رسائل “واتساب” مفبركة تشوش على التظاهرات اللبنانية* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

نشرت قناة “أو تي في”، التابعة للتيار الوطني الحر، مساء الأربعاء السادس من نوفمبر (تشرين الثاني)، تغريدتين نسبتهما إلى مصدر عسكري لبناني، تناولتا مناشدة أهالي طلاب للأجهزة الأمنية حماية أولادهم، من خروقات تحصل على هواتفهم عبر تطبيق “واتساب”، بعد اكتشاف رقم تركي باسم إسرائيلي يخاطبهم، ويحرضهم على التظاهر، ويطلب منهم التواجد في بعض المناطق.

وكان تجمع “إعلاميون من أجل الحرية”، أشار في بيان إلى أن خطورة هذا الخبر كبيرة “لا سيما أنه يوحي بأن الثورة الطلابية مخترقة من الخارج، وتتضاعف خطورته بنَسبه إلى مصدر عسكري”. وطالب “إعلاميون من أجل الحرية”، قيادة الجيش اللبناني، “بجلاء الحقيقة كاملة، والتحقيق وإحالة الملف الى القضاء لتحديد المسؤوليات، كما نطالبها بموقف واضح في حال كان هذا الخبر كاذباً باعتباره يندرج ضمن إطار التحريض والتخوين”.

 

توضيح قيادة الجيش

وصدر لاحقاً بيان عن مديرية التوجيه في قيادة الجيش أوضح أن “بعض وسائل الإعلام تداول خبراً منسوباً إلى مصدر عسكري يتعلق بتحقيقات تجريها القوى الأمنية عن خلفيات تظاهرات الطلاب ومن يقف وراءها. يهم قيادة الجيش أن تنفي هذا الخبر، وتدعو وسائل الإعلام إلى توخي الدقة في نقل الأخبار التي تتعلق بها”.

لا تفاعل

لم يتفاعل الشارع مع الخبر، حيث نزل الطلاب إلى الساحات في كل المناطق اللبنانية، طلاب من المدارس في المرحلة الثانوية والمتوسطة، وطلاب جامعيون من الجامعات الخاصة واللبنانية، بعد أن كانوا انضموا إلى المتظاهرين منذ الثلاثاء الفائت، ما أعطى زخماً للانتفاضة وروحاً جديدة.

وانتشرت فيديوات من مدينة النبطية جنوب لبنان، ومن مجمع الحدث غرب العاصمة بيروت الواقع في منطقة نفوذ حزب الله، لطلاب يتظاهرون ويهتفون “بدنا عصيان كرمال لبنان”، أي نريد العصيان من أجل لبنان، و”هلا هيلا هيلا هو اضهر من صفك يا حلو؟” أي اخرج من صفك يا جميل.

وللاطلاع على مفاعيل مثل هذه التسريبات أو الأخبار التي ما انفكت تخرج إلى الإعلام ووسائل التواصل، والخطير اليوم هو زج اسم إسرائيل لما تثيره هذه الكلمة من رعب أو رهبة لدى المواطن اللبناني، تحدثت “اندبندنت عربية” إلى بعض المتابعين الراصدين لحركة الشارع، وخبراء التواصل الاجتماعي.

يقول الأستاذ الجامعي وخبير المناصرة عماد بزي “إن هذا العمل ليس جديداً على السلطات السياسية في جميع أنحاء العالم، حيث تحاول تشويه أي حراك أو تظاهرات مطلبية، وفي لبنان حصل هذا عام 2011 عندما خرجت التظاهرات لإسقاط النظام الطائفي ورفضاً للتمديد للمجلس النيابي، وعام 2015 ضد حراك “طلعت ريحتكم”.

اختلاف الوعي

لمَ لم تؤثر هذه التسريبات بالمتظاهرين بل على العكس رأينا اليوم أعداداً أكبر من الطلاب تحديداً؟ يوضح بزي، “أن الناس اختلفت وأصبح عندها الوعي الكافي لتمييز الخبر الكاذب من الصادق، ولتميز كمية الإشاعات التي انهالت على الحراك منذ بدئه أي 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى اليوم، حيث اكتشفنا فجأة نوعاً من “الوعي الجماعي” أصبح المواطن اللبناني يمتلكه بمختلف أطيافه، وإن ظهر أي نوع من الإشاعات فإنه يتعامل معها بنوع من الطرافة والتقبل، وهذا لم يكن موجوداً من قبل”.

لكن ماذا يمكن اعتبار خبر الواتساب، إشاعة أو فبركة؟ يرى بزي، أن السلطة حاولت منذ بدء التظاهرات التدخل وبخاصة في شارع حزب الله وحركة أمل حيث اجتاح شبان التظاهرات وكسروا الخيم في وسط بيروت واعتدوا على متظاهرين بالضرب والتخويف في الجنوب، ما يعني أن السلطة لا تخفي نزعتها لإفشال التظاهرات، “وهذا الخبر تحديداً وزج اسم إسرائيل، لن يمرا على عقل الطالب اللبناني، كيف يمكن لرقم خارجي الاتصال بهم والتحريض على النزول إلى الشارع، إنه أمر مضحك، وشاهدنا في اليومين الأخيرين بعض المدارس حاولت أن تمنع طلابها من المشاركة في التظاهرات، وفي الجامعة اللبنانية في بلدة الفنار، خرج طلاب بتظاهرات عكسية دعماً لجبران باسيل، إنها طريقة لترهيب وتخويف الناس بذات الاستعراضية التي تخرج فيه التظاهرات، كما أن السلطات السياسية الحالية تمتلك نوعاً من السطوة على المراكز التعليمية”.

ويضيف “قد يكون الخبر مفبركاً من قبل رأس السلطة وقد يكون عملاً من القاعدة الحزبية التي لن تتنازل عن مكتسباتها الطائفية والسياسية لصالح الحراك بسهولة، لذا فهي تسهم بأي طريقة لإفشال التظاهرات”.

مناعة “المتظاهر اللبناني”

وعن مناعة “المتظاهر اللبناني” ضد أعمال مماثلة؟ يجيب بزي، “أن نسبة “الوعي الجماعي” الذي تحدثت عنه مسبقاً، أذهلتنا نحن كمراقبين قبل أن تذهل السياسيين، إذ إن المتظاهرين يعملون بشكل عفوي، كما إن لا رأس مخطط للتظاهرات، مجهولية القائد هو من يعطي هذه التظاهرات زخمها وبعدها ونجاحها، وهو ما يعطل أي محاولة لاختراقها وإفشالها وحاول كثر مثل شربل نحاس، ورامي عليق، وحزب سبعة، ومؤخراً النائب بولا يعقوبيان فجوبهوا بالنبذ، وبالرفض القاطع لأي نوع من استغلال أو ركوب موجة الحراك، إن المتظاهرين يمارسون فعل المقاومة ضد أي نوع من الإشاعات أو التدخلات”.

مصدر مراقب، تحدث لـ “اندبندنت عربية” عن قلق السلطات مما يجري في الشارع. يقول المصدر، “منذ بدء التظاهرات في لبنان أطل الأمين العام لحزب الله ثلاث مرات لمناسبات متعددة، 19 أكتوبر، 25 أكتوبر 30 أكتوبر، ولكن في كل مرة كان يخصص وقتاً للتظاهرات والمتظاهرين، وهذا إن دل على شيء فعلى أهمية وقع هذه التظاهرات على البيئة الحاضنة للحزب، كما على تطورات الأمور في الشارع اللبناني بشكل عام”.

ويضيف “حاول السيد في أكثر من مرة ثني المتظاهرين عن النزول إلى الساحات مرة بالترهيب عندما قال “الحراك اليوم لم يعد حركة عفوية بل بات حالة تقودها أحزاب وقوى سياسية وتجمعات معروفة”، مؤكداً أنّ هناك تمويلاً للحراك، “لا يقولنّ أحد أنه ليس هناك تمويل فكلّ ما يحصل يحتاج أموالاً فهل تجمعونه من جيوب الفقراء؟ طبعاً لا، فمبالغ طائلة تصرف في بعض الساحات… ونطالب بالشفافية في موضوع التمويل لنعرف إن كان من يدفع الأموال هل يريد مصلحة الشعب اللبناني أو لا؟. ومرات أخرى بالتخوين عندما قال، “هناك قيادة غير معلنة للحراك فلماذا لا تعلن عن نفسها؟ أنا أعرف من يقود الحراك من أحزاب وجماعات وشخصيات ومن بينهم فئة من الوطنيين وفئة أخرى مكونة من أحزاب سياسية معروفة وفئة أخرى من قيادات جديدة أنفقت أموالاً طائلة في الانتخابات وعجزت عن الوصول إلى المجلس وفئة مرتبطة بسفارات وأجهزة استخبارات أجنبية… كنت أرفض نظرية المؤامرة ولكن في الأيام الأخيرة معلوماتنا ومعطياتنا تؤكد أن الوضع في لبنان دخل في دائرة الاستهداف الدولي والإقليمي… لا تصدقوا ما تقول السفارات فالمهم ما تقوم به”.

ماذا يعني هذا؟

يلفت المصدر إلى ما حصل منذ بدء التظاهرات في المناطق الشيعية تحديداً من محاولة إبعاد الناس عن الساحات بكافة الوسائل والطرق، وصلت إلى حد الاعتداء الشخصي على المتظاهرين والضغط لتوقيفهم من قبل السلطات اللبنانية، وتهديدهم علناً، “وهذا ما شاهدناه عبر وسائل الإعلام المختلفة”، يدل بشكل واضح أن هناك خوفاً من نتائج هذا الحراك وإلى أي مدى قد تصل المطالب، “حزب الله في وضع حرج ومأزوم”.

لماذا تحديداً حزب الله؟

يجيب المصدر، “إنه المتضرر الأول، كما إنه قد يذهب بعيداً لإفشال التظاهرات وصولاً إلى استعمال اسم إسرائيل، كما إنها المرة الأولى التي يواجه فيها الحزب وضعاً مماثلاً، هو لا يستطيع أن يسيطر على شارعه، كما أن ذلك تتطلب تدخل علي خامنئي المرشد الأعلى بنفسه للحديث عن التظاهرات في العراق ولبنان”.

واعتبر أن أميركا وأجهزة الاستخبارات الغربية هي من تقوم و”بتمويل من الدول الرجعية في المنطقة بإثارة الفوضى والاضطرابات ما يعد أسوأ عداء وأخطر حقد ضد شعب ما، ورأينا الفيديوات المتناقلة عن طلاب يطالبون بالعصيان في الحدث، هذا ليس بقليل على عقلية شمولية كفكر الحزب، هذا يؤكد أن تسريب الواتساب طبخة إيرانية، كما أن الحزب بدأ يضع شروطاً على شكل الحكومة المقبلة وبشكل علني، لأنه إذا لم يتواجد بحكومة لبنانية مقبلة سوف ينكشف أمام المجتمع الدولي، مع مواجهته لبيئته الحاضنة يصبح الأمر قاتلاً له”.

نقلاً عن “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى