البترون تنتفض و”تقلب الطاولة” على باسيل* أورنيلا عنتر
النشرة الدولية –
على الرغم من أن أعداد المتظاهرين في البترون لم تتخط الألفي شخص، إلا أن الرسالة وصلت: لم يعد هناك من بقعة أو مربّع لـ”زعيم”، إلا وخرقته أصوات اللبنانيين المصمّمين على التغيير. في مربّع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، في البترون، حيث سقط في الانتخابات مرتين قبل أن ينتخب نائباً في الدورة الماضية، تجمّع أهالي المدينة وقرى القضاء ليقولوا “كلّن يعني كلّن”، وعلى رأسهم ميشال عون وجبران باسيل.
أجواء احتفالية
تحت جسر الحديقة في البترون، على الأوتوستراد الذي يربط الشمال ببيروت، قطع المتظاهرون الطريق من الجهتين. تجمّعوا تحت الجسر، فوقه وعلى عتبات سلّم المشاة الذي يؤدي إلى الأوتوستراد. رسموا على الحائط الداخلي للنفق صورة شخصية ثائرة تحمل في يدها شعلة من النار كتب تحتها كلمة ثورة. أمّا على جانب الطريق، فتم عرض فستان عرس أبيض تتوسّطه أرزة خضراء كتب المتظاهرون عليه شعارات بالحبر الأحمر، فيما يبدو تعبيراً من قبل المتظاهرين عن العرس الوطني الذي يشهده لبنان. وسط الطريق، نُصبت الخيم وأشعلت الأراجيل فيما يظهر أنّ الناس نقلوا جلساتهم من المنازل إلى الطرقات.
في الظاهر، الأجواء في البترون احتفاليّة أكثر مما هي مطلبية أو سياسية، حيث اعتلى بيتر بطرس منصّة صغيرة وضعت على طرف الطريق وقام بتأدية أغان ثورية ووطنية، حيّا من خلالها الشعب والجيش وعبّر عن غضبه ضدّهم كلهم صارخاً “كلن يعني كلن”. هذا في الظاهر. أمّا عندما يُسأل المواطنون بشكل فردي عن السبب الذي دفعهم إلى المشاركة في الاحتجاج، فتظهر عندها الصورة الحقيقية لنقمة البترون على العهد وعلى أسياده. يقول الشاب توفيق طنوس أنه اختار أن يرسم على وجهه ملامح شخصية جوكر من الفيلم الهوليوودي قبل أن يتوجه للمشاركة في الاحتجاج لأن هذه الشخصية تعبّر عن الانتفاضة والثورة التي يشهدها لبنان اليوم. هل تنتفض البترون اليوم؟ يعتبر توفيق أن “الأعداد في منطقتهم ربما لا تضاهي أعداداً أخرى في المناطق اللبنانية لكن الرسالة الموجهة إلى المسؤولين في البترون وصلت”.
الانشقاق عن التيار والخيبة من الرئيس
يحمّل توفيق كل الأحزاب اللبنانية مسؤولية الفشل في إدارة الدولة إذ يعتبر أنّهم كلهم يتشاركون الحصص في السرقة والفساد، لذلك يرفض مشاركة مناصري الاشتراكي والقوات اللبنانية للحراك. وعن توجهه السياسي الخاص، يعترف أنّه كان يؤيد التيار الوطني الحر سابقا. أمّا اليوم، فيرى توفيق أنّ التيار الوطني الحر لم يكن على قدر المسؤولية التي أعطيت له، لم يقوموا لا بالتغيير ولا بالإصلاح، جل ما تغيّر هو الرقم في حسابهم المصرفي الذي راح يكبر ويكبر. ويضيف: “لم يعد يعنيني أن يكون ميشال عون رئيساً، تعنيني البيئة التي تسلّم حقيبتها وزيراً للتيار الذي يشيد سداً في منطقة بلعا. ونعرف كلنا أنه لن يمتلئ بنقطة مياه واحدة”.
يرفض أحد الشبّان أن يدلي باسمه لكنه يريد، وبشدّة، أن يعبّر عمّا في قلبه على حدّ قوله. الشاب البالغ من العمر 24 سنة وهو عاطل عن العمل منذ سنة ونصف منذ تخرجه من الجامعة يقول أنّ حاله حال شبّان البترون ولبنان: “كنت من مؤيدي التيار الوطني الحر لكنني لم أعد أؤيّدهم اليوم”. ما الذي تغيّر؟ يقول أنّ من جهته لم يتغيّر شيئاً بل التيار الوطني الحر هو الذي تغيّر ولم يف بوعوده لا بالتغيير ولا بالإصلاح. ويضيف: “كنت أحبّ ميشال عون قبل أن ينتخب رئيساً إلا أنه اليوم خيّب ظني، خاصة أنه قبل انتخابه رئيساً رفع سقف التوقعات عالياً”. سيواظب الشاب على التظاهر يومياً إلى أن تتغير الأمور في البلد، ولا يعود بحاجة لتقبيل الأيادي لكي يتوظّف ويعمل بشهادته الجامعية، وسيواظب على رفع شعار “كلن يعني كلن”.
عتب على “القوات” أيضاً
من جهته، يقول أندريه درغام، وهو شاب من البترون عاطل عن العمل، أنه يتظاهر نقمة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. يعترف أندريه أنه في الدورة الانتخابية الماضية اقترع لصالح النائب القواتي فادي سعد، ليس لأنه محازب بل لأن القوات يبدو له الحزب الأقرب إلى تطلّعاته. ولدى سؤاله عما إذا كان التيار الوطني الحر يتحمل وحده مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، يعتبر أنّ “ميشال عون لم يكن أصلاً مؤهلاً لكي يكون رئيساً للجمهورية، خاصة أنّ التيار لم يقدم أي شيء للبلد لا قبل العهد ولا بعده”. وعن استقالة وزراء القوات اللبنانية، يعتبر أندريه أن الاستقالة جاءت متأخرة وأن الحزب أخطأ في مجاراته للعهد. ويختم: “في الحقيقة، القوات أخطأوا في إيصال عون إلى سدة الرئاسة في الأساس”.
هذا ومن المتوقع أن تزداد أعداد المتظاهرين في البترون. فهي وصلت يوم الأحد إلى ذروتها، منذ بدء الاحتجاجات يوم الخميس. في المقاهي في مدينة البترون وفي البلدات، في الساحل وفي الجرد، يتذمّر الجميع من الحالة التي وصلت إليها البلاد. ولكن يمتنع عدد كبير منهم عن النزول إلى الشارع. إذ أن باسيل ما زال يحكم قبضته على المنطقة. الألفي شخص الذين نزلوا إلى الشارع، إضافة إلى الآلاف والآلاف التي تتجمّع في مناطق مختلفة، وتجتمع كلها حول الهتاف ضد العهد الباسيلي أكثر من العهد العوني، يجعل البلد بشكل عام ومسقط رأسه بشكل خاص ينزلق كالزئبق من بين قبضته.