غريتا.. المعركة من أجل مستقبل البيئة تحمي طفولتها والآخرين* رشا حلوة
النشرة الدولية –
لم تظهر الطفلة السويدية، ناشطة المناخ والبيئة، غريتا تونبرغ، فقط في الأيام الأخيرة عبر فضاءات السوشايل ميديا والإعلام، إلّا أنه ومنذ المظاهرات العالمية من أجل المناخ والتي جرت الأسبوع الماضي، وكذلك خطابها في الأمم المتحدة أمام رؤساء دول العالم عندما وبختهم، منح حضورها انتشاراً وقوة أكثر في العالم، وفي العالم العربي بالطبع.
وُلدت غريتا عام 2003، لأم مغنية أوبرا وأب ممثل سينمائي، وقد دخلت عالم النشاط من أجل المناخ “محض الصدفة”، فبمساعدة والديها، فازت غريتا بمسابقة كتابية حول موضوع المناخ كانت من تنظيم صحيفة سويدية، حيث اقترحت على الطلاب آنذاك التعبير عن مخاوفهم من التغير المناخي، وبعد أن فازت غريتا التقت بالناشط المناخي بو توران، والذي يبدو أن لقاؤها به قد غيّر حياتها فيما يتعلق بالنشاط البيئي، فمنذ ذلك الحين بدأت غريتا بسلسلة نشاطات أولى فردية، منها عدم الذهاب إلى المدرسة احتجاجاً على عدم التزام السويد باتفاقية باريس للمناخ التي تهدف إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
بداء بالخروج من المدرسة ومن ثم الاحتجاج أمام البرلمان السويدي إلى حشد زملائها من الطلاب حولها في سلسلة احتجاجات أسبوعية، برزت إعلامياً كما في فضاءات السوشايل ميديا تحت عنوان Friday_ForFuture#، ومن ثم إلى مظاهرات في العالم كلّه.
لماذا أحكي سيرة غريتا؟ لأنها تدعو إلى الانبهار، ليس فقط لما تفعله اليوم وكيف تؤثر على الجيل الجديد وجيلنا أيضاً، بل أيضاً الاحتضان الذي حظت به من قبل والديها أولاً والاهتمام الكبير، كل هذا يدعو إلى التقدير.
على مستوى شخصي، أتابع منذ فترة قضية التغير المناخي، أتابعها بقلق غير مبالغ به، أقرأ وأناقش مع الأصدقاء، وبنفس الوقت، لا تأخذ مساحة من النشاط الجدي في حياتي، لكن منذ أشهر تقريباً، بدأت أرى في شوارع برلين مظاهرات لطلاب مدارس رافعين شعارات وهتافات تُحاول التوعية بالمخاطر التي تهدد الأرض ومستقبلها، هذا الاحتمال الأكبر أن يعيشوه هم، لا نحن.
هنالك محاور عديدة بإمكاني الحديث عنها والمتعلقة بالتغير المناخي، والتي هي غير مفصولة عن سياسات الدول والاقتصاد العالمي، أي بالنسبة لي شخصياً، الحفاظ على البيئة منوط بشكل أساسي بسياسات وقوانين عادلة لكل الشعوب، لكن هذا موضوع آخر وأوسع، وأرغب هنا في التركيز بالأساس على نشاط الطلاب والمراهقين (وهذا تعريف للفئة العمرية)، أدواته، وتأثيره على طلاب من جيلهم في العالم.
هذا كله، مع الإدراك الكامل بأن هنالك ظروفا سياسية واجتماعية وحياتية مختلفة يعيشها أطفال العالم بين مكان وآخر. وأن هنالك ظروفا قاسية تعيشها فئة كبيرة من أطفال العالم سُرقت منهم طفولتهم، وبالتأكيد التفكير بأساسيات الحياة والخلاص اليومي، هي الأهم. وفي نفس الوقت، من المهم أن لا يقع الأطفال ضحية مقارنات هم غير مسؤولين عنها.
وبالعودة إلى غريتا تونبرغ، وإلى أهمية ما تفعله. يتابع غريتا اليوم ملايين الناس، تُلهم جيلاً من البنات والأولاد من عمرها، وهم بدورهم يلهمون الجيل الأكبر. شوارع العواصم الكبيرة التي امتلأت بالمتظاهرين والمتظاهرات قبل أيام، لم تكن لتفعل هذه الضجة لولا النشاط الطلابي والتوعية التي تُمرر لهم في المدارس المتعلقة بالمناخ والبيئة ومستقبلهم.
نعم هنالك قلق شرعي على طفولة غريتا نفسها، خاصة في ظل ما تتعرض له إعلامياً والرسالة التي تحملها وتعمل من أجلها، والتي تبدو لنا ثقيلة على أي طفل كان، ولربما هنالك قلق من أمور خارجة عن إرادتها وسيطرتها، لكن بين هذا القلق وبين الاستهتار بها وبغضبها وبخطابها العاطفي الصادق، هنالك فرق شاسع.
نحن نتحدث بداية عن طفلة مؤمنة بما تفعله، مؤمنة بالنشاط البيئي… التغير المناخي والبيئة هاجسها في هذه الحياة، هي قلقة على مستقبلها ومستقبل أبناء وبنات جيلها وعلى العالم، وتلعب دور القائدة بكل ذكاء وقوة وغضب شرعي، لماذا ينزعج منها البعض؟ هل البعض منزعج من مبدإ الإيمان بقضايا والعمل من أجلها؟
أم هو منزعج من قناعتها بقوة الناس في التأثير على صنّاع القرار وعلى سياسات دولهم؟ أم منزعج من إيمانها هي وجيلها بنجاعة المعركة على مستقبلهم؟ أم أن صورة الفتاة الغاضبة والقائدة تهز عروش الأبوية المريحة للبعض فتخيفهم؟
نعم، هنالك شرعية في النقاش حول “توريط” غريتا في قضايا أكبر منها، في قضايا يحكمها كبار منهم من لا يأبه إلا بمصيره ومصالحه الاقتصادية، كما أن هنالك مشروعية لطرح السؤال حول مدى “استغلال” طفولتها وعاطفتها لقضية كبيرة مثل التغير المناخي والبيئة.
شخصياً، تشغلني الفكرة، وأفكر عموماً في كل المراهقين والمراهقات والطلبة الناشطين من أجل البيئة، ومن جهة، أرى أنه على الرغم من تحفظاتي، لكنهم ينشطون من أجل هدف نبيل ومن أجل عالمٍ أفضل لنا جميعاً ومن أجل أطفالنا القادمين، وأن البيئة إن طابت، سيؤثر على كل مستويات الصحّة البشرية، النفسية والجسدية. لكن بنفس الوقت، ما يقلقني أكثر، أن يبقى العالم على ما هو عليه، وأن يزداد سوءاً على مستويات سياسية واجتماعية، وذلك لأنه على الرغم مما يفعله هؤلاء المراهقين من نشاط، هنالك من لا يفكر فيهم ويتحكم في مصير المستقبل… لكن، لنؤمن بأمل التغيير، كما يؤمنون به هم.
عن موقع مؤسسة DW.