الخريطة السياسية للقوى الشيعية المناهضة للأحزاب الدينية* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
ما يميز التظاهرات التي عصفت بالمناطق اللبنانية كافة أنها حركة عابرة للطوائف، والأهم هي الحركة الاحتجاجية الجريئة ضد الثنائية الشيعية المسيطرة منذ سنوات على الشارع الشيعي، خصوصاً في الجنوب، معقل “حركة أمل” و”حزب الله”، حيث هاجم محتجون ينتمون إلى الطائفة الشيعية مقرات نوابهم من الحزبين، وأطلقوا هتافات منددة بهم، في مناطق كانت تعتبر خطاً أحمر بالنسبة لهذه الثنائية.
“اندبندنت عربية” استطلعت آراء بعض الناشطين والصحافيين الذين ينتمون للطائفة الشيعية، وقال لقمان سليم كاتب ومحلل سياسي وناشر لبناني، إن “أهمية ما يحصل اليوم هي الحركة العابرة للطوئف، وهذا المشهد هو أكثر ما يقلق السلطة. وما نشهده هو نتيجة طبيعية لتراكمات عمرها سنوات، وهذا ليس انقلاباً في المزاج الشيعي، الانقلاب يحصل بين ليلة وضحاها، ما يحصل هو تبلور للتغيير في المزاج الشيعي، كالجني الذي يخرج من القمقم”.
لمَ وصل الشارع الشيعي إلى هذه القناعات؟
وأضاف سليم “إنه مسار تراكمي عبر عن نفسه بهذه الطريقة. لسنوات كانت الطائفة الشيعية معزولة عما يجري في لبنان، منذ 2005 وحتى اليوم، عند نشوء قرنة شهوان لم تجد شريكاً لها من الشيعة إلا حبيب صادق، والسيد محمد حسن الأمين كان في طليعة من أعطوا الشرعية لـ 14 آذار. أما اليوم مع ما نشهده في صور من مشاهد قمعية من قبل زعران الرئيس بري، الذي لا يملك غير هذه الوسيلة لحماية صورته وصورة رجاله، وحسن نصر الله الذي لا يملك غير لغة الوعيد وتهديد الشارع وإبعاد الكأس المرة عن رئيس الجمهورية، هذا الرئيس الذي أُتي به ضمن تسوية ضغط فيها الحزب، لتولي ميشال عون منصب الموارنة، وفشلوا. الناس في صور لم تسمع خطاب نصرالله، كان ما يجري في الطائفة الشيعية ملكها وحدها، أما اليوم نرى هذا الشارع من ضمن حركة احتجاجية عامة”.
وكانت قيادتا “حزب الله” (منطقة الجنوب الأولى) و”حركة أمل” (إقليم جبل عامل)، قد عقدتا اجتماعاً مشتركاً في مدينة صور، وصدر عن الاجتماع بياناً مندداً بالتعرض من قبل مندسين لمقامات وطنية كإمام الوطن والمقاومة الإمام موسى الصدر الذي كان إلى جانب المحرومين والمستضعفين، ودولة الرئيس نبيه بري القامة الوطنية الشامخة الذي حمل بندقية المقاومة يوم تخلى عنها كثيرون، وحمل تنمية الجنوب على كتفيه، وشكل على الدوام صمام أمان وحدة الوطن، والمدافع الأول عن المطالب المحقة والرافض الدائم لإضافة أي ضرائب تطاول الطبقة الفقيرة والمتوسطة”.
يرد سليم، “لقد اكتشفت الناس فعلياً من يحمي الفاسدين، الرئيس الماروني بحاجة لقوة شيعية لحمايته وللدفاع عن صورته، الرئيس بري يصطدم بجمهوره الذي يصفه بالحرامي واللص، فلا يجد غير السيد ليدافع عنه. إذاً المعادلة واضحة من يحمي هذه المنظومة من أمراء حرب وفاسدين هو حزب الله”.
وعن إمكانية السلطة من امتصاص النقمة الشعبية؟
يؤكد سليم “ما حصل ليس بسيطاً على الإطلاق، السلطة تملك الكثير من أدوات القمع وهذا ما نراه، لكن هناك محرمات انكسرت وسقطت أصنام. ما حصل لا يمكن أن يمحى من سيرة نبيه بري، أصبح اسماً لكل الفاسدين، كما أن صورة السلطة ككل انكسرت، ولا يمكن إعادة ترميم هذه الصورة، والهبّة الشعبية انطلقت لتبرهن أن مفتاح التغيير في صفوف الطائفة الشيعية”.
لكن هل من الممكن إرضاء الشارع ببعض الوعود؟
يرد سليم “العلاج الموضعي لم يعد ينفع، إعطاء المسكنات لن يهدئ الشارع، ووعود سيدر وغيرها بحاجة لإصلاحات جذرية، وهذا بالأصل كان مطلب المجتمع الدولي. لن يعطى فلساً واحداً لطبقة من الفاسدين، ولم يعد باستطاعة أحد أن يقنع أو يحتال على الوعي العام”.
فاروق يعقوب من حولا قضاء مرجعيون في الجنوب، يساري وناشط مدني وسياسي، قال لـ “اندبندنت عربية”، “إنها ليست المرة الأولى التي تنشب بها صدامات بين اليسار الشيعي وثنائية “أمل” و”حزب الله”، لقد تواجهنا معهم مراراً وتكراراً، لكن ما يميز هذه الحركة اليوم هو طبيعة الناس التي عبرت عن غضبها تجاه هذه الثنائية. ناس من خارج الدائرة المعروفة، غير حزبية أو مؤطرة أو مؤدلجة بآلية الصراع، مواطنون عاديون سئموا الوضع المعيشي فعبروا عن سخطهم بهذه الطريقة، وهنا تكمن أهمية الصراع”.
لكن ألا يوجد خوف من رد فعل هذه الثنائية، أولاً لأنها تملك السلطة وثانياً السلاح؟
يقول يعقوب، “بالفعل نزلت عناصر من حركة أمل في النبطية (بلدة في الجنوب اللبناني) وأطلقت النار في الهواء عشوائياً للتخويف ولتؤكد وجودها وقوتها، ولأنهم اعتبروا أن هؤلاء المواطنين تخطوا الحدود، لكن الناس كسرت حاجز الخوف، ولم تعد تستطيع أن تمرر ممارسة الفساد العلني من قبل الحركة. فعناصرها يتباهون بممارسة أعمال السلبطة والتنفيعات لأزلامهم. باختصار الحركة فقدت احترام الناس، وما يحمي الحراك في الجنوب أن الجميع يعرفون بعضهم بعضاً لذا لا يستطيعون قتل أو التعرض مباشرة للأشخاص. لكن بقدرتهم ممارسة عمليات التخويف، إذ يكفي أن تمر سيارة تابعة للحزب أمام بيت أي معارض حتى تصله الرسالة، ومع هذا لا رجعة إلى الوراء، الناس مستمرون”.
وفي هذا السياق قد يتميز الحزب عن الحركة، خصوصاً أن الحزب رفع لواء محاربة الفساد؟
يرد يعقوب “الحقيقة أن الحزب غير بعيد من ملفات الفساد، لكن ممارسته تكون مبطنة ولا يجاهر، وهو ساعد كثيراً في تشويه صورة حركة أمل، عبر نشر البروباغندا عن فساد الحركة، وأنها ميليشيات حرب، إضافة إلى ترسيخ الصورة النمطية الكوميدية لعناصر الحركة، ما ساهم بإضعافها، وهذا جل ما يريده الحزب، إضعاف الرئيس بري، كي يأخذ مكانه في السياسة، لذا لا أحد يحترم عناصر الحركة. في المقابل لا يزال الحزب يملك هالة من الاحترام، مع أنه يمارس الفساد لكن عبر سلسلة طويلة وليس بشكل مباشر”.
يعني نستطيع القول إن مواجهة الحركة أسهل من مواجهة “حزب الله”؟
أجاب يعقوب “حزب الله حزب مؤدلج، يملك سلاحاً وأموالاً طائلة، وقد سيطر شيئاً فشيئاً على المفاهيم الاجتماعية للجنوبيين، موضوع الصراع الاسرائيلي، وهذا موضوع حساس جداً لأهالي المنطقة، لذا تبعوا الحزب الذي هو من النسيج الجنوبي وشيعي، وهو استغل جيداً هذه الناحية، فحوّل الدين إلى أداة لتطويع الناس، إضافة إلى ممارسة الإرهاب اليومي بجاهزيته وبقوة عناصره ونظاميته، لذا مواجهته صعبة وبحاجة لنفس ووقت طويلين، غير حركة أمل التي هي بأضعف مراحلها، وإذا رحل بري تنتهي هذه الحركة”.
حازم الأمين صحافي وكاتب، من جنوب لبنان، رفض وضعه تحت مظلة طائفية وأعطى رأيه كمراقب، واعتبر أنه “من المبالغة الحديث عن انقلاب في المزاج الشيعي اليوم، إنها لحظة انفعال وغضب، يعني هؤلاء الأشخاص سينتخبون كما العادة في الانتخابات المقبلة. لكن ما شهدناه في الأشهر الأخيرة من قبل السلطة من ممارسة للفساد وشراهة وتغول على المناصب والمال العام، بوقاحة شديدة، وأمام أعين الناس ومن دون خجل، أنتج هذا التحرك الذي يعبر عن الغضب من هذه الممارسات”.
هل لهذا التحرك جذور؟
يقول الأمين إن “الحرب السورية انتهت، بالتالي استحقاقات السلم أصعب، وهذه الثنائية لا تعرف غير لغة الحرب، ربحت الحرب وبعد، ماذا؟ وهذا ينطبق على الجميع بشكل أو بآخر، يعني الناس مزقت صور سعد الحريري ونجيب ميقاتي في الشمال، لكن هل هذا يعني أن الناس لن تنتخبهما في الانتخابات المقبلة”؟
وخلال لقائنا مع الأمين، كان السيد حسن نصر الله يوجه خطاباً للمتظاهرين، هل سيؤثر هذا الخطاب في حركة المتظاهرين؟
يرد الأمين “قد يمتص هذا الخطاب جزءاً من التوتر، إنما هذا التحرك يتمتع بديناميكية خاصة، ويعمل وحده، لذا نواة هذا التحرك سوف تبقى، وسوف تجذب مرة جديدة الناس إلى الشارع إذ لم تكن هناك حلول واضحة. ومع هذا كشفت خطابات سعد الحريري وحسن نصرالله وجبران باسيل، عجز هذه السلطة عن إدارة الأزمة، المشكلة ليست مشكلة واتساب بل أعمق بكثير”.
وعن استمرارية الحركة المناهضة للثنائية الشيعية، يقول الأمين “لا يطلب من هذا الحراك أكثر في الوقت الحاضر، ما حصل ليس بسيطاً، بل وكاف، وهو درس مهم للمراقبين للشارع والقيادة الشيعية”.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”