إشراف شبيل سيدة تونس الأولى قاضية تقف خلف ساكن قرطاج الجديد
النشرة الدولية –
في خضم صخب الإعلان عن نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التونسية، صعدت على سطح الأحداث صورة خطفت الأضواء من مفاجأة النتائج. في هذه الصورة، تظهر إشراف شبيل، زوجة الرئيس التونسي المنتخب قيس سعيّد الذي كان مرشحا حينها، وهي ترمق زوجها بنظرة متداخلة الأحاسيس، نظرة ثاقبة جمعت بين الفرح والقلق، فخر بما وصل إليه زوجها وتوجّس مما ينتظره؛ نظرة حمّلها البعض بعدا أشمل بأن قال إنها تعكس نظرة تونس اليوم، الفخورة بتجربتها الديمقراطية والقلقة في نفس الوقت على مستقبلها، بحسب تقرير نُشر على موقع صحيفة العرب، أعدته الزميلة آمنة جبران.
هذه النظرة التي اقتنصتها عدسة كاميرا أحد المصورين وتداولتها وكالات الأنباء ومنصات التواصل الاجتماعي، حوّلت الاهتمام من مزيد النبش في شخص الرئيس الجديد قيس سعيّد، إلى الخوض والبحث في مسيرة زوجته القاضية الأنيقة.
قاضية في قصر قرطاج
يتساءل التونسيون؛ من هي سيدة تونس الأولى وساكنة قرطاج الجديدة؟ وماهي توجهاتها الفكرية وخبراتها؟ وما هي أدوارها المستقبلية؟ وما مدى مساهمتها في الظاهرة التي صنعها زوجها الخبير في القانون الدستوري الذي تمكّن في فترة وجيزة من قلب الطاولة على المنظومة التقليدية وهزم الأحزاب الكبرى بأدوات بسيطة؟ تردد صدى هذه الأسئلة في أذهان كل من صوت لسعيّد ومن صوت ضدّه على حد السواء.
شبيل قاضية عُرفت في الدوائر المقرّبة من السلطة القضائية بالاستقامة والتطبيق بحزم وبقوة لكل ما يمليه القانون. وقد ظهرت لأوّل مرة أمام عموم الناس وهي تدلي بصوتها في الدور الأول من الانتخابات يوم 15 سبتمبر 2019.
سعيّد، الذي لا يتوسّل كثيرا سلاح خبرة ومنصب زوجته في حملته الانتخابية، توجه إلى “حرائر تونس“ متعهدا بـ“حماية حقوقهن“، غير أن رده على المشككين جاء بطريقة غير مباشرة، عبر إطلالة زوجته
سعيّد، الذي لا يتوسّل كثيرا سلاح خبرة ومنصب زوجته في حملته الانتخابية، توجه إلى “حرائر تونس“ متعهدا بـ“حماية حقوقهن“، غير أن رده على المشككين جاء بطريقة غير مباشرة، عبر إطلالة زوجته
لم يتوقف كثيرون في تلك اللحظة عند صورة زوجة المرشح للانتخابات الرئاسية، التي كانت بشكل عام صورة “تقليدية” للمرأة التونسية، لكن، في الجولة الثانية من الانتخابات وبعد إعلان النتائج تحديدا، انقلبت الصورة وأصبحت ذات دلالات رمزية ربطت بتوجهات ساكن قرطاج الجديد.
في نظر التونسيين، تظهر زوجة الرئيس الجديد في مظهر يليق بسيدة تونس الأولى. كما أن خلفيتها الأكاديمية وسيرتها المهنية تؤشران لصورة أغلبية التونسيات اللواتي تشرّبن أسس الدولة التونسية الحديثة، والتي تتجسد لبنتها الأولى في التعليم.
ويعتبر أنصار سعيّد أن في صورة شبيل أفضل رد على المشككين في انتماءات الرئيس الفكرية والسياسية، بعدما اتّهم بقربه من دوائر الإسلام السياسي وخلطوا بين المحافظة الاجتماعية والمحافظة الفكرية والسياسية.
العدالة بدل المساواة
مع نجاح سعيّد بنسبة 72.71 بالمئة من الأصوات مقابل 27.29 بالمئة للمرشح نبيل القروي، تبادرت إلى ذهن شريحة من التونسيين، خاصة معارضي سعيّد، من المشككين في تصريحاته ومواقفه غير
الواضحة والغامضة، أسئلة عن مستقبل حقوق النساء في تونس، خاصة وأن سعيّد كان أبدى رأيه، كخبير في القانون الدستوري قبل ترشحه للانتخابات بشأن قانون المساواةفي الميراث الذي طرحه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، رافضا هذا القانون الذي اعتبره مشروعا سياسيا.
وبعد ترشحه، كرر سعيّد موقفه الرافض. وفي أحد تصريحاته في إطار الحملة الانتخابية على التلفزيون الرسمي، فضل سعيّد “تحقيق العدالة بدل فرض المساواة”. يبدو هذا الرد حمّال أوجه، فمثلما ينظر إليه على أنه رفض، يمكن قراءته أيضا من باب القبول، فالقانون المطروح يدعو إلى تحقيق العدالة من خلال اختيارية توزيع الميراث بالعدل بين الأبناء بغض النظر عن الجنس.
تلك الردود الفضفاضة هي التي تقلق التونسيين من الرئيس الجديد، وتفتح الباب أمام انتقادات العائلة الوسطية الحداثية التي تتوجس من أن يقف طريق التقدم في مجال مكاسب المرأة التونسية عند ما تحقق، دون المضي قدما في تحقيق مكاسب أخرى أكثر حداثية وانفتاحا. فلا يكفي أن تعيش قاضية في قصر قرطاج حتى تضمن المرأة التونسية استمرار المسيرة الحقوقية بنجاح.
وفي رده على هذه المخاوف اكتفى سعيّد، الذي لم يتوسّل كثيرا سلاح خبرة ومنصب زوجته في حملته الانتخابية، بالتوجه إلى “حرائر تونس” متعهدا بـ”حماية حقوقهن”. غير أن الرد الأبلغ، جاء بطريقة غير مباشرة، عبر إطلالة زوجته، بلباسها الأنيق وشعرها القصير، واعتبروا في ذلك رسالة، بقصد أو بغير قصد، إلى المتوجسين تؤكد أن مكانة المرأة التونسية محفوظة.
ويقول المحلل السياسي التونسي فريد عليبي، لـ”العرب”، “وقع الترويج لسعيّد على أنه مناهض لحرية المرأة ومدعوم من الأوساط الإسلامية غير أن حضور زوجته يقدم عكس ذلك، وبدد كل هذه الشائعات، كما سبق أن بددها سعيّد حين أكد في أكثر من تصريح له على أنه ‘عاش مستقلا وسيبقى مستقلا وسيموت مستقلا’”.
ويتابع العليبي متسائلا “لو كان سعيد ضد حقوق المرأة هل كانت زوجته القاضية ستظهر في تلك الصورة.. صورة المرأة الحداثية المثقفة التي يناضل المجتمع المدني لأجل حمايتها؟”.
اقتصر حضور شبيل على وجودها إلى جوار زوجها، عندما قام بأداء واجبه الانتخابي في الدور الأول في السباق الرئاسي ثم في الدور الثاني، ومؤخرا حين التقطت صورتها عدسات الكاميرا عقب إعلان النتائج، دون أن تدلي بتصريحات إعلامية، أو يظهر لها موقف واضح من قضية ما.
لكن ذلك لا يلغي الدعم الصامت الذي حصل عليه سعيّد من زوجته. ترجمت ذلك الحماس النسوي أرقام شركة سبر الآراء المحلية سيغما كونساي، حيث أنّ 73.4 بالمئة من النساء مقابل 79.2 بالمئة من الرجال من مجموع الناخبين الذين صوتوا لسعيّد. ويلفت المحلل السياسي.
وُلدت شبيل، وهي أول قاضية تسكن قصر قرطاج، في محافظة صفاقس شرق وسط البلاد. وعلاقتها بسلك القضاء تعود إلى نشأتها حيث كان والدها قاضيا بمحكمة الاستئناف. يتذكر عنها من عرفها من العائلة والأصدقاء بأنها كانت طالبة متفوقة. بدأت مسيرتها الدراسية في المدرسة الفرنسية بسوسة، ثم انتقلت إلى مدرسة البنات الثانوية. وبعد تحصلها على شهادة البكالوريا قررت أن تتخصص في مجال القانون.
تخرجت من المعهد الأعلى للقضاء بشهادة في العلوم الجنائية. وشغلت منصب وكيل رئيس المحكمة الابتدائية بتونس. وهي اليوم مستشارة بمحكمة الاستئناف. وعن لقائه بزوجته، قال قيس سعيّد إنه كان على مدارج الجامعة. وتوجت قصة الحب في أواخر ثمانينات القرن الماضي بالزواج وإنجاب ثلاثة أبناء هم عمرو وسارة ومنى.