الحشد الشعبي يجهز فصائله للصدام مع المحتجين العراقيين… إيران وحلفاؤها عاجزين عن مواجهة الاحتجاجات
النشرة الدولية –
باتت إيران وحلفاؤها في العراق من أحزاب وميليشيات عاجزين عن مواجهة مرنة تؤدي إلى وقف موجة الاحتجاجات التي تزداد قوة واتساعا مع كل جمعة جديدة، وهو ما قد يدفع بميليشيا الحشد الشعبي إلى خيار تفكيك الاعتصامات والتظاهرات بقوة السلاح مستفيدة من إشارات المرجعية الدينية وإيران.
ويتزامن فشل التكتيك الإيراني في احتواء موجة الاحتجاجات العراقية عبر الوعود بإصلاحات اقتصادية وسياسية، كان آخرها مبادرة الرئيس العراقي برهم صالح بالدعوة إلى تعديل قانون الانتخابات، مع تركيز الشعارات المرفوعة في المظاهرات على مهاجمة إيران وكشف تآمرها على الانتفاضة المستمرة لأسابيع.
وتعتقد أوساط سياسية عراقية أن المناورات السياسية والوعود التي عرضتها الطبقة السياسية وصلت إلى طريق مسدود، وأنه لم يبق لإيران سوى مواجهة عشرات الآلاف من المحتجين مثلما أوحى بذلك خطاب المرشد الأعلى علي خامنئي الأربعاء.
وبدأ الحشد الشعبي يستعد لفرضية الحسم بالقوة العسكرية، وأقام مساء الخميس استعراض قوة من خلال تظاهرة سيارة في شوارع بغداد.
وصرح مسؤولون أمنيون عراقيون لرويترز بأن جماعات مدعومة من إيران نشرت قناصة على أسطح البنايات في بغداد لمحاولة إخماد الاحتجاجات.
وفي اجتماع سري عقد ببغداد الأربعاء، تدخل قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني وطلب من قيادات الحشد الشعبي الاستمرار في دعم رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي حسبما ذكرت خمسة مصادر على دراية بما دار في الاجتماع.
وقال مسؤول إيراني، طلب عدم الإفصاح عن هويته، إن الأمن العراقي “مهم بالنسبة لنا وقد ساعدناه من قبل. قائد فيلق القدس يسافر إلى العراق ودول أخرى بالمنطقة من آن إلى آخر، وبخاصة عندما يطلب منا حلفاؤنا العون”.
وصرح مصدر آخر على دراية بمجريات الأمور في الاجتماع بأن الكثير من قادة الحشد الشعبي عبروا “عن مخاوفهم من أن الإطاحة بعبدالمهدي ستكون مقدمة للسعي وراء إضعاف الحشد الشعبي”.
وينسق فيلق القدس العمل مع الجماعات المدعومة من إيران في العراق وسوريا ولبنان، وكثيرا ما يتردد قائده على العراق. لكن تدخله المباشر هو أحدث علامة على تزايد النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة.
ويرى مراقبون أن إيران تجد نفسها مستفيدة من أي حالة اضطراب تنشأ وتحولها لصالحها فيما تعجز هي وحلفاؤها عن إدارة الحوار مع الشارع المنتفض، مشيرين إلى أن الحشد يتقدم ليكون حامي النظام طالما القوى الأمنية الحكومية عاجزة وهو الأمر الذي يرسخ دوره كحرس ثوري.
وبات واضحا أن استعراض القوة الذي يلجأ إليه الحشد هدفه تأكيد أنه الآمر الناهي في العراق، وأن في ذلك رسالة لمن يفكر بتحييد الحشد أو إقالة قياداته السياسية، وهو رد بشكل مباشر وحيني على ما قاله الرئيس العراقي برهم صالح بأن على القوى المسلحة التابعة للأحزاب أن تتولى تسليم سلاحها.
وتدفق الآلاف من العراقيين، بعد صلاة الجمعة، إلى الساحات العامة في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى وسط البلاد وجنوبها، للمطالبة باستقالة الحكومة وإصلاح النظام السياسي، وسط زيادة منسوب النقمة بين المحتجين على تدخل إيران في الأزمة.
وعبر الآلاف من العراقيين، في ساحة التحرير وسط بغداد، عن استيائهم من تدخل إيران في الشؤون الداخلية للعراق، ولاسيما في أزمة الاحتجاجات، مرددين هتاف “إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة”.
وتناقلت وكالات الأنباء العالمية صورا لمحتجين يمزقون صورا لخامنئي وسليماني في بغداد والناصرية.
وقال مراقب سياسي عراقي “بعد التحذير الذي أطلقه السيستاني من مسألة استعمال القوة المسلحة في قمع التظاهرات لا تملك القوى المضادة للحراك الشعبي سوى أن تحرك أعوانها في تظاهرات مسلحة يغلب عليها الطابع المدني”.
وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب” أن هذا التمشي يعني أن القوى المضادة للانتفاضة ستتجه إلى استعمال أفراد من الحشد الشعبي في تنظيم تلك التظاهرات التي قد تلجأ إلى استفزاز المحتجين في أماكن مختلفة من بغداد، ما دام الاقتراب من ساحة التحرير على قدر من الصعوبة بسبب الحيطة التي صار يمارسها المحتجون خشية أي يدخل مسلح محتمل.
وصارت الطبقة السياسية في حيرة من أمرها بعد أن أصبح الرهان على إقالة حكومة عبدالمهدي شيئا من الماضي بسبب الإصرار الإيراني على بقائه. ويخشى الإيرانيون أن تكون تلك الإقالة بداية لانهيار النظام السياسي، خاصة وأن البديل لن يكون مقنعا ما دامت تلك الطبقة لا تغادر الدائرة الضيقة التي تتحرك فيها. لذلك قد يُترك الأمر للصقور الموالين لإيران من أجل معالجة الموقف الذي يزداد صعوبة مع الوقت.
وإذا ما كانت الحكومة قد استنفدت خياراتها في إيجاد حل مقنع للأزمة فإن زعماء الميليشيات بدورهم لا يملكون إلا خيار التدخل المسلح، وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى سقوط ضحيا مدنيين مما قد يهدد باشتعال الأزمة بطريقة قد تجعل الأوضاع خارج السيطرة وبما ينذر بموقف عالمي شديد اللهجة في تنديده.
ويخلص المراقب إلى التأكيد أن انسداد أفق الحل قد يؤدي إلى تمزق الطبقة السياسية بما لا يساعد على صعود قيادة جديدة يمكنها إدارة الأزمة في الحدود الدنيا منها، الأمر الذي يعني أن الكثيرين سيقفزون من مركب النظام الذي يوشك على الغرق في بحر الاحتجاجات الشعبية.