حزن الرجال* لمياء المقدم
النشرة الدولية –
لا يحزن الرجال كما تحزن النساء، لكن حزن الرجال مرير. في حديث مع صديقة لي منذ أيام أخبرتني أن علاقتها مع الرجل الذي تحبه انتهت، وأنها ترقد منذ ساعتها في غرفة مظلمة، لا يفتح بابها إلا لتمتد يد مترددة من خلفه بالأكل أو الشراب، وأنها لا تكاد ترفع رأسها عن الوسادة ولا تطيق أن تسمع صوتا أو ترى أحدا، وفي غمرة حزنها وانكسارها فتحت الفيسبوك على صفحة صديقها لتجده ناشرا صورة ضاحكة مع عبارة صغيرة تحتها “كل يوم جديد هو حياة جديدة”.
تقول صديقتي إنها لم تفهم. هل فاته أن يحزن على نهاية علاقة استمرت سنوات أم دفن الحزن داخله حتى لا يقال عنه إنه ضعيف أم هو فعلا بهذه القوة التي تجعله يمر ويتجاوز الأزمات في زمن قياسي؟
ذكرتني قصة هذه الصديقة بحادثة مشابهة وقعت لإحدى بنات العائلة منذ وقت ليس ببعيد، حيث اكتشفت بعد أسابيع قليلة من طلاقها من زوجها الذي أحبته وأحبها لسنوات، أنه يسعى للدخول في علاقة جديدة، في الوقت الذي كانت هي فيه تعاني من أزمات وانتكاسات نفسية وصحية استوجبت نقلها إلى المستشفى عدة مرات.
أتذكر كلامها جيدا “ذهبت لشراء بعض الأغراض من السوق لأجده جالسا في مقهى مع فتاة صغيرة في عمر واحدة من بناته، وكان يبدو سعيدا ضاحكا كما لو أنه لم يطلق امرأة أحبها أعواما منذ زمن قصير”.
نحن النساء لا نفهم قدرة الرجال على طي الصفحات بهذه السهولة ونتألم لذلك. هل ينسى الرجال بسرعة؟ هل يتناسون أم لديهم قدرة أكبر على التعامل مع الحزن وتصريفه؟
يختلف حزن الرجل عن حزن المرأة ولكنه لا يقل ثقلا عنه وقد يزيد عليه، غير أن للرجال طريقة مختلفة في التعامل مع ما يشعرون به، ففي الوقت الذي تترك المرأة العنان والوقت لمشاعرها لتظهر وتخرج إلى العلن غير عابئة برأي الآخرين أو تعليقاتهم، يخشى الرجل أن يضع نفسه في موضع كهذا، ويحاول أن يتفادى كل ما من شأنه أن يظهره ضعيفا أو يائسا.
للرجال طريقة مختلفة في التعامل مع ما يشعرون به، ففي الوقت الذي تترك المرأة العنان والوقت لمشاعرها لتظهر وتخرج إلى العلن غير عابئة برأي الآخرين أو تعليقاتهم، يخشى الرجل أن يضع نفسه في موضع كهذا
حزن الرجال حقيقي، قوي ومدمر أحيانا، لكنه حزن دفين والوصول إليه ليس سهلا. ولهذا فانتقال الرجل السريع إلى امرأة أخرى أو حياة أخرى ليس سوى محاولة للهرب من حزنه بدفن رأسه في أقرب رمال يجدها.
فالرجل غالبا لا يقوى على تحمل المشاعر القوية داخله لأنه لا يعرف طريقة لتصريفها. كما أن الضغط الاجتماعي والموروث الثقيل المتبقي من العهد البطريركي، يجعلان شحنة المشاعر داخله مثل السرطان الذي يأكله في صمت.
وعلى عكس ما نعتقده نحن النساء من أن الرجال قادرون على تجاوزنا بسرعة، إلا أن ردة الفعل السريعة هذه لا تدل إلا على شيء واحد، وهو العجز عن تحمل الحزن والهرب منه بأي وسيلة: بالسفر، بالشرب، بالنوم، بالسهر، أو بالنساء.
يهرب الرجال من مشاعرهم ومن حزنهم ومن إحباطهم إلى الأمام، معتقدين أنها الطريقة المثلى لتجاوز الأزمات.
المرأة على عكس ذلك تقف طويلا أمام مشاعرها، تتشربها وتحاورها، ثم في النهاية تصرفها في وقتها ومكانها.
طريقتان مختلفتان ونتائجهما ليست واحدة أيضا، فالهرب السريع إلى الأمام لا يحل المشاكل ولا ينهي الحزن وإنما يدفنه ويحوله إلى وحش يأكلنا من الداخل، بينما التعامل العميق الهادئ مع الآلام يمنحها فرصة لتتلاشى تدريجيا حتى تنتهي تماما.
ليس صحيحا أن الرجال أقدر وأقوى على تجاوز الحزن والألم، هم فقط أقدر على إخفائها وطمسها.
يفعل الرجل ذلك لاعتقاده بأن أمورا أهم تنتظره، فهو الصياد الذي يخرج إلى الغابة ليقتل الحيوانات ويعود بالعشاء، وعليه أن يستمر في ذلك حتى وهو حزين، حتى وهو يتألم، حتى وهو يبكي وهو يرى فريسته تسقط أمامه.