التجهيزات العصرية وأصالة مساجدنا التراثية* د. ناصر أحمد العمار
النشرة الدولية –
في عام ١٩٧٩ وبينما كنت ووالدي، رحمه الله، «نتمشى» في شوارع عاصمة الهند التجارية بومباي دخلنا أحد مساجدها لأداء فريضة صلاة الظهر، بدأ والدي بالتكبير لتأدية الصلاة بنا، وقبل تهيؤنا للركعة الأولى اقترب أحد الإخوة المصلين الهنود ليستقر بالوقوف عند جانبي الأيمن واعتقدت حينها أنه يرغب في أداء الصلاة معنا جماعة، لكنه سرعان ما قام بإخراج طاقية «قحفية» من جيبه الأيسر وقام بتغطية رأسي بها عنوة ثم ابتعد إلى إحدى زوايا المسجد يراقبنا، وفور انتهائنا من أداء الصلاة عاد إلينا مسرعا وسط استهجان واستنكار شديد مني بما قام به من تصرف لم أكن أعرف له معنى أو مقصدا ليقف هذه المرة أمامي «يتحلطم» بلغته التي لا أفقه منها إلا بعض الكلمات مادا ذراعيه باتجاه رأسي نازعا طاقيته وانصرف إلى حيث أتى.
في تلك اللحظة بدد والدي، رحمه الله، استغرابي بقوله: لقد قام صاحب الطاقية بتصرف صحيح بوضعها على رأسك ونحن نصلي وذلك لقناعته ومن ينتمون للمذهب الحنفي بعدم جواز تأدية الصلاة مكشوف الرأس، انظر هناك (يشير والدي إلى إحدى زوايا المسجد) إلى ذلك الصندوق الممتلئ (بالقحافي) لزوم استخدامها من قبل المصلين الذين لا يملكون مثيلها، كما ترى بالقرب منها العديد من (المسابيح) تقدم للمصلين للقيام بالتسبيح وذكر الله بعد كل فرض.
بعد سنوات قاربت على الأربعين يلاحظ كل واحد منا في الكويت أن مساجدنا – خاصة حديثة البناء منها – واكبت المتغيرات الجديدة التي طرأت على مجتمعنا، فالتجديد العصري لتجهيز وخدمة بيوت لله نراه من خلال المشهد العام، منها: وجود صناديق صغيرة لحفظ الأحذية مزودة بأقفال ومفاتيح معدنية عند الأبواب الرئيسة.
طاولة خشب أو أرفف متعددة الأدوار في آخر المسجد وقد امتلأ (بالوزرة، أو الإزار أو الوزار) وهو عبارة عن قطعة قماش قطنية تمت خياطتها على شكل (سروال) يستخدمها المصلون من الشباب الذين اعتادوا لبس (الشورت القصير) ليستر محيط النصف الأسفل من أجسامهم.
تثبيت مساند خشبية وإسفنجية بارتفاع (50 سم) مع زاوية ميل المسند (75 درجة)، ومسافة سماحية للسجود بمقدار (10 سم) أمام الساند و(10 سم) خلفه وضعت على امتداد الصف الأول لخدمة المصلين الذين يبكرون بالذهاب إلى المسجد قبل الصلاة وتطول فترة بقائهم فيه لقراءة القرآن والذكر وراحة لكبار السن الذين يتقدمون غالبا سائر المصلين.
من الإضافات الجديدة توفير كراسي للمصلين الذين لا يستطيعون تأدية الصلاة وقوفا.
توفير ثلاجات ماء وأخرى لحفظ التمور وتقديمها للمحتاجين من المصلين.
توفر قطعة خشب (سترة) وان كان من العلماء من يقول: إنها سنّة وآخرون يرون أنها واجب.
توفير (سبورة) مع لوازمها لكتابة الأحاديث الشريفة عليها والتذكير بالنوافل فضلا عن نشر أخبار رواد المساجد من المصلين (فلان يرقد في المستشفى، وآخر توفي أحد أقاربه، الخ) تلك التحضيرات المعاصرة ومنها وأكثر طال مصليات النساء لا تنسينا تبوؤ مساجدنا مكانة بارزة تدل عليها جمالية الفن المعماري الذي يوصف بأنه خليط متناغم بين الأصالة التراثية والمعاصرة الحديثة في التشييد والبناء.
الأنباء الكويتية