على وشك الوداع* صالح الشايجي

النشرة الدولية –

اطو ورقتك يا ولدي ودس قلمك في جيبك وانصرف.

لقد آذن سوق الكتابة على النهاية.

ها هي الراية السوداء ترتفع فوق أعلى منصة في السوق تحذر من الاقتراب.

انصرف فما عاد لوجودك جدوى وما عاد لقلمك سوق وما عادت حروفك تتلألأ في عين قارئها.

لقد انصرف السمار بعدما ملوا لغو الحديث والهذر الذي طال زمنه.

اسكب حبر محبرتك وجففها واملأها بدمعك وانصبها أمامك للذكرى.

ارنُ إلى تلك المحبرة المدمعة كل صباح وعشية وتذكر عقودا من سنين خلت كنت فيها فارسا على صهوة قلمك، تجوب وتلوب ولا كلل ولا ملل.

لم تهف أذناك إلى تصفيق الجماهير ولم يرقص جسدك على أنغام المديح ولم تكن لديك خزائن فارغة تنتظر ما يسد فراغها الموحش ولا ما يملأ بطنها الخاوي.

سرت سير الواثق من خطوه فلا اهتزاز ذات اليمين تارة وذات الشمال طورا.

زرعت في أراض كريمة خصبة فحصدت فوق ما زرعت وأكثر.

ورميت سهاما وسهاما بلغت مبتغاها وما حادت ولا ارتابت ولا هزتها ريح ولا ارتدت إلى نحرك.

كنت في ميدان الكتابة كما الفارس النبيل في ميدان الحرب، لا يهزأ بخصمه ولا يجور على ضعيف ولا يتشفى بعدوه المسفوح دمه.

كنت نبيلا وكانت حروفك كمثلك، نبيلة تتباهى بك بين أقرانها، وكانت كلما أمسكت بالقلم تأتيك زاهية تقول لك هيت لك، خذني باه بي ودعني أباه بك.

لا حال يدوم يا ولدي، فلقد غلقت الأبواب وأوصدت النوافذ وأطفئت نيران السامرين وخمدت فتائل سراجاتهم.

لقد تسللوا في عتمة الليل وتركوا المرابع التي غدت يبابا ووحشة وأطلالا دارسة بعدما كانت غناء بالأمس تسر الناظرين.

 

لا حال يدوم يا ولدي

فاطو ورقتك ودس قلمك في جيبك وانصرف.

زر الذهاب إلى الأعلى