هل تطيح الانتفاضة اللبنانية سد بسري؟* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

أعادت الانتفاضة اللبنانية تسليط الأضواء من جديدٍ على قضية سد بسري، بعدما شاركت مجموعات من الناشطين للدفاع عن مرج بسري بالتظاهر ورفع يافطات، مطالبة بتحويله إلى “محمية طبيعية في عددٍ من الساحات”، كرياض الصلح وبعقلين وجل الديب وغيرها.

كما تجمّعت مجموعة من الناشطين البيئيين وأبناء منطقتي جزين والشوف في مرج بسري، بعدما نجحوا في إزالة الأبواب التي أقامها المتعهدون لإنشاء السد، وجددوا رفضهم إنشاءه.

السد ومنذ الإعلان عنه، لاقى رفضاً قاطعاً من قبل كثيرٍ من الخبراء البيئيين والباحثين الجيولوجيين وبعض السياسيين، بناءً على دراسات عدة أُجريت وبيّنت مخاطر إنشائه.

وفي حديث لـ”اندبندنت عربية”، أوضح رولان نصور منسّق الحملة الوطنيّة للحفاظ على مرج بسري الأسباب وراء هذا الرفض القاطع، وفي سؤال حول كيف تألفت الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري، قال “بدأنا مجموعة صغيرة من الناشطين للعمل على موضوع السدود في لبنان بشكل عام، وكانت البداية مع سد جنة (منطقة جنة في جبيل) عام 2015، ومن ثمّ بدأت تتوالى الإعلانات عن سدود أخرى. لقد واجهتنا صعوبات عدة، لأنه لم يكن قد تكوّن بعد رأيٌّ عام واعٍ لمخاطر السدود. هذه المشروعات التي بدأت مع خطة الوزير جبران باسيل عام 2012، حين أقر مجلس الوزراء إنشاء السدود بوتيرة هيستيرية. وهذا أوصلنا إلى نتيجة أنه إذا أردنا أن نوقف مشروع سد بسري يجب أن نحوّل قضيته إلى رأي عام على المستوى الوطني، فبدأنا بجمع أدلة ودراسات وبراهين عن مخاطر هذه السدود على البلد، وقمنا بإعداد ملف علمي بالتعاون مع مجموعة من الخبراء بالجامعة الأميركية لبيروت، إضافة إلى حملات توعية على مواقع التواصل الاجتماعي، لتعريف الناس بمرج بسري وما يحتويه من تنوّع بيولوجي وأراضٍ زراعية وآثار، ونظمنا رحلات استكشافية للتعريف بمرج بسري، كما أنشأنا عريضة Save the Bisri Valley (أنقذوا مرج بسري)، وحصلنا حتى اليوم على 50 ألف توقيع”.

ما أخطار إنشاء هذا السد؟

يشرح نصور قائلاً، “المشروع سوف يدمر ستة ملايين متر مربع بين الشوف وجزين، من بينها أراضٍ زراعية وأحراج صنوبر وسنديان. ومرج بسري الذي يشكل امتداداً لمحمية أرز الشوف، هو ثاني أهم ملجأ للطيور المهاجرة بعد مستنقعات عميق، إضافة إلى تهجير أهالي المنطقة، لقضائه على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية. كذلك يجمع السد نحو 125 مليون متر مكعب من المياه، على ملتقى فالقي روم وبسري، علماً بأن فالق روم سبب الزلزال الذي ضرب لبنان عام 1956، ودمّر ستة آلاف منزل. هذا الفالق الذي ينشط باستمرار، حسب ما يؤكد مركز رصد الزلازل في بحنّس، ومع وجود صخور كلسية أسفل الرمال فيها فراغات، يصعب بناء سد وزنه أطنان من الباطون المسلح عليها، وهذا كفيلٌ بتسرب المياه، فضلاً عن أن إنشاء السد سيؤثر في مجرى نهر الأولي الذي كان يغذي منطقة صيدا”.

لكن القيمين على المشروع حجتهم أن إنشاء هذا السد سيوفر المياه لمحافظة بيروت؟

لفت نصور إلى دراسات حديثة، من بينها دراسة قامت بها UNDP (برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي في لبنان) عام 2014، التي أشارت إلى أن “80 في المئة من مياه لبنان موجودة في الخزانات الجوفيّة، وهذا يخالف ما يروّج من أن المياه باتت مالحة، والخزانات الجوفية مستهلكة في لبنان، وبدل من أن تفكّر السلطات الموجودة في إصلاح الشبكة وتحسينها، يتجهون إلى إنشاء مزيدٍ من السدود، التي بلغ عددها 45 سداً، إضافة إلى البرك الجبلية. ناهيك بأن السد لن يتمكّن من جمع المياه شأنه شأن معظم السدود التي أُنشئت حديثاً في لبنان، كما أن مياهه سوف تختلط بمياه نهر الليطاني المسرطنة، وسوف تمر تحت مطمر الناعمة، ما سيعرض المياه إلى تلوّثات خطيرة لن تنفع معها تكرير المياه، وبالتالي تصل المياه غير صالحة للاستعمال أو الشرب”.

الضغط

وعن الخطوات العملية التي قامت بها الحملة للضغط على القيمين على هذا المشروع، أي البنك الدولي ومجلس الإنماء والإعمار، لإيقاف هذا المشروع، يوضح نصور أنهم نظموا تظاهرات أمام مجلس الإنماء والإعمار والبنك الدولي في بيروت، واحتجاجات عدة من قلب مرج بسري، إلى جانب العمل على صعيد دولي للضغط على البنك الدولي لسحب تمويله، ولقاءات مع الوزارات المعنية أي الطاقة والبيئة، واستطاعوا التوصل إلى أن يعقد مجلس النواب اللبناني جلسة خاصة لمناقشة المشروع، حينها خرجت الجلسة بتوصيات منها: أن يقوم مجلس الإنماء والإعمار بنشر الدراسات المخفية لديه، ما اضطر المجلس أن ينشرها”.

لكن اكتشفوا من خلال اللقاءات مع مجموعة البنك الدولي أنهم مستميتون لإقامة المشروع أكثر من المسؤولين اللبنانيين، ما اضطرهم إلى تقديم شكويين إلى لجنة التفتيش في واشنطن، الأولى عام 2018 والثانية عام 2019، لكن نظراً إلى الضغوط السياسية العديدة لم يستمر التحقيق.

أمَّا لماذا وافق البنك الدولي على تقديم التمويل، مع علمه بالمخاطر لإقامة مثل هذا السد والأضرار البيئية العديدة، والاحتجاجات من قِبل مناصري البيئة وأهالي المنطقة؟

قال نصور “لأن للبنك الدولي مصلحة مباشرة لإقراض الدولة اللبنانية والاستفادة من الفوائد التي سيجنيها. كما أن إنشاء السد ستتبعه حملات صيانة وإنشاء لبرك على غرار سد القرعون، ما سوف يُبقي البلد رهينة لدوامة الديون، إذ تفوق تكلفة إنشاء السد المليار دولار، ما سيسهم في زيادة الدين العام”.

هل أسهمت الانتفاضة الحالية في دفع هذا المشروع إلى الضوء مجدداً؟

أوضح نصور، “مرج بسري جزءٌ من الحراك، بل إن قضيته تجمع كل عناصر الفساد الموجودة في البلد، وقضيته تعكس شعار (كلن يعني كلن)، لأن كل الأحزاب الموجودة وافقت على إنشائه والكل مستفيد منه. قضية المرج تعكس النمط السائد في إدارة قطاعات الدولة من التحاصص الطائفي، ونحن كنا موجودين منذ اليوم الأول في الساحات، وقمنا برفع يافطات في مناطق عدة في بيروت وبعقلين وصيدا وجل الديب. المشروع سقط عملياً، ولن نفك الاعتصام من قلب المرج حتى يتوقف العمل في المشروع نهائياً”.

نقلاً عن “اندبندنت عربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى