لبنان: قدّاس شهداء “القوات”: جنازة علنية لتفاهم معراب
النشرة الدولية –
لا شكّ أنّ خطاب رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، عقب القداس السنوي لشهداء الحزب، جاء ليثلج قلوب المحازبين والمناصرين الذين سئموا تصرّفات وأداء رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. لكنهم أيضًا سئموا مهادنة القوات للتيار وإعطاءها له الفرصة تلو الأخرى تنتهي جميعها بنقطة (أو أكثر) تسجّل للتيار مقابل صفر للقوات. لكن تراكم الخيبات هذه التي أصيبت بها القوات اللبنانية جرّاء تفاهم معراب، وجرّاء مراهنتها في كلّ مرّة على أنّ هذه المرّة سوف تكون النتيجة مختلفة، أدّى إلى تصعيد في خطاب رئيس الحزب الذي لم يسلم منه أيّ من أركان “العهد القوي”.
التذكير ببشير
هي ليست المرّة الأولى التي يوجّه فيها جعجع سهامه مستهدفاً التيار الوطني الحرّ و”العهد” بشكل أشمل، لكنّ الملفت في الكلمة التي ألقاها مساء الأحد الأول من أيلول في معراب أنه لم يحيّد الرئيس ميشال عون عنها. ففي السابق، كان جعجع يتعامل مع التيار الوطني الحرّ ورئيسه من جهة والعهد ورئيسه من جهة أخرى، على أنّهما جسمين مختلفَين. أمّا في الأول من أيلول، وفي عدّة محطات من خطابه الطويل، طالت سهامه الرئيس ميشال عون، الذي لم يكن له ممثل في الحفل على غرار الرئيسين برّي والحريري.
وعلى قاعدة أنّ الأشياء بأضدادها تُعرف، اعتبر جعجع أنّ عهد الرئيس عون الذي يدخل سنته الرابعة قريبا، والذي كان يراد منه أن يكون “عهد استعادة الدولة من الدويلة، عهد بحبوحة وازدهار، لم يكن حتى اليوم على قدر كل هذه الآمال”. أمّا الرئيس بشير الجميّل الذي “أمضى عشرين يوما ويوما فقط كرئيس منتخب فقط، ومنذ سبعة وثلاثين عاما، فما زال اللبنانيون حتى اليوم يترحمون على عهده”.
والملفت أيضا في كلمة جعجع أنّه كان في السابق يواظب على التعبير عن تمسّك حزبه بتفاهم معراب ولو جاء هذا التعبير وسط كيل من التهم بالتخاذل والتنصل من الاتفاق، الموجّهة من قبله إلى الطرف الآخر، أي إلى التيار الوطني الحرّ. لكنه، وعقب ذكرى شهداء الحزب تحت شعار “ما راحوا”، أعلن عن تمسّك حزبه بالمصالحة التاريخية بين الحزبين. فهل يقابل هذا الإعلان بالتمسك بالمصالحة إعلان موت تفاهم معراب بشقّه السياسي؟
موت التفاهم
يقول مصدر قوّاتي لـ”المدن” أنّ “إعلان موت تفاهم معراب لم يتمّ يوم الأحد، فالتفاهم كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة في الماضي وعلى مراحل عدّة. إذ إن القوات كانت قد أعطت في السابق فرصًا كثيرة ليظهر التيار فيها حسن النيّة، كان آخرها محاولة التفاهم حول تعيينات المجلس الدستوري. لكن على أثر من التصعيد في خطاب رئيس حزب القوّات، من المؤكد أنه لم يعد هناك من مجال للتفاهم ولم يعد هناك من فرص يعطيها الحزب للتيار”. ومع ذلك، يصرّ المصدر على أنّ جعجع أبقى في خطابه على نافذة واحدة مفتوحة على التفاهم عندما قال أنّه “ما زال يريد للعهد أن يكون عهد استعادة الدولة من الدويلة وعهد بحبوحة وازدهار”، إلا أنّ هذه النافذة الصغيرة ضيّقة جداً، بالكاد يعبرها نسيم واحد وسط كل السهام التي وجهها جعجع لعون وباسيل انطلاقا من معراب.
وفيما يمكن التماس نوع من اعتراف ضمني من قبل جعجع أنّ تفاهم معراب كان بمثابة خطأ، أو خطيئة كما سمّاه المعارضين له، من صفوف القوات ومن خارجها، يشدّد المصدر على أنّ التفاهم لم يكن خطأ أبدا وأنّ القوات كانت لتعيد إبرامه مع التيار الوطني الحرّ مرّة ثانية لو عاد بها الزمن إلى الوراء. ويشرح المصدر أنّ “القّوات اللبنانية سعت أولاً من خلال هذه التفاهم إلى وضع حدّ للفراغ الرئاسي من خلال دعم ترشيح الرئيس عون وإيصاله إلى سدّة الرئاسة، ولم يكن هذا الدعم اعتباطيا بل كان مبنيا على قواعد معيّنة للتفاهم لم يحترمها الطرف الآخر”. لكن الأهم من وضع حدّ للفراغ كان احترام القوات لإرادة الرأي العام آنذاك، الذي كان يريد لساكن بعبدا أن يكون رئيسا قويا يتمتع بتمثيل مسيحي كبير. ويضيف المصدر في هذا السياق: “ألم يرد المسيحيون رئيسا قويا؟ تفضلّوا. هذا هو الرئيس القوي”. ويضيف المصدر: “لو لم تدعم القوات وصول الرئيس عون إلى سدة الرئاسة لكان هناك اليوم من يتهمها بأنها عرقلت انتخاب رئيس قوي يكون بمثابة فرصة انقاذية للمسيحيين ويشكل فرصة بناء الدولة”.
هيبة الرئاسة.. والطوفان
على الرغم من كل ذلك، يقوم المصدر القواتي بنوع من إعادة قراءة تفاهم معراب ليخرج منها بمكسبين أساسيين حققهما التفاهم، وهما: القانون الانتخابي التي أجريت الانتخابات النيابية الماضية على أساسه، واستعادة بعض من هيبة موقع الرئاسة الأولى. وإذا كانت القوات اللبنانية تعترف بهذا “الإنجاز” للرئيس عون وللتفاهم، إلا أنّها تعتبر أن هذه الهيبة لم تُستعمل لاستعادة السيادة اللبنانية، بل لمصالح شخصية وحزبية ضيّقة. فالتيار الوطني الحرّ لم يحترم الاتفاق المتعلّق بسلاح حزب الله، وهو، باختصار شديد، فضّل تفاهم مار مخايل على تفاهم معراب.
وعن توقعات المعارضين لهذا التفاهم من الأساس الذين حذّروا من تملّص التيار الوطني الحرّ من التفاهم، يقول المصدر أنّ “سمير جعجع “خبير عوني” يعرف الرئيس ميشال عون خير معرفة ويعرف ماذا يتوقع منه لكنه عوّل على أنّ الرئيس عون سوف يعمل لبناء الدولة وللشراكة الحقيقية ما إن يخرج من إطار المنافسة”. لكن رهان جعجع، كما جاء في خطابه، كان رهانًا خاسرًا إذ أقرّ أن “ما كل ما يتمنى المرء يدركه” وأنّه “تم الانقضاض على اتفاق معراب والتنكر له والتنصل من موجباته، وكأن الطرف الآخر اراده لمجرد الوصول إلى الرئاسة، ومن بعدها فليكن الطوفان”.
بعد خطاب الأول من أيلول ليس إذا كما قبله، أقلّه في الشكل. لم يعد هناك من حاجة لتدوير الزوايا عند انتقاد القوات اللبنانية لأداء التيار الوطني الحر، تماما كما لم يعد هناك من حاجة للتفرقة بين الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل عند تناول “العهد القوي”. أمّا في الترجمة الفعلية لهذا الخطاب، فيعتبر المصدر أنّ هذا الخطاب ليس جديدا ولا مستجدا، وأنّ القوات كانت ولا تزال تعارض عندما يقتضي الأمر معارضة، لكن معارضتها هذه سوف تصبح أكثر شراسة وأكثر وضوحا. ويختم المصدر: “لطالما كنّا نعالج الأمور وفق كلّ ملف على حدة، ولن نذهب اليوم أو غداً إلى مواجهة عمياء ضد العهد”.
موقع المدن اللبناني