كيف استدرك “حزب الله” موقفا لأمينه العام أفقده الكثير؟* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

طرح الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة، “دعوة حقيقية” بحسب تعبيره، إلى المنتفضين عبر البناء على الإيجابيات التي تمخضت عن الحراك منذ بدئه في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، قائلاً “نبني على الإيجابيات ونركّز عليها”، وأهم إيجابية ارتكز عليها نصرالله، هي “نقطة إجماع تحظى بدعم شعبي قوي جداً في كل الساحات، هناك مطالب إجماعية سمعناها في كل الساحات… من كل الناس وفي مقدمها موضوع مكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين ومحاسبتهم واستعادة الأموال المنهوبة والمسروقة… هذا ليس فيه نقاش”، وتابع “هذا فيه إجماع وطني حقيقي عابر للطوائف والمناطق والأحزاب، حتى من هو في داخل الحراك لا يريده وليس مقتنعاً به ولا يجرؤ أن يخالفه علناً… هذه نقطة إيجابية.

نصر الله يراجع موقفه

اليوم، بفضل ما حصل لا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يحمي فاسداً، لا حزب سياسي، ولا قوة سياسية، ولا زعامة، ولا مرجعية دينية أو سياسية، ولا طائفة، ولا مذهب… لا يستطيع أحد الآن أن يحمي فاسدين، وهذا طبعاً تطور كبير حصل في بلدنا”.

وبحسب مصدر متابع لخطابات نصر الله، فقد “بدا الأمين العام لحزب الله كمن يراجع مواقفه من الانتفاضة، هو أدرك أكثر من غيره من المسؤولين أنه قد يكون أخطأ عندما وقف بوجه مطالب الناس، لذا توجه مجدداً إلى المتظاهرين، لكن هذه المرة وبعكس المرات السابقة، خطا خطوات باتجاههم ووقف عند مطلب جامع ومحق ولا يقبل النقاش، وهو ملف مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة. فنصر الله يدرك أكثر من غيره، أن حزبه يواجه تحدياً خطيراً. عندما خاض مقاومة شرسة مع إسرائيل كان يعتمد على العمود الفقري للحزب ألا وهو البيئة الحاضنة التي أعطته كل الدعم المعنوي والمادي”.

طرح قديم

وتابع “ما أود توضيحه اليوم أن هناك كثراً يقيسون مكافحة الفساد على مقاومة إسرائيل، ولكن هناك فرقاً بين الاثنين. فهناك فروق موضوعية بالأدوات والوسائل والإمكانات والظروف وطبيعة الاستهداف…”.

لكن طرح “حزب الله” مكافحة الفساد ليس جديداً، وذلك أن الحزب اعتمد بشكل أساسي على هذا الملف في حملته الانتخابية التشريعية عام 2018. ويقول الأمين العام للحزب “عندما بدأنا نحن بالفترة الماضية، قلنا سنلجأ إلى القضاء ولن نشهّر بأحد ولن نطرح الملفات على الإعلام، لأن هذا يؤدي إلى التشهير، لذلك هناك أناس يتصرفون بقدر فهمهم: أين ملفاتكم؟ نحن لا نريد التشهير بأحد…”. لكن قد يكون سها عن بال نصر الله أن حزبه عندما فتح هذا الملف عبر نائبه حسن فضل الله، ظهر الموضوع وكأنه تصفية حسابات مع خصومه السياسيين، ما بدا وكأنه أبرز إلى الإعلام محاسبة رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة من دون غيره.

خسارة مناصرين

وأضاف المصدر “نصر الله أراد أن يستغل ربما ملف مكافحة الفساد كي يستعيد جزءاً من مناصرين خسرهم في إطلالته السابقة، ذلك أن الانتفاضة فاجأت جميع المراقبين بقوتها وصمودها في وجه كل ما تعرضت له من اعتداءات وعنف في الساحات. وكان الحزب يراهن على تقهقر المنتفضين أو على احتواء السلطة لهم، عبر التنازلات التي قدمت كالورقة الإصلاحية، ومن ثم استقالة حكومة سعد الحريري. لذا رأيناه في إطلالته السابقة يخوّن المتظاهرين ويحاول ترهيبهم وثنيهم. واكتشف أنه أخطأ عندما تصدى للحراك الشعبي وهو الذي اعتاد على تكديس المكاسب، وها هو يكدس الخسائر. كما أنه فقد ثقة الناس به بعدما اهتزت صورته المحفوظة”.

كلام المصدر يأتي متوافقاً مع ما نشرته صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” الأميركية، في مقال لها صدر بتاريخ 12 نوفمبر بعنوان“Inside Hezbollah How Lebanon protests are breaking ‘fear barrier”’  ، ما ترجمته “داخل حزب الله، كيف تكسر احتجاجات لبنان جدار الخوف؟”. وقد شمل المقال مقابلة مع أحد مقاتلي “حزب الله” المتمرسين (الذي لم تذكر هويته بطبيعة الحال)، والذي يرفض العودة للقتال في سوريا، ولعن المنظمة التي كرس لها حياته، وعبّر عن سخطه من وضع الحزب، بحسب الصحيفة.

الحزب يعاقب نفسه

ويقول “لقد غرقنا بأكاذيبهم… يزداد القادة ثراءً بالفساد، أنا على استعداد لمحاربة إسرائيل، لكنك تموت في سوريا من أجل لا شيء، الآن انكسر جدار الخوف… الناس تشاهد الحقيقة على مواقع التواصل الاجتماعي ولم يعد بإمكانهم الكذب”. وفي مكان آخر يقول، “الآن حزب الله يعاقب نفسه لأنه يعلم أنه ارتكب خطأً كبيراً بالتوسع في سوريا والعراق واليمن، بالتالي فقد قاعدة الدعم”.

وتابع “المهم هو أنه إذا كان شخص ما لا يستطيع إطعام أسرته ودعمها، فماذا يفعل مع حزب الله”؟ ويسأل، “إن راتب الـ 600 دولار شهرياً لا يستحق الموت في سوريا، لا نستطيع أن نفعل شيئاً بهذا المبلغ في لبنان، بينما قادة الحزب الأغنياء جداً يقودون سيارات فخمة، ولا يعيرون اهتماماً بأحد، إنها مشكلة كبيرة. لا يمكن للناس أن تتحمل هذا بعد الآن”.

الانتفاضة تضم شيعة

وتشير الصحيفة إلى أن “سخط هذا المقاتل وعدم ارتياحه، تظهر سبب اختيار شريحة من الطائفة الشيعية الانضمام إلى انتفاضة وطنية ضد الفساد المتفشي والطائفية والنقص المزمن للخدمات، والتي تدعو إلى إزالة نظام سياسي… نظام نما فيه حزب الله ليلعب دوراً مهيمناً”.

وبحسب الصحيفة، فقد تزايد عدد الضحايا عبر سنوات القتال في سوريا، إذ أظهر إحصاء مقتل حوالى 1250 من مقاتلي الحزب هناك، مع بعض التقديرات التي تشير إلى أن العدد الحقيقي هو ضعف العدد المُعلن. ما يعني بحسب “الكريستيان مونيتور”، “من عادوا في نعوش من سوريا، أكثر ممن فقدوا أرواحهم بالقتال ضد إسرائيل منذ تأسيس حزب الله عام 1982”.

وتقول الصحيفة إن تلك “الانتفاضة الجريئة في لبنان أخرجت إلى العلن التذمر الهادئ عند الشيعة، ذلك التذمر الذي كان يتعاظم بهدوء خلف الأبواب المغلقة لسنوات”، وولت تلك الأيام التي كان يختبئ فيها حزب الله داخل وهج من الاحترام على نطاق واسع في لبنان لبناء “مجتمع المقاومة” ضد إسرائيل. وقد كان يقدم الدعم للناخبين من الفقراء الشيعة، حيث وضعته صلابته الأيديولوجية والدينية فوق السياسة والتلوث بالفساد.

رسالتان مسربتان

وفي السياق نفسه، توضح رسالتان صوتيتان مسرّبتان عبر تطبيق “الواتساب”، موجهتان إلى جمهوره، وجهة نظر “حزب الله” من الحراك وكيفية مخاطبته لشارعه لطمأنته من جهة، وترهيبه من الحراك ومن يدعمونه من جهة أخرى. وبحسب إحدى الرسائل فإن الحزب قد يكون مستفيداً أيضاً من الحراك، إذ جاء فيه “جيد نحن بالنهاية سنستفيد من هذا الأمر. سنستفيد من الحراك في ما بعد، لماذا؟ لأن هناك أصناماً سقطت، هناك أناس لم  يكن أحد يتعرض لهم”. وتتهم الرسالة الإدارة الأميركية بمحاولة جر الحزب إلى مواجهة مع المنتفضين عبر إطلاق شعار “كلن يعني كلن”، وتوضح أنهم كانوا سيشاركون لكن هذا الشعار استفز جمهور الحزب ولم يتحمله، فكان الرأي الأنسب بسحبهم من الشارع.

المناطق الشيعية تعيش حياة طبيعية

وتتابع الرسالة في محاولة لطمأنة الجمهور، والتخفيف من وطأة ما حصل في مناطق الثنائية الشيعية، “إذا لاحظتم الضاحية آمنة، الضاحية تعيش حياة طبيعية والجنوب وبعلبك كذلك. هناك طبعاً بعض الاعتصامات المحدودة في هذه المناطق لكنها لا تشكل شيئاً”. وتتبنى الرسالة بشكل واضح عملية التدخل لحثّ الجيش على قمع المتظاهرين وفتح الطرقات بالقوة، إذ يقول المتحدث “لجأوا إلى خطوة خطيرة جداً كانوا يعوّلون عليها، استدراجنا إلى مواجهة حقيقة من خلال قطع الطرقات، وهيي فعلاً كانت خطيرة جداً. لكن صبرنا واستيعابنا للمسألة حال دون ذلك أيضاً. في النهاية، أرسلنا رسالة قاسية جداً، مفادها أنه في حال استمر قطع الطرقات فنحن سننزل إلى الشارع، ليس بشكل عسكري، وإنما لقطع الطرقات أمام الذي يقطعون الطرقات. أي وبمعنى آخر لن نسمح لهم بالعودة إلى منازلهم. وبالفعل بعثنا برسالة إلى قائد الجيش بهذا الخصوص، والظاهر استوعبها قائد الجيش، بالتالي عمد الجيش لفتح الطرقات”.

إذاً، قرار إقفال الطرقات من قبل المتظاهرين كانت خطوة خطيرة وتأذى منها الحزب بشكل مباشر، واعتبر ذلك محاولة لاستدراجه إلى مواجهة مع الشارع. لكنه صبر في بادئ الأمر، وعندما طالت المسألة، اضطر إلى اعتماد لغة حاسمة ومباشرة.

وحدة اقتصادية

أما التسجيل الثاني فيتحدث عن مؤامرة أميركية لإخراج الحزب من الحكومة، ويقول إن “سعد الحريري استقال بناء على رغبة الولايات المتحدة التي تستغل الحراك لمصلحتها”، ودعا إلى وحدة اقتصادية مع سوريا وانفتاح على إيران في حال اضطرتهم الظروف لتشكيل حكومة أحادية من لون واحد.

وعليه، يؤكد المصدر أن “الاتهامات التي توجه إلى الانتفاضة لن تنفع الحزب بعد اليوم، لأن ما يحصل في لبنان مصيري، لذا نرى الناس ثابتة على مواقفها ومطالبها”. وأكمل “تصريح نصر الله عندما توجه إلى عائلات الضحايا ما هو إلا شعور بالضعف والإحراج أمام تلك العائلات، وتغطية لخيبة من رد فعل شارعه أولاً. قد يحاول الحزب في المرحلة المقبلة إعادة صياغة بيانه بما يتناسب مع بيئته الحاضنة، بمعنى أن يحاول ركوب موجة الحراك من باب مكافحة الفساد، وهو الذي خسر بداية عندما استخف به”.

نقلاً عن اندبندنت عربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button