الشعلان: فلسطين هي الحاضر الثّابت في كتاباتي… الإسرائيليون سرقوا بعض أعمالي الأدبية وأرفض التطبيع مع المحتل

النشرة الدولية –

الدكتورة سناء شعلان تقيم في الأُردن وهي من أُصول فلسطينية، إذ تعود أُسرتها إلى قرية (بيت نتيف) التّابعة لقضاء الخليل، تحمل درجة الدكتوراة في الأدب الحديث، وتعمل أُستاذة جامعية في التخّصص ذاته في الجامعة الأردنية، وتُعدّ من أبرز الأُدباء المعاصرين من جيل كُتّاب الحداثة العرب، بحسب مقابلة مع “القدس” دوت كوم اجراها الزميل منير عبد الرحمن.

تكتب الرواية والقصة القصيرة والمسرح والسيناريو وأدب الأطفال، وهي عضو في كثير من المحافل الأدبية، وحاصلة على نحو 60 جائزة دوليةً وعربيةً ومحلية في حقول الرواية والقصة القصيرة والمسرح وأدب الأطفال والبحث العلمي، وحصلت العام الماضي على جائزة كتارا للرّواية العربيّة في دورتها الرّابعة/ 2018 في حقل رواية الفتيان غير المنشورة عن روايتها للفتيان “أصدقاء ديمة” التي تمّ نشرها من إدارة الجائزة في طبعةٍ أُولى ضمن منشورات الجائزة الدوريّة السنويّة للأعمال الفائزة، فضلاً عن احتماليّة استثمارها في مشاريع مسرحيّة ودراميّة مختلفة، وتقديمها صوتيّا ومرئيّاً وورقيّاً في مشاريع الجائزة.

 

ولها 52 مؤلفاً منشوراً بين كتاب نقدي متخصص ورواية ومجموعة قصصية وعشرات الدراسات والمقالات والأبحاث المنشورة، وتُرجمت أعمالها إلى الكثير من اللغات، ونالت الكثير من التكريمات والدّروع والألقاب الفخريّة.

وفي ما يلي نص الحوار مع الدكتورة سناء الشعلان:

 

* تُصمّمين دائماً على تقديم نفسك بوصفك أديبةً من أُصول فلسطينيّة، ماذا تعني لك هذه الأصول؟

 

أصمّمُ على الإشارة إلى أُصولي الفلسطينيّة، لأنّ هذه هي حقيقتي وأُصولي وجذوري التي أعتزّ بها، وأرفض أن أُقدَّم مبتورةً عن أصولي الفلسطينيّة التي أعتزّ بها، وهي من علّمتني معاني الكرامة والقوّة والجلد والصّبر والإصرار والكفاح في الحياة، ومن هذه الأصول انبثقت رؤيتي للحياة وفهمي لها.

 

* هل تُعدّين نفسك من كتّاب المقاومة الفلسطينيّة؟

 

كلّ كاتب فلسطينيّ أو من أُصولٍ فلسطينيّة هو من كتّاب المقاومة بشكلٍ أو بآخر، لأنّ النّفس الفلسطينيّ والقضيّة الفلسطينيّة يبقيان على خارطة الإبداع والوجود والذِّكر. أنا شخصيّاً أعتز بقلمي عندما يكتب عن قضيتي، وأراني في هذه اللّحظة أُمثّل ذاتي ووطني وأبناء أرضي.

 

* هل تراجع دور الأدب، بشكلٍ عام، وأدب المقاومة، بشكلٍ خاص، في التّأثير على الجمهور؟

 

لا أعتقد أبداً أنّ الأدب سيفقد تأثيره وسحره على الإنسان المتحضّر مادام هناك وجودٌ للحرف والكلمة في حيز الحضارة الإنسانيّة، فهو تمثيل لمداركه العليا الرّاقيّة، وتلبية لاحتياجٍ مُلحٍّ عنده، وفي الوقت ذاته لا يمكن أن يفقد أدب المقاومة تأثيره على الشّعوب والأفراد ما دام هناك أحرار وشرفاء في هذه العالم يجيدون تلقّف الحقيقة، وينتصرون للعدالة.

 

* “تقاسيم الفلسطيني” و”حدث ذات جدار” هما مجموعتان قصصيتان تمثّلان الكثير من جوانب المقاومة الفلسطينيّة والصّمود الفلسطينيّ. هل هناك المزيد من الأعمال عن القضيّة الفلسطينيّة في أجندتك الإبداعيّة؟

 

أنا أفخر بأنّني ساهمتُ في قلمي في رسم معمار النّضال الإبداعيّ في رحلة الكفاح الفلسطينيّ التي شارك فيها الأشراف والأحرار من كلّ مكانٍ في العالم. وفي القريب هناك رواية بقلمي حول النّضال الفلسطينيّ في سبيل تحرير الأرض والإنسان. أنا أعتزّ بهاتين المجموعتين اللّتين هما امتدادٌ لذاتي وتجربتي الشخصيّة، بوصفي فلسطينيّةً عايشت وتُعايش صوراً وأطواراً من القضية الفلسطينيّة، وفي أعماقها وذاكرتها حشود من شخوص عوالمي القصصيّة الذين لهم وجودٌ في أماكن سرد هذه الحكايات، وشاركوا في صياغة أفكاري ومواقفي تجاه قضيتي بعد رصد الكثير من المواقف الفلسطينيّة والعربيّة والعالميّة تجاهها، وما لذلك من تأثير على أقدار هذه القضيّة ومسيرتها وأحداثها.

 

WhatsApp Image 2019-10-07 at 8.47.13 PM(2)

 

WhatsApp Image 2019-10-07 at 8.47.32 PM

 

هذه المجموعة القصصيّة هي تمثيل حقيقيّ لفلسطينيتي، كما هي مشهد من مشاهد فخري بعدالة قضية وطني، وإيماني بالانتصار الحتمي لها مهما طال الصّراع وامتدّت التّضحيات مادامت هذه القضيّة هي من أعدل قضايا الإنسان والحريّة والعدالة في هذا العالم، مهما تأخّر تحقيق النّصر الكامل وتحرُّر فلسطين من نير احتلالها.

 

* ما هي الثّيمة القصصيّة في “تقاسيم الفلسطيني” و”حدثَ ذات جدار”؟

 

هاتان المجموعتان القصصّيتان هما مجموعتان تسّجلان في لوحات قصصيّة قصيرة ملامح متعدّدة من نضال الشّعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه عبر نحو ستة عقود من المعاناة والتّصدّي والإصرار على الانتصار والتّمسّك بالوطن، وهما ترصدان تفاصيل وأفكاراً ورؤى الشّعب الفلسطينيّ وأحاسيسه ومشاعره ومكابداته وأحلامه وتصّوراته، وهو مصمّم على أن يحقّق حلمه المقدّس في استرداد وطنه، وهما في الوقت ذاته تصّوران المشاهد الإنسانيّة والتّاريخيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة والفكريّة التي تحيط بهذا الحلم الذي غدا –بلا منازع- صورة ومثالاً للثّائرين والأبطال والفدائيين في التّاريخ الإنسانيّ الحديث.

 

* تمثّلين الكثير من المؤسّسات الحقوقيّة والإنسانيّة في العالم. فهل مثّلتِ فلسطينتيّك فيها؟

 

بكلّ تأكيد. فأنا بالدّرجة الأولى فلسطينيّة ترى الحقّ والعدالة من منظور عدالة قضيتها الفلسطينيّة التي جعلتني أكثر إصراراً على الانتصار للحقّ وقيم الجمال والعدالة.

 

* ما تعليقك على قيام دار النشر الإسرائيلية رسلنغ (Resling) بالسّطو على بعض قصصك، المجموعة القصصية (الباب المفتوح)، ونشرها في كتاب “حريّة” الذي ترجمه إلى العبريّة الإسرائيلي د. ألون فراجمان؟

 

هذه السّرقة ما هي إلاّ مثال حيّ وعملي وواضح على فلسفة العقليّة الإسرائيلية القائمة على فكر السّرقة والنّهب والتّزوير، ولا غرو في ذلك، فهي تنطلق من فلسفة الصّهيونيّة التي سرقت فلسطين من أهلها، ولا تزال تسير في خطّة ممنهجة لأجل سرقة الإنسان والحضارة والتّاريخ من الشّعب الفلسطينيّ العربيّ الوارث الوحيد والحقيقيّ لهذه الحضارة والأرض.

 

من السّخف بمكان أن تحمل المجموعة المترجمة المسروقة اسم “حُريّة”، في حين هي تمثل اعتداءً على حريّة الفكر والملكيّة والخيارات في التّواصل أو القطيعة! ولماذا لم تقم الدّار بترجمة أعمالي القصصيّة التي تمثّل قضيتي الكبرى في أدبي؟ وهي الصّراع الفلسطينيّ العربيّ مع الاحتلال؟ ولماذا لم تترجم قصصاً من قصصي التي تفضح جرائم الاحتلال ضدّ الإنسان العربيّ وحضارته؟ ولماذا قامت الدّار بالتعريف بي في هامش قصتي المترجمة بأنّني أحمل درجة الدكتوراه في اللّغة العربيّة، ولم تُشر إلى المعلومة الأهمّ في معرض التّعريف بي، وهي أنّني فلسطينيّة من فلسطينيي الشّتات الذين تاهوا في الأرض لأنّ دار النشّر هذه وغيرها من المؤسسات الإسرائيلية قامت على أنقاض أرضي وأرض أجدادي.

 

من الواضح أنّ هذه التّرجمة لأعمالي وأعمال بعض الأديبات العربيّات التي سطت الدّار الإسرائيلية عليها قد رمتْ فيما رمت إليه إلى إلحاق العار بمجموعة من الكاتبات العربيّات من خلال توريطهنّ بتهمة التّطبيع في وقتٍ حسّاسٍ من أزمان الصّراع العربيّ الإنسانيّ مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ يمتدّ هذا الصّراع إلى الوجود الفكريّ والحضاريّ.

 

أرفض أيّ تطبيع أو تعامل مع أيّ جهة إسرائيلية، وأعدّ نشر أعمالي من قبل أيّ جهة من تلك الجهات عملية سطو منظّم ومقصود على الفكر العربيّ والإبداع المناهض بالدّرجة الأولى لاحتلال فلسطين العربيّة، وللتّطبيع معه، ولمحاولة طمس ملامح الثّقافة العربيّة، أو استغلالها بشكلٍ خبيثٍ ولئيمٍ لأجل الإساءة للحضارة العربيّة والإنسان العربيّ.

 

* صدر لك حديثاً كتاب بعنوان “سيلفي مع البحر”، وهو يضمّ عدّة مسرحيّات لك. فهل كان الهاجس الفلسطينيّ حاضراً في مسرحك؟

 

لا يمكن أن أكتب بعيداً عن هاجس قضيتي الفلسطينيّة التي تشكّل وعيي ووجودي وفكري ومنطلقاتي، ففي هذه المجموعة المسرحيّة هناك حضور مباشر للقضيّة الفلسطينيّة والإنسان الفلسطينيّ، ولا يمكن أن تغفل عين المتلقّي هذا الحضور، حتى عندما أجنح في كتاباتي للتّرميز أو الفنتازيا أو استثمار التّراث، ففلسطين هي الحاضر الثّابت في كتاباتي.

 

* أخيراً صدرت لكِ رواية “أدركها النّسيان”، بماذا تصفين هذه الرّواية؟ وما دفعك إلى كتابتها؟

 

روايتي هذه كما يصفها الأديب النّاقد الصّديق الأثير عباس داخل حسن هي رواية الأوطان والشّعوب وملاحم تجاربها ومعاناتها. وقد كتبتُ هذه الرّواية المستحيلة لأنّني غاضبة جدّاً حدّ الانفجار، فأنا رافضة للاستلاب بأشكاله قاطبة، ولهذا كتبتُ هذه الوثيقة السّرديّة التّأبينيّة لواقعنا، أنا مصمّمة على أن أكتب التّاريخ بصدق كما أعرفه، وأن أكون شاهدة عصر رغم أنف التّزوير والتّلفيق والكذب، ولذلك قرّرتُ أن أكتب هذه الرّواية من منطلق أنّ المبدع المتمرّد المتوحّد مع نفسه في عالم متوحشّ عندما لا يجد من يروي له، يروي لنفسه في حوار داخليّ مع نفسه يوثّقه على الورق كي يمنع كلماتِه من الموت، وكي يكتب لها الخلود أكثر من فترة بقائه القصير في هذا الكوكب الملغز المتناحر، فشهوة الحكي والسّرد هي شهوة مرتبطة بإحساس الإنسان بذاته، وبانتمائه للوجود، بل لانتماء الوجود له.

 

WhatsApp Image 2019-10-07 at 8.47.13 PM(1)

 

أجدُ صعوبة في الحديث عن رواية “أدركها النّسيان”؛ لأنّني كتبتُ فيها كلّ ما أردتُ قوله بطريقة بطليها بهاء والضّحّاك اللّذين كانا أجرأ منّي في البوح وسرد قصّتَي حياتهما، بما فيهما من ملحميّة موجوعة تدين القوى الاستبداديّة، وترفض الانسحاق تحت قواها، فهما استطاعا أن يعرّيا جسديهما أمام الجميع ليعرضا ما علق بهما من أدران وعذابات، دون أن يخوّفهما سوط الجلاد الذي التهم الكثير منهما.

 

* يحاول القارئ في الغالب أن يبحث عن المبدع في إبداعه. فهل أنتِ موجودة في شخصيّة “بهاء” في رواية “أدركها النّسيان”؟

 

من أعجب طرائق المتلقّين للفنّ الرّوائيّ أنّهم يصمّمون على أن تكون رحلاتهم في الرّوايات بمنطق قاصي الأثر في الصّحارى ومصطادي الوحوش في الأدغال، فهم يصمّمون على أنّهم قادرون على أن يعدموا الالتباس، وأن يصلبوا الخوف على قامة الوهم، ولذلك يسعون إلى إقناع ذواتهم بأنّهم قد ألقوا القبض على الرّوائيّ عارياً في روايته، يمارس فاحشة السّرد علناً مع سبق الإصرار والتّرصّد، ويفوتهم أن يجدوا أنفسهم في رِحَلهم السّرديّة الوهم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى