الأردن يستعيد سيادته الكاملة على الباقورة والغمر من الاحتلال الاسرائيلي

النشرة الدولية –

شكلّت استعادة الباقورة والغمر إنجازا للأردن الذي تشهد العلاقة بينه وبين إسرائيل هزات في السنوات الأخيرة جراء تراجع دوره كوسيط بينها ودول المنطقة، فضلا عن الخلافات بشأن التجاوزات الإسرائيلية في المسجد الأقصى.

فقد أعلن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الأحد، رسميا عودة أراضي الباقورة والغمر إلى السيادة الأردنية بعد مرور ربع قرن على اتفاقية تأجيرها لإسرائيل.

وهذه المرة الأولى التي تقبل فيها إسرائيل تسليم أراض عربية دون مماطلة أو تلكؤ، في خطوة قرأها البعض في سياق عدم رغبة تل أبيب في سير العلاقات المتوترة أصلا مع عمان نحو نقطة اللاعودة.

وتشكل استعادة الباقورة والغمر إنجازا مهما للأردن، ورد اعتبار خاصة وأن حكومة نتنياهو تعمدت في السنوات الأخيرة إهمال عمان بعد أن كانت ممرا سياسيا رئيسيا لعلاقاتهم في المنطقة، ويعزو كثيرون ذلك إلى أن إسرائيل نجحت في التواصل المباشر مع عدد من الدول العربية دون الحاجة لوسيط. وقال نتنياهو الأحد “لدينا علاقات تتعزز باستمرار مع 6 دول عربية، على الأقل”.

ورفع الجيش الأردني علم بلاده في منطقة الباقورة (شمالا)، بالتزامن مع إلقاء عاهل البلاد لخطاب العرش في افتتاح الدورة العادية الأخيرة لمجلس الأمة (لغرفتي النواب والأعيان)، الذي أعلن فيه استعادة المنطقتين.

ورغم الإعلان الرسمي عن تسلم المنطقتين، بيد أن ذلك لا يعني منع الإسرائيليين من الدخول إليها وسط أنباء عن اتفاق “مقيد” لتمديد تأجير الغمر حتى 30 أبريل المقبل، بما يسمح للمزارعين الإسرائيليين من جمع محاصيلهم.

وأكد مصدر في وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، لوسائل الإعلام المحلية، أن الأردن سيسمح للمزارعين الإسرائيليين بحصاد منتوجهم في أراضي الغمر لهذا الموسم، وفق القوانين والأنظمة الأردنية.

وأوضح أن الدخول للأراضي بهدف الحصاد في الغمر سيكون عبر تأشيرات من السفارة الأردنية في تل أبيب، ولن يكون عبر البوابات التي أغلقت، بل من خلال المعابر الرسمية (معبر الشيخ حسين، أو معبر الكرامة “جسر الملك الحسين”).

ونقل عن المصدر ذاته في الخارجية الأردنية أنه سيتم السماح للمالكين الإسرائيليين في الباقورة باستخدام ملكياتهم الخاصة في حال إثبات ذلك، وسيتم التعاطي معهم كأي مستثمر أجنبي.

ولطالما شكلت استعادة الباقورة والغمر مطلبا شعبيا ملحا في الأردن. يقول متابعون إن الخطوة من شأنها أن تحدث رجة نفسية إيجابية بالشارع الأردني في علاقة بأركان السلطة التي تشهد تذبذبا، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها المملكة.

وأعلن الملك عبدالله الثاني، في خطاب العرش انتهاء العمل بالملحقين الخاصين في اتفاقية السلام مع إسرائيل، الخاصين بالباقورة والغمر قائلا، “أعلن اليوم انتهاء العمل بالملحقين الخاصين بمنطقتي الغمر والباقورة في اتفاقية السلام، وفرض سيادتنا الكاملة على كل شبر منها”.

وانتهت، في أكتوبر الماضي، فترة تأجير المنطقتين، التي نص عليها الملحقان 1/ب و1/ج ضمن اتفاقية “وادي عربة” للسلام، التي وقعها البلدان عام 1994. وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ألغى في أكتوبر 2018 جزءا من معاهدة السلام المعروفة بوادي عربة، كان يمنح الإسرائيليين الحق في التصرف في منطقتي الباقورة والغمر لمدة 25 عاما.

والباقورة هي أراض حدودية تقع شرق نهر الأردن ضمن لواء الأغوار الشمالية التابعة لمحافظة إربد، وتقدر مساحتها الجملية بنحو 6000 دونم. وكانت إسرائيل احتلت حوالي 1390 دونما منها في العام 1950، وفي مفاوضات السلام بين عمان وتل أبيب، ادعت إسرائيل أحقيتها في 830 دونما من هذه المساحة بزعم أنها أملاك إسرائيلية خاصة بيعت لهم عبر الوكالة اليهودية.

وبعد مفاوضات صعبة توصل الجانبان الإسرائيلي والأردني في العام 1994 إلى معاهدة سلام عرفت باتفاقية “وادي عربة”، تضمنت استرداد الأردن لجزء من الباقورة تبلغ مساحته 850 دونما.

ونصت المعاهدة في الملحق الأول على تطبيق نظام خاص على كامل المنطقة، بحيث تقر إسرائيل بأردنيتها مع إرفاق ذلك بعبارة تقول، إن المنطقة فيها حقوق ملكية خاصة ومصالح مملوكة للإسرائيليين وبالتالي هم المتصرفون في الأرض، وعلى ضوء ذلك يتعهد الأردن بمنح حرية مطلقة لهم، ويبقى هذا الاتفاق نافذا لمدة 25 سنة. أما الغمر فهي منطقة حدودية تقع ضمن محافظة العقبة على بعد 168 كلم جنوب العاصمة عمّان وتقابلها على الطرف الآخر من الحدود مستوطنة صوفار وتقدر مساحتها بـ4000 دونم وقد احتلتها إسرائيل بعد حرب 1967 ضمن أراض أردنية تقع شرق خط الهدنة لعام 1949، ورفضت إسرائيل الانسحاب منها بحجة أنها امتداد لمستوطنة صوفار، فيما يعتبر المحللون أن الموقف الإسرائيلي نابع من أهمية هذه المنطقة الخصبة والغنية بالمياه الجوفية.

ووردت الغمر أيضا في الملحق الأول من معاهدة السلام تحت عنوان منطقة “الغمر- صوفار”، الذي ينص على أنها تحت سيادة الأردن بيد أنها لا تخضع لقوانين الجمارك الأردنية، ويتم تطبيق ذات النظام الخاص بالباقورة حيث توجد ملكيات خاصة لمزارعين إسرائيليين ويتعهد الأردن بحمايتهم ويستمر الاتفاق لـ25 عاما ويتجدد تلقائيا ما لم تطالب الحكومة الأردنية باسترداد تلك الأراضي.

وانتهى، الأحد، وفق اتفاق السلام حق المزارعين الإسرائيليين بزراعة الأراضي الأردنية في الباقورة والغمر. وقال إيلي أرازي (74 عاما)، وهو مزارع إسرائيلي في الباقروة، ” الأمر أشبه بلكمة في الوجه”. وقال أرازي إن مزرعته الجماعية، أو الكيبوتز، واسمها أشدوت يعقوب ميوهاد، تزرع محاصيل في المنطقة منذ 70 عاما من بينها الزيتون والموز والأفوكادو. ووفق الأنباء الواردة فإنه ما يزال أمام أرازي فترة 6 أشهر لجمع محاصيله.

ويشكك كثيرون في أن تؤدي عودة الباقورة والغمر إلى الأردن إلى اختراق في العلاقة بين الجانبين، التي تدهورت بشكل كبير في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وقال وزير الزراعة الإسرائيلي أوري أرييل إن انتهاء العمل بالاتفاق الخاص بالأرض جاء في وقت بلغت فيه العلاقات الإسرائيلية الأردنية نقطة متدنية. وأوضح، “لسنا في شهر عسل، بل في فترة من الشجار المستمر”.

وخلال السنوات القليلة الماضية تأثرت العلاقات الدبلوماسية سلبا بجمود عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وبالتجاوزات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، حيث تملك عمان الوصاية عليه.

وقال أرييل إنه كان على الحكومة أن تتحرك في وقت سابق لمحاولة إقناع الأردن بتمديد العمل بالاتفاق والسماح للمزارعين بزراعة الأرض.

زر الذهاب إلى الأعلى