ما بين العراق وجميلات الصين.. لعنة تطاردهما حتى الممات!* مها الجويني
النشرة الدولية –
تقول الأساطير الصينية إن هناك نذير شؤم يلحق بكل فاتنة، فيجعلها تواجه بئس المصائر وبئس العذابات، بداية من الفاتنة شيشي، وهي حسناء صينية عاشت في القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت الطيور من حُسنها، وانتهت حياتها قبل العشرين من عمرها وهي قتيلة بيد غادرة، وهي ميتة لا تختلف في بؤسها عن موت جيانغ كينغ، حسناء الأوبرا الصينية، زوجة الزعيم الصيني ماو تسي تون.
قد لا يجد أهل الصين تفسيراً مقنعاً لهذه النهايات الأليمة التي تلحق بكل امرأة فاتنة سوى أن الطبيعة بكل مكوناتها، كالأسماك والرياح والورود والشمس والقمر والمياه، تغار من الجميلات وتعتبر أن جمالهن تحدٍّ صارخ للطبيعة وضرب من الغرور ومن الكبر عليها.
فوجه جميلات الصين كوجه بغداد ساعة السحر، فاق الشمس ضياء ونوراً.
تقول الروايات إن الأسماك كانت تنزعج من وجه وانغ زاو جونغ، فحين يتراءى لها في المسبح تغار الأسماك والمياه كما تغار السماء من حسن بابل وسومر وسمراء وبغداد، فقررت لعنها مرَّة بسيف الحجاج بن يوسف، ومرَّة بجيش المغول وقبله بالحاكم الظالم ذي الخنصر، وصولاً إلى إبراهيم صالح الذي جعل من عراق القِيم سجناً يضيق بأبنائه.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يبكي فيها الشارع العراقي ألماً ونحيباً وبكاءً، كأن قدَر العراق منذ القدم أن يواجه اللعنات والكرب، وأن يبقى على قيد الحياة كأن لا دماء سُفكت ولا شهيد قُتل.
هذه المظاهرات لا تشبه غيرها، لقد صاح العراقي اليوم: نريد وطناً! نريد أرضاً! نريد سماء لا تقصفنا بالقنابل!
وكأن شعب بابل غدا مشرَّداً في أرضه أو لاجئاً دون لجوء، وقتيلاً دون عدوان خارجي واضح ودون حرب واضحة المعالم، فلماذا صرخ ذلك الرجل؟ ولماذا قطعت الحكومة العراقية الإنترنت والكهرباء على الشباب، حتى لا تصل أصواتهم إلى العالم، الذي يراهم منذ سنوات ويشهد أنهم شهداء لحكومات متعاقبة اتفقت على تكرير وجع كربلاء كل لحظة.
بغداد وهل عذَّب الله مثلك في الدنيا أجمعها؟!
أكثر من مئة قتيل وستة آلاف جريح، وحظر تجول في بغداد، بالإضافة إلى ملاحقات أمنية تطول كل من يشتبه في أنه يتظاهر أو يستاء من الوضع. لكن العراقي كما شعب بابل، تحدى المحظورات كما فعل أسلافه حين كانوا يقطنون الرافدين وقرروا بناء برج يطول السماء؛ وهو ما سبَّب غضب الآلهة واعتبرته غروراً منهم، كيف لبشر أن يقرروا معانقة السماء؟!
فعوقبوا شرَّ عقاب بأن تفجَّر البرج، وتشتَّت البشر في كل بقاع الأرض، واندثروا وتشتت لغتهم الواحدة وقلبهم الواحد ودون أن يمس الشتات حُب التحرر فيهم والتوق إلى الحرية والشوق إلى بلاد الرافدين الساكن بوجدانهم، فترى كل شاعر في قوم يحلم ببغداد، وكل نبي يصلّي للعراق، وكل كتاب سماوي يذكر قصة أهل العراق قديماً، فلقد جاء اسم بابل في الكتاب المقدس ثلاث مئة مرَّة، وهي أكثر المدن ذكراً بعد أورشليم، لقد جاء في سِفر الرؤية: «وَيْلٌ، وَيْلٌ، الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ بَابِلُ، الْمَدِينَةُ الْقَوِيَّةُ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ جَاءَتْ دَيْنُونَتُكِ».
ينشد المتصوفة في وطني: «يا فارس بغداد آه يا جيلاني أحضر يا صداد بالك تنساني».
يشهد العهد القديم بأنها المدينة العظيمة، ويشهد الإسلام بأنها مرقد الإمامين.
ينشد كريم العراقي:
وأنا الجميلُ السُّومريُّ البابليُّ كانت يدي قيثارةَ العشاقِ
ملأتْ فضاءاتِ الوجود قصائدي حتى كأنَّ الشعرَ صوتُ عراقي
القصيدة واللازورد والعقيق والجوري والأقحوان والمها الذي يتهادى طيفه بين الرصافة والجسر، كلها عراق، فكيف لهذا الجمال أن يموت؟! وكيف يموت جمالٌ تُباركه مياه دجلة والفرات، وتحفظه ملائكة السماء؟!
الإجابة هي محمود درويش حين يقول: «الجميلات هُنَّ القويّاتُ. يأسٌ يضيء ولا يحترق الجميلات هُنَّ الأميرات
رَبَّاتُ وحيِ قَلِقْ. الجميلاتُ هُنَّ القريباتُ. جاراتُ قوس قُزَحْ».
نقلاً عن عربي بوست