، وتتسبب في ظاهرة التحمض التي تؤدي إلى تآكل المعادن والأحجار، أما غاز ثاني أكسيد الكربون فهو المسؤول عن الاحتباس الحراري، كما أن نشاط المكامير ينتج عنه القطران والدخان الأسود، مما يؤثر سلبًا على الكائنات الحية والهواء والمجاري المائية الملاصقة لتلك المكامير، أيضًا أزمات صحية للمجاورين لهذه المكامير السوداء.
أين الحل؟
يقول الدكتور مجدي علام، الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب: “إن هناك عدة طرق للتخلُّص من أضرار مكامير الفحم، مثل نقلها من مكانها كما حدث مع صناعة الفواخير، ومثلما حدث في مناطق شق التعبان والروبيكي وغيرها من المناطق التي كانت تعتمد على صناعات تضر بالبيئة وتم نقلها خارج الكتلة السكنية، كما أن “الحل الثاني يتمثل فيما تفعله وزارة البيئة حاليًّا؛ إذ يتم تطوير أفران ونماذج لما يُعرف بـ”مكامير الفحم الآمنة بيئيًّا”، مضيفًا أن “اتحاد خبراء البيئة العرب اقترح على وزارة الإنتاج الحربي المصرية استيراد النموذج البولندي لأفران الفحم وبيعه لأصحاب المكامير؛ لأنه من أكثر النماذج الناجحة بيئيًّا، خاصة أن بولندا من أكثر الدول الأوروبية إنتاجًا للفحم”.
وجه آخر
ويقول الدكتور حسين أباظة كبير مستشاري وزارة البيئة، أن تطبيق المعايير البيئية الصارمة على استخدام الفحم في مصر ضرورة ملحة للغاية، لأن مصر ضمن الدول التي تتأثر تأثيرا مباشر بالتغيرات المناخية وتحيط بها مخاطر المناخ من كل اتجاه مثل توقعات غرق الدلتا، ونحن أولى بالحفاظ على البيئة، وهذا توجه واضح للدولة في الوقت الحالي.
وأضاف “أباظة”، أن الفحم النظيف خيال وليس حقيقة وهي مجرد تكنولوجي حديثة ظهرت بالخارج وكي تصل إلى مصر بهذه المنهجية التي نراها ستأخذ وقتًا طويلا، ومصر لا يوجد بها فحم نظيف، لكن نملك معايير بيئية صارمة ونعمل على تطبيقها بحيث لا توجد استخدامات سلبية نتيجة استخدام الفحم، والاقتصاديات هي من تفرض نفسها، لأن صناعة الفحم وإنتاجه رخيصة لكن الآثار السلبية الواقعة على صحة المواطنين والبيئة تكلف الدولة كثيرا.
وتابع “أباظة”، بعد تعويم الجنيه في مصر اكتشف عدد من أصحاب مصانع الأسمنت أن تكلفة الفحم واستخدامه لحرق الطاقة أصبحت مكلفة فاتجهت تلك المصانع إلى إنتاج الطاقة من المخالفات بدلا من الفحم، وهذا يشير إلى أن التحول الاقتصادي يتبعه تحول في سياسات واقتصاديات البيئة بمردود إيجابي علي حياة السكان والبيئة والدولة بشكل عام، ولا شك أن الدولة المصرية تعمل بكل جهد على خفض الغازات المنبعثة حفاظاً على مواطنيها وسكانها وبيئتها المهددة بسبب التغيرات المناخية.
وأردف كبير مستشاري وزارة البيئة، أنه للحد من استخدام الفحم في مصر لابد من منع الإستخدام من المنبع إلي أن يتم التوقف عن طلبه الذي يزيد من إنتاجه بالأسواق، ولو سألنا أنفسنا فيما يستخدم الفحم في مصر؟ لوجدنا إجابات لأفعال مضرة يتم فيها استخدام الفحم، مثل استخدامه في المقاهي والشيشه وهذا يتطلب حملة للتوعية بمخاطر التدخين، كما أن وزارة البيئة تعمل علي مراقبة هذه المكامير وتقنين وضعها لتتوافق مع الاشتراطات البيئية اللازمة، والحديث حول إنتاج الكهرباء من الفحم وجدواه الاقتصادية من الناحية المالية فقط، أمر خاطي للغاية ولابد وان تشمل الجدوى علي عدة محاور مثل البعد الاجتماعي وتوفير فرص العمل والبعد الصحي وعدم إلحاق الضرر بصحة المواطن، والبعد البيئي وعدم إحداث مشاكل بيئية جسيمة حال تنفيذ المشروع، إذن الحديث عن الجدوى للمشاريع لابد وأن تكون متكاملة ومستدامة وهذا لا ينطبق علي مشاريع صناعة الفحم بكافة أشكاله ولا بديل عن التوقف عن استخدام الفحم من أجل كوكبنا.