هجمات سبتمبر… اللبناني زياد الجراح لغز الرحلة رقم 93* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
صباح الثلاثاء 11 سبتمبر (أيلول) 2001، انحرفت ثلاث طائرات مدنية فجأة عن مسارها الطبيعي لتصطدم اثنتان منها ببرجي التجارة العالمي. وبعد دقائق معدودة، حاولت الطائرة الثالثة الاصطدام بمبنى البنتاغون. في هذا الوقت، كانت تتواتر المعلومات عن وجود طائرات أخرى في الجو في طريقها للاصطدام بأبنية محددة ومهمة في الولايات المتحدة، ومن ثم تلاحقت المعلومات من أبراج المراقبة لتبلغ عن اضطراب داخل رحلة “يونايتد إيرلاينز رقم 93” المتجهة من مطار “نيوارك الدولي” في نيوجيرسي إلى مطار سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا.
البحث عن زياد الجراح
“خطف أربعة أعضاء من تنظيم القاعدة الرحلة رقم 93، وحاول بعض الركاب استعادة السيطرة على الطائرة، لكنها سقطت وتحطمت في بنسلفانيا قرب شانكسفيل، ما أسفر عن مقتل 44 شخصاً كانوا على متنها بما فيهم الخاطفين الأربعة”. وكشفت تحليلات لاحقة لتسجيلات الطائرة كيف أن محاولة المسافرين الهجوم على الخاطفين منعت الطائرة من الوصول إلى الهدف المنشود. ومن بين الطائرات الأربع التي خُطفت يومها، كانت الرحلة رقم 93 هي الوحيدة التي لم يصل بها الخاطفون إلى هدفهم. هذه المعلومات الرسمية التي صدرت عقب الأحداث، نشرتها في حينها صحيفة “نيويورك تايمز” بتاريخ 18 سبتمبر 2001.
خاطف الطائرة، ودائماً وفق المعلومات التي كشف عنها تقرير لجنة التحقيق في هجمات 9/11، كان اللبناني زياد جراح. وكان يُفترض بالطائرة أن تصطدم بمبنى الكابيتول أو البيت الأبيض، كرابع عملية مخطط لها من عمليات اختطاف الطائرات الأربع.
وأفاد تقرير اللجنة بأن ركاب الرحلة حاولوا عرقلة الخاطفين، وذلك عند الساعة 9.57 صباحاً بالتوقيت المحلي، أي بعد 30 دقيقة من نجاح الخاطفين الأربعة في السيطرة على البوينغ 757، التي كانت محمّلة بحوالى 11 ألف طن من وقود الطائرات. وعندما حاول الركاب اقتحام كابينة القيادة، عمد الخاطف زياد الجراح إلى تحريك الطائرة يميناً ويساراً في محاولة لإفقاد الركاب توازنهم. ثم طلب من أحد معاونيه إغلاق باب.
ووفق تقرير اللجنة، بدأ الجراح بتغيير تكتيكه الساعة 9.59 صباحاً بالتوقيت المحلي، فصار يحرّك الطائرة إلى الأعلى والأسفل. وتوقف عن ذلك الساعة 10.00.03. وبعد خمس ثوان، سأل الجراح أحد معاونيه: هل هذا كل شيء؟ هل سنحطم الطائرة؟ فرد الآخر: لا، ليس بعد، عندما سيقتحمون كابينة القيادة، سنحطم الطائرة.
وبعد ذلك، استأنف الجراح تحريك الطائرة إلى الأعلى والأسفل، حين سمع أحد الركاب يقول في الكابينة، إذا لم نفعل (نقتحمها)، سنموت. وبعد 16 ثانية، صرخ أحد الركاب، قائلاً لنتحرك. وكان الجراح قد توقف عن مناوراته العنيفة بالطائرة الساعة 10.01 صباحاً، وقال الله أكبر، الله أكبر. وسأل جراح خاطفاً آخر هل سنسقط الطائرة؟ فرد الأخير “أسقطها”. في هذه الأثناء، كان الركاب يواصلون الهجوم على باب كابينة القيادة، في محاولة لتحطيمه. وحوالى الساعة 10.02.23، صرخ خاطف أسقطها، أسقطها. واستنتج تقرير لجنة 9/11 أن خاطفي الطائرة كانوا يسيطرون عليها، لكنّ الركاب كانوا على بعد ثوان من التغلب عليهم.
وعندما بدأت الطائرة بالسقوط، أدار خاطف عجلة القيادة بعنف إلى اليمين، فانقلبت الطائرة في الجو، وصرخ أحد الخاطفين الله أكبر، الله أكبر. وبالفعل، تحطمت الطائرة في حقل خال في بنسلفانيا، بعد طيران استمر 20 دقيقة من العاصمة واشنطن.
“اندبندنت عربية” زارت بلدة المرج البقاعية، التي نشأ وترعرع فيها الجراح.
كل شيء هادئ في تلك المنطقة في قلب السهل. أهلها مرحبون ودودون. لكن لا أحد يريد أن يتذكر تلك الأيام مع ما حملته من أخبار وضعت بلدتهم في قلب حدث إعلامي مرتبط بالإرهاب.
“اندبندنت عربية” تواصلت مع رئيس البلدية المرج منور الجراح، وعلى الرغم من كل الترحيب الذي أبداه، إلا أنه تساءل لماذا طرح الموضوع في الإعلام مجدداً، وكان حازماً بأنه لا يريد أن يُدلي بأي تصريح، ولا أن يستذكر تلك الأيام. وعند سؤاله عن عائلة زياد الجراح القريبة، قال إن “أمه تعيش في العاصمة بيروت مع ابنتها، وأباه فارق الحياة منذ سنوات”.
مواطن من البلدة رافق “اندبندنت عربية” في جولتها، وتمنى عدم ذكر اسمه، قال إن “أهل زياد لم يقيموا له عزاءً أصلاً، ولا وجود لقبر له في البلدة، لأنه وبحسب الدين الإسلامي قتل النفس معصية”.
أضاف أنه “إلى الآن، لا تزال أحداث 11 سبتمبر غير مفهومة وغامضة، ومَن الذي يؤكد أن زياد هو من اختطف الطائرة ولم يكن مجرد راكباً عادياً. إلى الآن، لا نصدق الروايات التي تحدثت عن هذا الشاب الذي كان يبشر بمستقبل واعد. قد تكون العملية بأكملها كذبة كبيرة”. وتابع “هناك 600 شابة وشاب من البلدة حاصلين على إجازات تعليمية في مختلف المجالات. كما أن زياد كان شاباً ذكياً وتخصص في هندسة الطيران وكان يدرس في ألمانيا. هذه البلدة مشهورة بالتعايش وبُعدها عن التطرف”.
في تلك الفترة، نُقل عن صديقته التركية أسيل سنغوين قولها إنها “لاحظت بعد سنوات من العلاقة بينهما أن زياد الذي كان منفتحاً وتوجهاته غربية، بدأ يعتنق مبادئ أصولية، خصوصاً منذ التحاقه بجامعة هامبورغ التقنية عام 1998 لدراسة هندسة الطائرات”.
وأضافت أنه “منذ أن تعرف صديقها على مجموعة عطا، بدأت علاقتهما تواجه مصاعب، فأخذ يطالبها بالتحجب”، موضحةً أن “التغيير الجوهري، أخافني”. وقالت إنها لاحظت تعرضه “لأزمة حياتية” في صيف 1999 واختفاءه لفترة غير قصيرة بعدما أخبرها أنه سيسافر إلى لبنان. إلا أنه عندما عاد بعد أربعة أشهر، أخبرها أنه كان في باكستان. وعندما سألته عمّا فعله هناك، أجاب “من الأفضل ألا تعرفي”. وكشفت للمرة الأولى أنهما كانا يخططان للزواج وإنجاب أطفال بعد عودته من الولايات المتحدة، حيث كان ينوي دراسة قيادة الطائرات.
لكن هذه المعلومات فُنّدت من قبل أحد أقرباء الجراح (عمه)، وهو الوزير الحالي جمال الجراح، الذي كان قد أعطى مقابلة لصحيفة “الشرق الأوسط” في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، قال فيها “إن الاتصال الوحيد الذي وُفّقنا في إجرائه معها (أي أسيل) كان بعد أيام على وقوع أحداث واشنطن ونيويورك، فأعلمتنا أن الشرطة الألمانية لا تفارقها وأكدت لنا عدم معرفة زياد بمحمد عطا أو غيره، ممن وردت أسماؤهم بين المتهمين بعمليات 11 سبتمبر، معربةً عن قناعتها التامة بأن “حبيبها” زياد لا يمكن أن يُقدم على مثل هذه الأعمال”.
كما أطلع حينها الصحيفة على رسالة كان تسلّمها من السيدة الألمانية روزماري كانل، مالكة الشقة التي يقطن فيها زياد في هامبورغ. وجاء في الرسالة التي كُتبت بلغة إنجليزية ركيكة، حسب المقابلة، “عزيزي جمال… ابنكم كان يعيش معنا في هامبورغ وكنا نحبه ولا أعتقد أبداً أنه يمكن أن يُقدم على أمر مماثل. وأنا أرى مثلكم أن زياد راكب عادي في الطائرة. اعذروني على سوء كتابتي بالإنجليزية. لكم خالص تمنياتي، روزماري كانل”.
من هنا، علّق المواطن من المرج “زياد نشأ في بيروت، وهو من عائلة ميسورة متدينة غير متطرفة أو متزمتة، لذا لم يصدق أحد أن يُزجَّ اسمه بأحداث أيلول 2001 الإرهابية. ومات والده وهو في حالة نكران بأن يكون زياد قد أقدم على عمل مماثل”.
أرشيف الحادثة
محاولة التنقيب في أرشيف حادثة 9/11 تكشف معلومات قد تكون مهمة، لكنها غير مفهومة. فمثلاً، تقرير المجلس الوطني لسلامة النقل الأميركي The National Transportation Safety Board (NTSB) يختلف عن التقرير الصادر عن لجنة التحقيق بحادثة 9/11، وذلك بحسب أرشيف الأمن القومي الأميركي الصادر في 11 أغسطس (آب) 2006. كما أن حوادث جرت على متن الطائرة لا تزال حتى اليوم تشكّل معضلة. فالمقالات الأميركية، كمقال مجلة “نيوزويك” والتقرير الخاص بالأحداث أكدا حصول اتصالات من على متن الطائرة، أجراها ركاب مع ذويهم. وبناء على ذلك، اتُّخذ قرار المواجهة مع الخاطفين، لكن استخدام الهواتف النقالة يشير إلى خلل ما، حدث على متن الطائرة المختطفة من قبل زياد الجراح ومجموعته. فمن المفترض أن أول إجراء يجب اتخاذه من قبل الخاطفين، هو تعطيل عملية الاتصالات، والسيطرة على الركاب، ومنعهم من الحركة وإجراء الاتصالات. لكن ما حدث أن كثيرين منهم أجروا اتصالات بذويهم، وشرحوا لهم ما يحصل على متن الطائرة.
قال والد زياد في مقابلة سابقة مع صحيفة “الوسط” البحرينية نُشرت في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، “إنه شاب ويريد أن يعيش حياته، إنه مثقف وقارئ جيد. كان في الكشافة وفي حركة الشباب ضد المخدرات. اعتاد الذهاب إلى النزهات مع أصدقائه، ويمارس السباحة والملاكمة. وليست لديه عقد. وقع في حب فتاة وكان يريد الزواج منها”.
هذا التناقض في المعلومات الخاصة بحادثة 9/11، سيبقى لغزاً غير قابل للفهم، طالما أنه لم يتبقَّ أحد من ركاب الرحلة 93 ليخبر الحقيقة كما حصلت يومها.
نقلاً عن اندبندنت عربية