الانتقال الطاقي في مصر واليمن فرص وتحديات

القاهرة – سحر محمد – أحمد سبع الليل –

التحول الجذري في سياسات الطاقة الحالية المعتمدة علي الوقود الاحفوري والمتبعة في معظم دول العالم ولاسيما الوطن العربي علي وجه الخصوص نحو مصادر طاقة متجددة ومتنوعة وصديقة للبيئة هو ما بات حاليا يعرف بالتحول الطاقي، وهو المفهوم الذي أطلق حديثًا كمجوعة من المقترحات والاطروحات العلمية بهدف إعادة النظر في ايجاد بديل للنفط وذلك بسبب ما احدثتة الغازات الدفيئة المصاحبة لانتاج الطاقة التقليدية من احترار عالمي وتغير مناخي.

وفي الحقيقة أن هذا الانتقال الجذري في سياسة انتاج الطاقة لا يتزامن مع تطور التقنية وانخفاض اسعار بدائل الطاقة فقط ولكنة يعتمد بشكل رئيسي وينم عن رغبة حقيقية وارادة جبارة من قبل الحكومات والشعوب للتقليل من الاثار السلبية علي البيئة التي تشكل خطرا حقيقي يهدد مستقبل الأجيال القادمة.

فتحسين كفائة الطاقة المتجددة والحد من مركزية الطاقة الكربونية والتقليل من احتكار انتاج الطاقة وذلك بخلق مزيج من بدائل الطاقة المتجددة و النضيفه والآمنة و التقليص التدريجي لطاقة الكربون من نفط وغاز وفحم او الطاقة النووية الخطرة هو أهم ما يصبو إليه الانتقال الطاقي، والتغيير الجذري في سياسة الطاقة يعد نمط سلوكي مختلف يعكس ثقافة فردية قبل أن تكون توجهات حكومية فالمجتمعات المحلية تتحمل مسؤولية في خفض الكربون في المباني والمنشآت وخلق نماذج تشاركية لإنتاج الطاقة المتجددة مثل مزارع الرياح والطاقة الشمسية التي يشارك المواطنون في انتاجها مباشرة من خلال محطات منخفضة الجهد الي متوسطة بعيدة عن المحطات الكبيرة المعتمدة علي الوقود كما هو حاصل حاليًا.

وفي الوطن العربي لاتزال معظم الدول تفتقد الي وجود سياسات حازمة لتحقيق الانتقال الطاقي في ظل غياب رؤية وطنية مشتركة لتحقيق الأمن الطاقي والتنمية المستدامة، كام يفقتر وطننا العربي في الغالب لوجود خطة واضحة لاشراك وتفعيل دور المواطن والمجتمعات المحلية للمساهمة في تحقيق الانتقال الطاقي ولكن هناك نماذج تبعث الأمل في بعض البلدان العربية في محاولة لخلق لا مركزية طاقية وهناك بلدان مثل اليمن اجبرتها ظروف الحرب التي قضت علي معظم البنية التحتية لمحطات الطاقة مما دفع المواطنين إلى استغلال الطاقة الشمسية عن طريق منظومات شمسية محلية مما جعلها ثالث دولة علي مستوي العالم في استغلال الطاقة الشمسية.

اليمن والانتقال الطاقى

فاليمن كانت ولاتزال تعاني من فقر حقيقي في انتاج الطاقة والحصول عليها بسعر مناسب فقبل الحرب الأهلية كانت المحطات المعتمدة علي الوقود الاحفوري لا تغطي حاجة سوا نصف السكان تقريبا وبعد الأزمة انهارت القدرة التشغيلية لمعظم المحطات الكبيرة وعجزت أغلب المحطات معاودة العمل اما بسبب الارتفاع الجنوني في اسعار المشتقات النفطية او تهالك البنية التحتية للمحطات نتيجة الحرب الطاحنة وفي نهاية المطاف وجد معضم المواطنون ملاذهم الاخير في الطاقة الشمسية لتوفير رمق حاجتهم من الطاقة.

الا انه وبرغم الاننتشار الغير المسبوق لاستخدام الطاقة الشمسية والتي حلت محل الطاقة التقليدية في معضم مناطق اليمن الا أن استخدامها ظل عشوائيا ويفتقر إلى جهود حكومية لاستغلال هذا الموارد وإحداث نقلة نوعية في سياسة الطاقة في اليمن وما زال الاعتماد حتى هذه اللحظة علي الألواح المستوردة والتى تدفق الي السوق اليمنية في ظل غيال دور الرقابة والتفتيش ومراقبة الواردات ونوعيتها وفحص الجودة ومراقبة الأسعار إلى جانب غياب المختصين من الفنيين لأن هذا المجال يعد جديدًا على الأسوق اليمنية وهذا يضع مسؤولية علي المؤسسات العلمية لسد الفجوة المعرفية وتدريب فنين ووضع دراسات لمعالجات وإنشاء سوق مصنعة لمنظومات الطاقة الشمسية بدل من استيرادها والعمل بجدية لإشراك القطاع الخاص في الاستثمار والاستفادة من التجربة الألمانية الرائدة في استغلال الطاقة الشمسية والتي تم اشراك المواطن في عملية انتاج الطاقة واستغلال أسطح المنازل وبيع الفائض للشبكة المحلية.

ولكن غياب الرؤية الوطنية وتفاقهم الأزمة السياسية وحالة الانقسام التي تعيشها البلد أدى إلى لجوء الحكومة مؤخرا الي إنشاء محطتين غازيتين لتوليد الطاقة الكهربائية فى كل من لحج و وادي حضرموت في خطوة  قد تساهم في حل سريع للأزمة الراهنة الا إنها تضيع على اليمن الفرصة في خلق تحول طاقي واستغلال الحاجة للخروج بتجربة فريدة في مجال التحول الطاقى نحو الطاقة الشمسية لاسيما أنها تنعم بوفرة عالية من المورد الشمسي المتجدد والرياح.

مصر والانتقال الطاقى

وفي دولة مثل مصر قد يرى البعض تناقدا واضحًا لدي سياسات متخذ القرار في مصر حول الاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة مثل الشمس والرياح ومشروعات الطاقة الغير نظيفة كالفحم والوقود الأحفورى، فبعد أن أعلنت مصر عن عدة مشروعات ضخمة أحدهم لتوليد الطاقة من الرياح والشمس، والآخر لتوليد الطاقة من الفحم، الأمر الذى أحدث جدلا بين الخبراء، والأمر على خلاف ذلك فى الحقيقة.

حيث أتخذت مصر خطوات واضحة لبناء استراتيجيات نحو استخدام الطاقة وسبل استدامتها تشمل التنوع المستدام بمزيج من الطاقة المتجددة والغير متجددة للوصول إلي مرحلة أمان الطاقة، وهذا ما أوضحه الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء فى تصريحاته فى المؤتمر الأخير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة عن اهتمام مصر فى سياستها لتحقيق أمن الطاقة من خلال تشجيع مشاركة القطاع الخاص على الاستثمار فى مجالات الطاقة المتجددة، حيث ينعكس ذلك من خلال عدة محاور مثل الإعلان عن برنامج إصلاح التعريفة الكهربائية والذى تم تمديده لفترة 3 سنوات لتخفيف الأعباء على المواطنين، كذلك تعديل قانون إنشاء هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة بما يتيح لها إمكانية إنشاء شركات بمفردها أو بالشراكة مع القطاع الخاص، كذلك إصدار قانون لتحفيز الاستثمار فى مجال الطاقات المتجددة، هذا بجانب إتاحة المساحات من الأراضى بالمناطق الغنية بالطاقات المتجددة ؛ ويعد ذلك بمثابة خطط طموحة لتحقيق أمن الطاقة بحيث تصل وفق خطتها  إلى مشاركة الطاقة المتجددة فى مزيج الطاقة بنسبة 42% بحلول عام 2035.

من جانبه أوضح الدكتور جمال القليوبى، أستاذ الطاقة بالجامعة الأمريكية، أن مصر ظلت أكثر من 60 عام اعتماد  بسيط، ولم نصل إلي 1.5% حتي 2014 كطاقة متجددة، ونسبة الوقود الاحفوري تصل إلي 98%، ومصر تعتمد بشكل كبير على صانع القرار واستراتجيات صناع القرار وتنفيذه فى مصر حول تعدد استخطام الطاقة لم يكن موجود، وما أحدث طفرة مهولة هو حديث رئيس الدولة حول ضرورة توجه الحكومة نحو بدائل الطاقة ولابد من وجود طاقة طوارئ وأن تملك الدولة منظر عريض يتماشيى م عالمناظير العالمية نحو بدائل الطاقة وسبل استخدامها وهذا هو السر الأساسي في التغيير الطاقة لدى مصر، وتحول مصر إلي الآمن في ملف الطاقة كان بفضل الدراسة والوعي الجيد للقيادة السياسية وحجم استعيابها للتحديات التى توجاها دولة كبيرة بحجم مصر، مع الزيادة الكبيرة في تعداد السكاني والاحتياج المتزايد للطاقة الكهروبائية في ظل التناقص الواضح للطاقة الإحفورية وكل هذا تحديات كثيرة.

وتابع “القليوبى”، أن كل ما يسير على الأرض الآن من حركة اتصالات ومواصلات يعتمد بشكل مباشر على الطاقة الاحفورية وهذه الطاقة لن ينتهي استخدامها لمعدلات عالية قبل عام 2040 والتكنولوجيا البديلى تتطلب بحث علمي دقيق وموارد مالية تغطي التكلفة، ولكن هناك أبحاث كثيرة وخطط استراتيجية لدي شركات البترول العالمية بأنه لابد من التحول من الطاقة الإحفورية إلي الطاقة المتجددة بنسب تتخطي الـ 40% – 60%.

ويوضح “القليوبى”، أن الطاقة المتجددة تحتاج إلي تكنولوجيا متقدمة وموازنات مالية باهظة، وهذا هو الصعب في المعادلة المصرية لأن مصر فى مرحلة تطور اقتصادى كبير، ومع ذلك فالقيادة السياسية لدى مصر تسعى جاهدة نحو استمرار وتوسع الدولة في مشاريع الطاقة المتجددة رغم صعوبة تكلفتها، فقد وضعت مصر خطة استراتجية لعشرة أعوام قادمة تتثمل فى فائض للكهرباء مع نسبة للاحتياج للدولة المصرية حتي 2030 مع رفع الوعى لدى قطاعات واسعة من الشعب حتى لا تكون هناك سلبيات أكثر من الإيجابيات خلال فترة معادلة وتأمين الطاقة وضمان حقوق الأجيال القادمة.

فالتحول الطاقي يساعد فى المحافظة على موارد كوكبنا المحدودة من النفط والغاز ويجنب البيئة الكثير من المخاطر الناتجة من حرقهم ويقلل حجم الانبعاثات الضارة من الغازات الدفيئة، إلى جانب آخر فالاستثمار في الطاقة المتجددة يخلق فرص عمل جيدة ويساهم فى تقليل البطالة، ومن ناحية الكلفة يعتبر توليد الطاقة بالطرق التقليدية مكلف أكثر من الطاقة المتجددة برغم ارتفاع التكلفة النسبية لتقنيات الطاقة البديلة الا أن الكلفة البيئية التي تثقل كاهل اقتصاد الكثير من الدول بسبب التلوث والاحتباس الحراري الذي بدوره يشكل خطر محدق بموارد الكوكب المائية والزراعية ويهدد التنوع البيولوجي ويتسبب في الكثير من الاعاصير والفيضانات التي تخلق أزمة اقتصادية وانسانية يصعب معالجتها في كثير من الدول النامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى