نوابنا خذلونا!* مظفّر عبدالله
النشرة الدولية –
أول العمود: المديرة العامة لمعهد الكويت للأبحاث العلمية د. سميرة السيد عمر تقول إن الصرف على البحث العلمي لا يتجاوز 0.4٪ من الناتج القومي. عن أي تنمية نتحدث هنا؟ وأي مجلس تخطيط؟
لو تصفحنا كتاباً مدرسياً يحتوي على درس عن مجلس الأمة لوجدنا أنه يسعى إلى تثبيت معلومتين للطلبة لا ثالث لهما حول مهام البرلمان وهما: الرقابة والتشريع، وهي مهمة كل برلمانات العالم، حتى البرلمانات الصورية أو غير المنتخبة بشكل كامل تدّعي ذلك. لكن في الواقع المشاهد نجد كثيراً من الممارسات والسلوكيات التي لا علاقة لها بالتشريع والرقابة، فوسائل الإعلام تنقل لنا حالات وقضايا غريبة تجري داخل البرلمان، وهي تشمل كل من يتمتع بعضوية المجلس بمن في ذلك الوزراء.
في مجلسنا نسمع عن “قبيضة”، “تحويلات مالية”، “استجوابات بثمن”، “مواقف سياسية بثمن”، “اعتداءات جسدية داخل القاعة”، “تنمر لفظي”، “صفقات عقار”، وغيرها الكثير من السلوكيات والأدوار التي لا تمت بصلة إلى وظيفة البرلماني! وسمعنا أيضاً عن الأداء التشريعي الرديء بسبب عدم التوظيف السليم لفكرة القانون وأهدافه لضبط ظاهرة معينة.
ما الذي يجري في مجلس الأمة؟ وأي نوع من الانحراف يُراد معالجته؟ وما الأدوات الضابطة لعمل وسلوك أعضاء السلطة التشريعية؟
يتم الحديث عن “لجنة القِيم” بشكل موسمي يتزامن مع فضيحة سلوكية لنائب ما، ومثل هذه اللجنة موجودة في برلمانات كثيرة في دول العالم، وهي ضرورية وكُتِب حولها أدبيات كثيرة، فعلى سبيل المثال تحدد برلمانات بريطانيا ومالطا مثلا اللقب الذي يجب أن ينادي به العضو زميله “المحترم”، في حين تُحدد أخرى شروط قبول الهدايا من قبل عضو البرلمان بين منع أو سماح بشرط الإفصاح، ويطول الحديث موضوع استخدام الموارد المالية للبرلمان، وعمليات توظيف الطواقم البشرية فيه، وهكذا.
بالطبع تتمتع برلمانات الدول الديمقراطية بثقافة برلمانية جيدة حول مفاهيم الحياد والشفافية ومنع تضارب المصالح بسبب أن الأنظمة الحزبية (تُربي) السياسيين قبل دخولهم البرلمان بشكل قريب جداً من الإتقان على عكس وضعنا نحن في الكويت، فالنائب بكل بساطة يأتي من “بيئته الخاصة”، ويفرض بموجبها الكثير من السلوكيات داخل البرلمان، لذلك لا داعي لاستغراب البعض من مخالفات سلوكية فَجّة تتواتر في مجالسنا المتعاقبة، فنحن لا نملك أوعية للتدريب السياسي للأفراد لكي يُصبحوا مشرعين ومراقبين بعيدين عن الشبهات، ولذلك من السهل أن يقع بعض النواب في دائرة الاتهام بالفساد أو ممارسته علناً. قد يقول قائل إن المجالس الأولى في الحياة البرلمانية لم تكُن بهذا السوء، وهو قول مُرسل ولا ضابط له، لكنه صحيح نسبياً، ويرجع السبب في ذلك إلى ما يمكن تسميته بالحالة العامة للمجتمع آنذاك والتي من بين مواصفاتها الخوف من الاتهام والفضيحة على المستوى الشخصي، أما اليوم فقد أصبح التربح والتعدي على القانون شيئاً يتم التفاخر فيه بعيداً عن الميكروفونات.
مسألة تهذيب سلوكيات العاملين في الحياة السياسية ليست بالمسألة الهينة، وحلها يتطلب تغيير المشهد السياسي الذي يعمل فيه المتصدرون للشأن العام، من قانون انتخاب، ونظام المجلس، ولائحته الداخلية، والحياة الحزبية وغيرها، لكن سهولة ترسيخ سلوكيات وأنظمة نموذجية للعمل البرلماني ليست باختراع جديد ولا يتطلب ترسيخها السفر للقمر!
الجريدة الكويتية