المخدرات في لبنان… بين تغاضي الدولة وازدياد المدمنين والمروجين* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

ارتفعت نسبة تعاطي المخدرات وتجارتها أخيراً في لبنان، وتكاد لا تخلو نشرة أخبار من خبر توقيف تاجر أو متعاطٍ، ما يدفع إلى التساؤل كيف تدخل هذه المادة إلى الأسواق اللبنانية وكيف يروّج لها، ومن يقف وراء التستر على التجار الكبار؟

لا توجد إحصاءات رسميّة عن عدد المدمنين والمروجين للمخدرات، لذا تقوم بعض الجمعيات المدنية بهذه الإحصاءات والعمل مع المرجعيات الرسمية للوصول إلى مجتمع خال من المخدرات.

إحدى هذه الجمعيات، “سكون” التي أعدّت في العام 2018، دراسة إحصائية، شارك فيها 3274 شاباً وشابة تراوحت أعمارهم بين 18 و35 سنة من مختلف المناطق اللبنانية، لمعرفة أنواع المواد المخدرة بين الشباب، إضافة إلى مواقفهم من تعاطي المخدرات.

وأظهرت الدراسة أن نسبة المتعلمين هم الأكثر استخداماً وتبلغ نسبتهم 49.7 في المئة. وتتراوح الأعمار الأكثر استخداماً للمخدرات ما بين 20 و30 سنة، وتبين أن النساء أكثر استخداماً للمخدرات من الرجال، إذ بلغت نسبتهنّ 52.5 في المئة، بينما سجل الرجال 47 في المئة. وهي نسب مختلفة عما يصدر عن مراكز العلاج.

جُرم… لا جُرم

كما أظهرت الدراسة أنّ المواد المخدرة الأكثر استخداماً في لبنان، هي التبغ ومشتقاته، يليها الكحول، ومن ثم الحشيش وبعدها الأفيون. ويحتل الحشيش المرتبة الأولى بنسبة 92 في المئة، يليه الكوكايين بنسبة 22 في المئة، فالسيلفيا بنسبة 20 في المئة.

وعن موقف المستجوبين من سياسات الدولة العقابية، رأى 39 في المئة أنّ استخدام المخدرات، يجب أن يكون “جرماً”، فيما اعتبر 44 في المئة منهم، أن على الدولة وقف معاقبة مستخدمي المخدرات.

أما أرقام مكتب مكافحة المخدرات المركزي، فتظهر أن هناك بين ألفي و3 آلاف شخص يلقى القبض عليهم سنوياً ويخلى سبيلهم بسند إقامة، وبين ألفي و3 آلاف يوقفون بقرار قضائي، وتتراوح أعمار أغلب الموقوفين بين 20 و30 سنة.

تقرير وطني

أما التقرير الوطني الأول عن وضع المخدرات، الذي أعده المرصد الوطني للمخدرات ونشر عام 2017، يشير إلى أنه ما بين عامي 2013 و2016 أوقف 11 ألفاً و152 لاستخدامهم المخدرات، وسجل عام 2016 وحده ارتفاعاً خطيراً في أعداد الموقوفين بقضايا متعلقة بالمخدرات، بلغت نسبته 233 في المئة تحت سن الـ 18 عاماً، أما عن أنواع المخدرات الأكثر شيوعاً، فهي “الكبتاغون والكوكايين والقنّب والإكستاسي”.

سياسة الدولة

في المقابل، يقول الناشط السياسي والاجتماعي شادي نشابة لـ “اندبندنت عربية”، إن “سياسات الدولة حول العقوبات تضر بالمتعاطي أكثر مما تفيده، إذ من غير المعقول أن يوضع المتعاطي الصغير السن، في الزنزانة ذاتها مع مجرمين يقضون فترة عقوبتهم، هذا المتعاطي يجب أن يذهب إلى إصلاحية، أو مراكز إعادة تأهيل، وفي لبنان لا توجد إصلاحيات، وقد يكون المتعاطي لديه نية الإقلاع لكن زجه في زنزانة تعيده إلى الشارع أكثر إدماناً وأحياناً مروجاً”.

ويوضح نشابة الذي عمل مع فئات مجتمعية مختلفة “أن سعر المخدر بمتناول الجميع تقريباً، وليس بالضرورة أن يتعاطى الشباب الكوكايين والهيرويين، هناك أدوية تباع في الصيدليات ولها تأثير المخدر ذاته كدواء القحة وسعره 8000 ليرة لبنانية (6 دولارات)، وتتدرج أنواع المخدرات إلى حشيشة الكيف ونبتة السيلفيا المستوردة وهي خطيرة جداً، وتسبب نوعاً من أنواع الهلوسة لدى متعاطيها”.

يقول ف.ع وهو شاب في العشرينات، إنه توقف عن تعاطي المخدرات، لكن أسلوبه في التدخين المتلاحق، لا يدل على توقفه كلياً، وأول سيجارة استعملها كانت بقصد التجربة ومن بعدها دخل في دوامة “التحشيش” أي الإدمان، ” الوضع الاقتصادي والكآبة التي كانت تسيطر عليّ، كانت تختفي كلياً وأشعر بعالم سعيد وخال من المشاكل بعد التدخين”.

وفي هذا السياق يشير نشابة إلى “أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المسيطرة على البلد هي أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع نسبة المتعاطين، إذ تصل إلى نسبة 60 في المئة لدى الشباب الذي تسيطر عليهم حالات الاكتئاب وفقدان الأمل بالمستقبل فيلجؤون الى المخدرات”.

أما كيف تصل هذه المواد إلى فئات الشباب، وكيف يتم ترويجها وتهريبها إلى الداخل اللبناني؟

يقول نشابة، “إن بعض المواد المخدرة تزرع في لبنان كالقنب الهندي، على الرغم من محاولات المنع وقوننة الزراعة، والبعض الآخر يستورد، كما أن هناك مصانع في لبنان لحبوب الهلوسة كالكبتاغون، والسلطات اللبنانية تعلم أماكن وجودها وأصحابها، لكنها تغض النظر عن التجار الكبار المعروفين لديها، وللأسف تلاحق المروج الصغير والمتعاطي وتغفل عن التاجر الأساسي المحمي من بعض السياسيين”.

التهريب

ويشدد نشابة، على أن المخدرات تدخل بواسطة التهريب، إلى الداخل اللبناني. لكن هل السلطات والمؤسسات الحكومية تساعد عبر التمويل أو تأهيل الشباب المتعاطي؟

يجيب نشابة، “الدولة غائبة عن هذا الموضوع، فلا مراكز تأهيل، ولا خطة شاملة مع الوزارات المعنية كوزارة الداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية. وزارة الشؤون تساعد لكن بشكل غير كاف وغير مدروس، وجل ما تفعله السلطات، محاكمة هؤلاء الشبان والمروج الصغير، في وقت عليها أن تعمل أكثر مع وزارة التربية والتعليم للوقاية ومكافحة آفة الإدمان، وبالتالي الحد من أعداد الشباب المتعاطي المتزايد”.

“اندبندنت عربية” توجهت إلى أحد المراكز (CDLL) الذي يعنى بالمدمنين وتأهيلهم، وسألت مدير المركز الدكتور رافي كايبكيان عن نسبة ارتفاع معدلات الإدمان في لبنان، وسبب تزايد الأعداد في السنوات الأخيرة.

يقول كايبكيان، “لاحظنا في السنوات الثلاث الماضية، ازدياد نسبة المتعاطين، وأن الأعمار التي تطالها آفة الإدمان أصبحت أصغر أي تطال الأعمار ما بين 12 و13 سنة، في حين أن أعمار المدمنين كانت من سن الـ 16 و17 سنة، حتى أنها في بعض المجتمعات تصل إلى 9 وعشر سنوات”.

ويضيف كايبكيان، “أن ابن التسع سنوات يبدأ بالتدرج من التدخين وشرب الكحول، وبعد عمر معين يتجه إلى تعاطي الحشيشة وحبوب الهلوسة، إلى أنواع مخدرات ذات تأثير عال كالكوكايين وخلطات منشطات، وهذا يندرج ضمن الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الشاب، كلما زادت ثروته استطاع أن يحصل على أنواع أغلى وأقوى بتأثيرها”.

ولكن من أين يحصل الشاب على حاجته من المخدرات؟ يوضح كايبكيان “عدا عن إمكانية الحصول على مادة الحشيشة بسهولة في المجتمعات اللبنانية المختلفة، فإن هناك أنواعاً من الحبوب تنتج في سوريا وتروّج بأسعار زهيدة عبر بعض النازحين، وبخاصة في مناطق عكار وطرابلس، وكلما زاد المجتمع فقراً ارتفعت نسبة التعاطي، أما الطبقة الغنية فتلجأ إلى المواد الأخرى كالكوكايين”.

في المقابل، يشير كايبكيان إلى أن “مراكز العلاج الموجودة على الأراضي اللبنانية، لا تستطيع استيعاب أكثر من 2000 إلى 3000 مدمن، وعدد اللبنانيين بحسب التقديرات غير الرسمية 23000 مدمن، ولا توجد خطة حكومية محددة وواضحة لمكافحة الإدمان، كما أن مكتب مكافحة المخدرات أعرب في مناسبات عدة أنه لا يستطيع أن يتابع حالات الإدمان المتزايدة”.

أسباب الإدمان

ويرى كايبكيان أن من أهم أسباب لجوء الشباب والأطفال إلى الإدمان، المشاكل العائلية وتليها محاولة الشباب الاستقلال عن الأهل “بخاصة في بداية سن المراهقة”، باللجوء إلى جماعات تكون موجودة في الأحياء، أغلبها إما عاطلة من العمل أو تركت المدرسة لأسباب متعددة، فيدخل المراهق في سلوكياتها، والسبب الثالث من حيث الأهمية، البطالة، وهذا السبب يطال الفئات العمرية الأكبر”.

وحول التمويل الذي تحصل عليه جمعيات مكافحة المخدرات، يوضح كايبكيان أنه “يأتي من مصادر عدة، كالتبرعات من مواطنين أو عبر النشاطات التي تقوم بها الجمعية، لكن المؤسسات الدولية والـ NGO’s لا تلحظ تمويل علاجات الإدمان، في مارس (آذار) الماضي، قدمت USAID 41 مليون دولار للجمعيات الأهلية في طرابلس (شمال لبنان)، ولم تقدم شيئاً لمراكز إعادة التأهيل والعلاج من الإدمان، إذ يعتبرون خطر الإدمان ثانوياً”.

“اندبندنت عربية” حاولت التواصل مع أكثر من نائب في لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية لكن أحداً لم يجب على هاتفه.

وكان رئيس مكتب مكافحة المخدرات المركزي العقيد هنري منصور قد صرح للإعلام أن “هناك صعوبة في ضبط إدخال المخدرات إلى السجون، وكذلك عبر المطار، واعتبر أن لبنان البلد الوحيد الذي لا يملك مكاتب أمنية على الحدود، و”أن السبب يعود إلى صراع الأجهزة الأمنية والتنافس والمناكفات وتوزيع الإدارات، ما أدى إلى عدم إنشاء مكتب لمكافحة المخدرات في المطار حتى الآن”.

نقلاً عن اندبندنت عربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى