صراع تراجيدي وكوميدي ولكنه ضحك كالبكاء… بضيافة مدينة تطوان المغربية

النشرة الدولية –

تستضيف مدينة تطوان المغربية حتى الحادي والعشرين من نوفمبر الجاري العشرات من الفرق المسرحية التي تشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح المغربي، وأخرى في عروض خاصة، وهي المدينة التي شهدت ميلاد المسرح المغربي، خلال فترة الحماية الإسبانية، وأقيمت على أراضيها أولى المسارح المغربية، بدءا من المسرح الوطني الذي شيّد سنة 1914، ثم مسرح سينما إسبانيول ومسرح مونومنطال.

وشهدت مدينة تطوان أول عرض في تاريخ المسرح العربي، حين قدّم أحد الموريسكيين العائدين من الأندلس مسرحية في هذه المدينة -قبل ظهور المسرح العربي مع المؤسسين السوري أبي خليل القباني واللبناني مارون النقاش اللذين قدما اقتباسا عربيا لبخيل موليير سنة 1848 وكان أول من استلهم ألف ليلة وليلة واستضافها إلى خشبة المسرح العربي سنة 1850.

كما كانت تطوان شاهدة على صعود أول امرأة إلى خشبة المسرح المغربي، وهي الراحلة ثريا حسن، في وقت كان فيه الرجال يؤدون أدوار النساء على خشبة المسرح، مثلما كان البعض من المطربين يرتدون لباس النساء ويقلدون أصواتهنّ في وقت كان فيه صوت النساء محظورا، وكنّ ممنوعات من الحق في المسرح والغناء.

واليوم، تستضيف مدينة تطوان فعاليات دورة جديدة من المهرجان الوطني المسرح، وهو المهرجان الذي كان يقام في مدينة مكناس، قبل أن يحطّ رحاله في تطوان منذ سنوات.

وأعلنت وزارة الثقافة والشباب والرياضة المغربية أن الدورة الحالية من المهرجان، وعلى غرار الدورات السابقة، “تطمح في منح جمهور مدينة تطوان الفرصة للاطلاع على حصاد الموسم المسرحي، والالتقاء بالمبدعات والمبدعين المغاربة من خلال العروض والندوات والأنشطة الثقافية المنظمة في إطار المهرجان”. وهو المهرجان الذي يتوّج بالإعلان عن جوائز خاصة بمختلف الأدوار والصناعات المسرحية، فضلا عن الجائزة الكبرى للمسرح المغربي.

المهرجان يقترح على متابعيه عروضا تستلهم القضايا الوطنية والعربية الراهنة والساخنة، ويسخر منها بمرارة مؤثرةالمهرجان يقترح على متابعيه عروضا تستلهم القضايا الوطنية والعربية الراهنة والساخنة، ويسخر منها بمرارة مؤثرة

تخوض الفرق المسرحية المغربية صراعا فوق خشبة تطوان للظفر بجوائز المهرجان الوطني للمسرح المغربي. وهو صراع تجري أطواره ما بين أعمال تراجيدية وأخرى كوميدية، “ولكنه ضحك كالبكاء”، يقترب من الأسئلة المغربية والعربية ويسخر منها بمرارة مؤثرة. فمن بين 42 عملا مسرحيا، وصلت إلى لجنة الانتقاء من أجل المشاركة في مهرجان تطوان، انتهت اللجنة إلى اختيار 12 مسرحية لخوض غمار المسابقة الرسمية التي يحتضنها مسرح سينما إسبانويل الكبير، في قلب مدينة تطوان.

عروض مسرحية تجرّب اختيارات جمالية جديدة، وأخرى تستلهم القضايا الوطنية والعربية الراهنة والساخنة، وثالثة تتمسك بالكوميديا السوداء. كما لا تكتفي هذه الأعمال بإثارة المضامين فقط، بقدر ما تنتصر لباقي مكونات الصنعة المسرحية، ولبلاغة السينوغرافيا والتقنيات الرقمية الجديدة والدخيلة على المسرح المعاصر، والتي أمدت المسرحيين بطرائق فنية وممكنات جمالية واعدة.

ومن مدينة الدار البيضاء، تشارك فرقة شارع الفن للإبداع بمسرحيتها “قاعة الانتظار”، والتي تذكرنا بآخر مقولة للمفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، الذي وصف المغرب بل والعالم العربي ذات حوار بأنه لا يزال يجلس في قاعة انتظار كبيرة. ومن الدار البيضاء تشارك أيضا فرقة غرناطة للمسرح بعرض “سحت الليل”.

ومن الرباط، تقترح فرقة المسرح المفتوح على جمهور المهرجان عرضا جديدا بعنوان “النمس”، بينما اختارت فرقة أكون للثقافة والفنون مسرحية “يارما/ سماء أخرى”. ومن مدينة الحسيمة تقدّم فرقة ثفسوين للمسرح الأمازيغي مسرحية “دون قيشوح”، بينما تقترح فرقة الريف للمسرح الأمازيغي مسرحية “ثوري ذوري”. والأمر نفسه بالنسبة إلى مدينة سلا، التي تشارك بعرضين مسرحيين: “كرنفال” لفرقة النورس للفن والثقافة، و”راضية” لفرقة فركانيزم للفنون والثقافة والتنمية.

وتشارك مدينة شفشاون بعرض مسرحية “ليام الكحلة”، أو “الأيام السوداء”، لفرقة مسرح المدينة الصغيرة، مثلما تشارك مدينة تطوان بعرض “لمعروض”، أو “الضيف” لفرقة محترف الفدان للمسرح والتنشيط الثقافي.

واختارت الدورة الحالية من المهرجان الوطني للمسرح المغربي تكريم خمسة نجوم تألقوا في سماء المسرح، يتقدّمهم الفنان أنور الجندي، نجل الراحل محمد حسن الجندي. كما يكرّم المهرجان كلا من نجاة الخطيب وجمال بنشيبا وعبدالمجيد فنيش وأحمد العلوي، تقديرا لمكانتهم الراسخة فوق خشبة المسرح المغربي.

وتحل مجموعة من أعلام المسرح المغربي ضيوف شرف على هذه الدورة، من ممثلين ومخرجين ونقاد، في مقدّمتهم محمد الجم ومحمد مفتاح وسعد التسولي وفاطمة خير وسعيد باي ومسعود بوحسين وبنعيسى الجيراري وسعاد خيي وعبداللطيف الدشراوي وعبدالحق الزروالي. كما تشهد الدورة تنظيم ندوة كبرى حول المسرح المغربي، بمشاركة كل من حسن النفالي وناصر محمد عبدالمنعم وعبدالحق أفندي ومحمد المومني وفوزية لبيض.

خارج المسابقة الرسمية للمهرجان، سيتم تقديم مجموعة من العروض المسرحية، في مسرح دار الثقافة بتطوان، وسينما الريف بمرتيل ومسرح الأميرة للا عائشة في المضيق، فضلا عن عروض مسرحية خاصة بالأطفال، ضمن مشروع وزارة الثقافة والشباب والرياضة المغربية المتعلق بالتربية على المسرح، عبر دعم الإبداع المسرحي الموجه إلى الطفل المغربي.

وتحظى هذه العروض بمتابعة خاصة من قبل تلامذة المؤسسات التعليمية، خاصة وأنها تنفتح على المدن الساحلية المحيطة بمدينة تطوان. مثلما ينفتح المهرجان على المؤسسة السجنية، عبر تقديم عروض مسرحية لفائدة نزلاء مؤسسة إعادة إدماج السجناء بتطوان، والتي تعوّدت استضافة مختلف الفعاليات الثقافية الكبرى التي تحتضنها مدينة تطوان، وفي مقدّمتها المهرجان الوطني للمسرح والمهرجان المتوسطي للسينما ومهرجان الشعراء المغاربة الذي تنظمه دار الشعر بتطوان.

وتعقب العروض المسرحية الكثيرة جلسات مناقشة خاصة بالعروض الرسمية، ستقام كل صباح في فضاء المركز الثقافي بتطوان، يؤطّرها الباحثان المسرحيان محسن زروال والحسين الشعبي، فضلا عن ندوة المهرجان، ولقاءات خاصة بتقديم آخر الإصدارات حول فن المسرح، يوقعها عدد من الباحثين في المسرح العربي.

وهي جلسات للتعرف على آخر الأعمال المتعلقة بالتفكير في راهن المسرح المغربي والعربي، يشارك فيها كل من أحمد بلخيري ولحسن قناني وعبدالنبي الشراط ومحمد الفحل الشرقاوي وعبداللطيف ندير والزهرة إبراهيم وأحمد السبياع وأمل بنويس ومحمد بلخير والطاهر الطويل وأمين بنيوب وعبدالإله بنهدار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى