مَن يدفع ثمن القتل في العراق؟* فاروق يوسف

النشرة الدولية –

لم يكن من المتوقع أن يُسقط الشباب العراقيون الحكومة العراقية بخروجهم إلى الشوارع حشودا غاضبة.

 

فإضافة إلى أن ذلك السقوط لم يكن هدفا للاحتجاج فإن تحصن تلك الحكومة في المنطقة الدولية “الخضراء” لابد أن يحول بينها وبين سماع أصوات المتظاهرين.

 

كانت المظاهرات مفاجئة للجميع. ذلك عنصر مهم في المبادرة الثورية التي وقف وراءها الشعب وحده.

 

كان صادما بالنسبة للجميع أن لا تكون للمظاهرات قيادة (من اللافت والمؤثر غياب رجل الدين مقتدى الصدر والشيوعيين الذين صاروا جناحا مدنيا لتياره الديني). لربما كان ذلك الحدث سببا مضافا في زيادة أعداد المتظاهرين.

 

لقد شعر الشباب أن تمردهم على الواقع المرير لم يعد له رأس يسيره ويتحكم به. وهو ما حررهم من التبعية وصارت شعاراتهم تتسع لأفكارهم العريضة التي تطورت لتشمل طي صفحة نظام المحاصصة الذي يدركون أن في اسقاطه تنطوي صفحة الاحتلالين الأميركي والإيراني ومعهما كل ما لحق بهما من أحزاب بما فيها تيار الصدر والشيوعيين.

 

ربما سيعتبر البعض القول أن الشباب العراقي خرج إلى الشارع من غير اتفاق مسبق نوعا من المبالغة ولكنه الواقع. نعم. كانت هناك دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي غير أنها لم تكن مؤكدة. إضافة إلى أن أحدا لم يكن يثق بأن العراقيين يستجيبون لمثل تلك الدعوات.

 

كان هناك مَن يشكك في إمكانية أن ينظم الشعب العراقي نفسه في مظاهرات احتجاجية في ظل شعوره باليأس من إمكانية التغيير. فالتغيير لن يكون ممكنا مع استمرار “الاحتلال الإيراني” الذي يرعى الفاسدين مقابل قبولهم بهيمنته وتمكنه من استعمال الأراضي العراقية منصات لإطلاق صواريخه.

 

كانت تلك النقطة حاسمة بالنسبة للمتظاهرين. لقد ضاع وطنهم. ففيما كانوا يطالبون بالخدمات الأساسية كان ذلك الوطن يتحول إلى ملعب لتجريب السلاح الإيراني في العدوان على الآخرين.

 

كان ذلك سببا معقولا لأن ينضم المرء إلى المظاهرات. غير أنه لم يكن سببا كافيا للموت. وكما أرى فإن الإيرانيين اختزلوا أسباب موت العراقيين بحيث صار خروجهم في مظاهرة سببا لموتهم.

 

تلك حقيقة واجهها العراقيون بصدور عارية.

 

لم تتأخر الحكومة في تنفيذ المشروع الإيراني في القتل. لذلك كان اللجوء الى الرصاص الحي أول الحلول لا آخرها.

 

ومثلما كانت المظاهرات مفاجئة كان قمعها بالرصاص الحي مفاجئا هو الآخر. غير أن قراءة المشهد العراقي من الجهة الإيرانية لابد أن يخفف من وقع المفاجأة التي انطوى عليها رد الفعل الحكومي.

 

سيكون كل شيء مفهوما إذا ما عرفنا أن المتظاهرين ركزوا في شعاراتهم على المطالبة بإنهاء “الاحتلال الإيراني” هو ما يعتبر اختراقا لواحد من أكثر الخطوط الحمراء سرية وتكتما. لذلك كان رد الفعل قويا بل وخارجا عن نطاق ما هو متوقع.

 

كان واضحا أن إيران تدافع عن وجودها في العراق من خلال ميليشياتها التي ستتحمل الحكومة العراقية المسؤولية عن جرائمها. وهي مسؤولية سيكون من الصعب على رئيس الوزراء الحالي الإفلات منها.

 

وبغض النظر عن المسوغات التي ساقها رئيس الوزراء أسبابا للقتل تظل الجريمة ماثلة كونها ارتكبت ضد متظاهرين سلميين لم يجرؤ الاعلام الرسمي على الصاق تهمة حمل السلاح أو التخريب بهم.

 

لذلك لن يكون مفاجئا أن يُعرض ملف الجريمة التي ارتكبت في حق المتظاهرين على محكمة العدل الدولية من قبل منظمات حقوق إنسانية. وهو ما لن يكون عادل عبدالمهدي مستعدا له. ذلك لأنه صار مجرما رغم أنفه. ولكن الوقائع ستدينه. وهو ما لن يأسف عليه أحد. ذلك لأن عبدالمهدي لم يستدرك خطأ وجوده في منصبه بالاستقالة.

 

فاجأ الشعب الحكومة التي فاجأته فيما سيكون على عبدالمهدي أن ينتظر ردود الفعل العالمية على جريمته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى