إدمان التفكير وسواس مرضي

النشرة الدولية –

الإدمان هو اعتياد الشخص على شيء لدرجة عجزه عن تركه، ودائماً ما يرتبط هذا المصطلح في الأذهان بتدخين السجائر وشرب الكحوليات والعقاقير المخدرة. ويعرّف العلم الإدمان بأنه اعتياد الإنسان على سلوك معين أو شيء محدد يعجز عن تركه وينتابه حالة من اليأس بمجرد التفكير في الإقلاع عنه، بحسب ما نشره الصيدلي إبراهيم علي ابورمان، في صحيفة الرأي الأردنية.

إلا إن هناك نوعاً آخر من الادمان لا يعرفه كثيرون، وهو إدمان التفكير، فهناك أشخاص يكون إدمانهم على بعض السلوكيات الملازمة لهم، كالتفكير الدائم للشخص براتبه، هل يكفي لآخر الشهر؟ أو تفكيره بأي شيء يمكن أن ياخذ جانبا من عمله اليومي حتى يكون بمثابة الوسواس، ويمكن أن نطلق على هذه الحالة ادمان التفكير على غرار إدمان المخدرات.

إدمان التفكير يكون عند أشخاص اعتادوا على تحميل الأمور اكبر من حجمها، فالشخص في هذه الحالة يفكر طوال الوقت، في عمله و في بيته وهو يسير في الشارع أو خلال قيادته سيارته، يظل يفكر، ويفكر فإذا ما أراد الفرار من التفكير، استسلم للنوم ليجد نفسه حتى وهو نائم مستمر في التفكير، فهو يعجز عن الاقلاع عنه كما يعجز مدمن المخدرات عن وقف تعاطي المخدر.

نجد أن مدمن التفكير يفكر حتى في الصلاة، فيقل الخشوع لديه، ويزداد الأمر سوءا عندما يبدأ في الشكوى تعبيراً عن معاناته، فيظل يشكو دون فائدة حتى يضيق به من حوله، وهو حقاً يعاني، لديه أفكار متكررة، عن نفسه وعمّن حوله، تؤذيه، ولا يستطيع الفكاك منها، وهذا ما يطلق عليه علمياً «الوسواس»، أي المعاناة من أفكار ملحة مسيطرة ومتكررة، تختلف أشكالها من شخص لآخر لكنها تتفق أنها تؤلم صاحبها وتظل دائماً مصدر ضغط عليه.

عندما يطلب من الشخص الذي لديه ما يسمى بإدمان التفكير عن وصف حالته النفسية، فيمكن ان يجيب بأن ما يفكر به دائما لا يستحق مثل هذا التفكير، ولكن ليست لديه القدرة على ابعادة عن دماغه طول الليل والنهار، حتى أنه يجهده وهو في منتهى الاجهاد..» هذا أصدق وصف لمعاناة صاحب الوساوس، وقد يجد الشجاعة البعض للجوء الى الطبيب لطلب العلاج ليوقف وساوسه ويغير حياته.

هل التفكير بوتيرة معينة أو بدرجة محددة قد يصل الى حد أن يوصف الأمر أو ذاك السلوك على انه ادمان؟

الخطير في الأمر أن التفكير قد يتطور مع مدمن التفكير الى التفكير في أشياء سلبية، ويتحول الأمر الى حالة من الوسواس القهري الذى بدوره يحوّل حياة الانسان الى جحيم، وبالتالي نجد هنا الشخص الذى ادمن التفكير بحاجه ماسة الى مساعدة طبية نفسية متخصصة للخروج من هذا العناء المستحكم.

ومن الجدير بالذكر أن خطورة ادمان التفكير لا تكمن في سلوك التفكير في حد ذاته لأن التأمل والتفكير سلوك قد يكون مفيدا محببا اذا كان في السياق والمعدل الطبيعي، أما عندما يتحول الأمر الى ادمان التفكير السلبي هنا نستطيع أن نؤكد أن الشخص قد وقع فريسة سهلة في براثن الوسواس، فإدمان التفكير السلبي مدمر لشخص الانسان.

التفكير السلبي هو الاعتياد والاستمرار الى حد الإدمان في حالة من الإيحاء النفسي، تجلب داخل نفس الإنسان أفكارا سيئة وسلبية كشعوره الدائم بأنه غير محبوب أو غير مرغوب فيه، أو أن كل من حوله يحتقرونه، أو أنه فاقد لكل مقومات النجاح والأمل في المستقبل، وأن الحياة صعبة لدرجة قد يستحيل معها تحقيق أي تقدم.

قد يتولد لدى الإنسان إدمان التفكير السلبي نتيجة تجربة قاسية مر بها، ونتج عنها فشل ما تتحول نتائجها الى واقع يعممه الإنسان على كل تجاربه في الحياة مما يجعله بالفعل مدمنا للتفكير السلبي والأفكار التشاؤمية.

تشير دراسة أوروبية حديثة إلى أن مرضى التفكير الوهمي يتخيلون الكثير من الأفكار التشاؤمية، التي يقدر العلماء أن 94% منها لا يحدث، ويصيب الوسواس القهري 2.5% من سكان العالم، وتعتبر بعض حالاته من مضاعفات التفكير الوهمي.

وتبين الدراسة أن نحو25% أصيبوا بصداع فعلي نتيجة معلومة وهمية، وذلك في تجربة أجريت على طلاب تم إقناعهم بأن صعود الجبال يؤدي للإصابة بالصداع النصفي، ما يثبت تأثير الأوهام في الجسد إذا ما اقتنع بها المرء.

تتعرض الفئة العمرية من 18 إلى 35 عاماً للتوهم المرضي بشكل أكبر، وذلك يرجع إلى النشاط والحيوية التي يتملكهما الشباب، وتكثر أسباب التأثير فيهما بشكل كبير.

ويكون علاج ادمان التفكير السلبي الذي يؤثر على نفسية الشخص وينعكس على تصرفاته وسلوكه الاجتماعي من خلال الأسس التالية:

أولا: إشغال النفس بأي تصرفات بحيث لا يقع في أي شكل من الأشكال فريسة للفراغ، وملء الفراغ بنشاطات ذهنيه وجسدية مفيدة تحقق تقدما ملموسا.

ثانيا: محاولة التفكير بايجابية وعدم الاستسلام للتفكير السلبي، او الوقوع فريسة للإحباط،وعدم فقد الأمل، فالمستقبل بيد الله.

ثالثا: مساعدة الآخرين وبناء جسور من الثقة مع من حوله حتى تتغير نظرته تماما عمن حوله، وبالتالي التخلص من كل الأفكار السلبية التي قد يشعر بها تجاه المحيطين به.

رابعا: أن حسن الظن المعتمد على الفطنة وعدم سوء الظن بالآخرين عامل مهم في علاج ادمان التفكير.

إن طلب المساعدة النفسية والطبية المتخصصة من مراكز مؤهلة ذات ثقة قد يفيد في التخلص من كل سلبيات ادمان التفكير وعودة الشخص مرة أخرى سالما معافى من تبعات إدمان التفكير السلبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى