نظام الجامعات الجديد… وميزان القوى* أمل عبد العزيز الهزاني
النشرة الدولية –
مثل غيري من المهتمين، كنت قد اطلعت قبل سنتين على مسودة مشروع نظام الجامعات السعودية الجديد، وقد أخذ ما يكفيه من دراسة من اللجنة المعنية، وخرج للنور قبل أسبوع مع إقراره من مجلس الوزراء السعودي.
مواد النظام متوفرة على صفحة وزارة التعليم وغيرها من المواقع، ويمكن الاطلاع عليها بالتفصيل؛ لكني سأعبر معلِّقة على بعض النقاط. ولكن قبل ذلك، من المهم الإشارة إلى أن خلاصة النظام الجديد تتمحور حول الاستراتيجية الجديدة نفسها للدولة، في محاولتها الخروج من ثوب الدولة الريعية المعتمدة على النفط، إلى دولة تملك القدرة على إنتاج موارد متنوعة.
الجامعات مع النظام الجديد ستجاهد للخروج من فكرة المؤسسة المعتمدة كلية على الدولة في إنفاقها، إلى مؤسسات قادرة على ضخ موارد مالية تقوم بها على مصاريفها. والهدف الرئيسي لذلك ليس كما يبدو أن الدولة تريد التخلص من أعباء الإنفاق العالي للجامعات من ميزانيتها، وإن كان هذا من حقها ومبتغاها، ولكن الهدف الرئيسي هو دفع الجامعات لبلوغ النضج الإداري بتحمل مسؤوليتها الإدارية والمالية والأكاديمية، وتغيير ثقافة الاتكال والاتكاء إلى الوقوف بثقة للمنافسة وإثبات الذات.
النظام الجديد للجامعات سيغير خريطة التعليم العالي في المملكة، إنْ نجحت الجامعات الثلاث المختارة كمرحلة أولية في الاختبار. والاختبار هنا هو تحقيق الكفاءة بما تتضمنه الكلمة من جودة تعليم وحوكمة رشيدة واكتفاء ذاتي.
من الجامعات المختارة؛ جامعة الملك سعود في العاصمة الرياض، وجامعة الملك عبد العزيز في جدة، وهما الجامعتان الأقوى على مستوى المملكة، والأقدر على تحقيق مواد النظام الجديد، لما تملكانه من بنية تحتية وموارد بشرية. مع هذا، سيظل أمام هاتين الجامعتين تحدٍّ كبير، وتحول منهجي في إدارة المؤسسة.
ولعل الحديث عن التعليم لا ينتهي، ولكن مما تكرر ذكره، هو أن السعودية بمساحتها الشاسعة، والعدد الكبير في جامعاتها، وكلياتها الناشئة التي تخدم كل المناطق، بحاجة إلى التخصيص، أي أن تختار كل منطقة تخصصات معينة لمؤسساتها؛ بحيث تصبح هي مركز معلومات ومصدراً بشرياً لهذا التخصص، بدلاً من إغراق السوق بتخصصات من كل المناطق.
«رؤية المملكة 2030» ترى أن السعودية بحاجة إلى جامعات بحثية، ترمي بثقلها في الأبحاث العلمية في كافة التخصصات، وتنافس عالمياً على براءات الاختراع، وبيع منتجاتها البحثية. وأيضاً الحاجة قائمة لجامعات تركز على التدريس وتطوير أساليبه، لتكون مخرجاتها مؤهلة لسوق عمل تبحث عن كفاءات متمكنة علمياً. النوع الثالث من الجامعات هي التطبيقية؛ خصوصاً لدرجتي الدبلوم والبكالوريوس، وهذه الجامعات تحديداً سيكون لها دور كبير على المدى البعيد، بالنسبة لدولة تطمح في مرحلة ما للدخول في عجلة الصناعة والإنتاج والوظائف الفنية الحرة.
النظام الجديد أيضاً فتح الباب أمام الجامعات للاستثمار، وإنشاء شركات، أو المساهمة فيها، وبرامج أوقاف من المنح وغيرها؛ أي خصخصة جزئية. وغني عن الذكر، وربما سبق لي أن ذكرت مراراً عبر هذه الصفحة، أن أحد أهم عناصر النجاح للجامعة وسمعتها، هو قدرتها على بناء برنامج وقفي يمنحها اكتفاء ذاتياً في الإنفاق.
ستحقق الجامعات ما كانت تنادي به سابقاً، وهي الاستقلالية؛ لكنها ستكون تحت مظلة مجلس شؤون الجامعات، وستُمثل الجامعة برئيسها عضواً. ستكون لكل جامعة حرية وضع لوائحها الإدارية والمالية والأكاديمية؛ لكن سيكون إقرارها من خلال المجلس. هذه الحرية، أو كما سماها النظام «الاستقلالية المنضبطة»، ستحفز على التنافسية بين الجامعات الثلاث المختارة، ثم بعد سنتين بين كل الجامعات. لن تتمسك الجامعات بعد الآن بتخصصات عتيقة لا مستقبل لخريجيها، ستبحث عن الجديد والواعد، ستعمل المستحيل لتكون في الطليعة.
والحقيقة أن الجامعات السعودية مرت بمراحل تطويرية في السنوات العشر الأخيرة؛ لكن تذبذبت بين الإقدام والتراجع؛ لأن نتائج التصنيفات العالمية أو المحلية كانت تقيس مؤشرات الأداء وتقدمه للجامعات فقط. لم يكن للرقيب دور في المحاسبة أو المكافأة؛ لكن مع الوضع الجديد فإن عين الرقيب لن تكتفي بالنتيجة. البذل والعمل الدؤوب مطلوبان لإرضائه.
على الجامعات الثلاث اليوم عبء التحول، وبذل جهود كبيرة لتطبيق النظام، وهذا التحول سيشمل الوسائل والأفكار، وحتى الطموحات؛ لأن القيادة السياسية التي أقرت النظام لديها سقف عالٍ، وتنتظر خلال سنتين من الآن نتائج ملموسة للتحرك في اتجاه الصعود.
من ميزات النظام الجديد أن كل رئيس جامعة سيدرك أنه قائد لكتيبة، يستحيل أن ينتصر من دونها، مهما علت كفاءته الشخصية. هذا نظام لتشغيل واستثمار كل الكوادر بما فيها الطلابية، والإصغاء لكل المقترحات والملاحظات، والمشاركة في صنع القرار.
إنه تحدٍّ كبير ولا شك، وإقراره من مجلس الوزراء يؤكد مدى عناية القيادة بالتعليم ومخرجاته، وأيضاً ثقتها بمؤسسات التعليم ومنسوبيها، وإلا لم تكن لتضع نظاماً تقدمياً على هذا المستوى.
نقلاً عن الشرق الأوسط