تعميم مصرف لبنان.. مرحلة جديدة وانقلاب في النظام المصرفي؟* عزة الحاج حسن

النشرة الدولية –

لم يأت تعميم مصرف لبنان الأخير (رقم 536) في سياق تنظيم العمل المصرفي كسابقاته من التعاميم، بل أتى ليرسّخ بداية مرحلة جديد من العمل المصرفي، القائم بشكل أساسي على تدخل مصرف لبنان بتحديد أسعار الفوائد من جهة، وتقييد حرية الأموال بشكل شبه رسمي من جهة أخرى. وهو ما يمكن أن يمهّد للخروج من مفهوم اقتصاد السوق.

وبموجب التعميم المذكور، الصادر يوم الأربعاء 4 كانون الأول 2019، حدّد مصرف لبنان مستوى الفوائد المدينة، على نحو بات على مصرف لبنان أن يسدّد نسبة 50 في المئة من الفائدة المستحقة للمصارف عن ودائعها بالعملات الأجنبية بالليرة اللبنانية استثنائياً. كما خفّض نسبة الفوائد على الودائع لدى المصارف إلى 8.5 في المئة على الليرة و5 في المئة على الدولار، أما الودائع المستلمة قبل تاريخ صدور التعميم، فتطبق عليها الشروط الجديدة عند الإستحقاق. كذلك أجاز مصرف لبنان للمصارف أن تدفع 50 في المئة من قيمة الفوائد على الودائع بالعملات الأجنبية و50 في المئة بالليرة اللبنانية.

ماذا يعني ذلك؟ هل دخلنا مرحلة جديدة تقوم على تدخل مصرف لبنان في تحديد أسعار الفائدة بخلاف المرحلة السابقة؟ وإلى أي مدى سيحد هذا الأمر من وفود الأموال الأجنبية إلى لبنان؟ وماذا عن تأثير ذلك على تراجع إقبال المصارف على استمرار تمويل عجز الدولة؟

حكم الضرورة

في الحالات الطبيعية لا يمكن للمصرف المركزي أن يتدخل في تحديد أسعار الفوائد، ولكن البلد اليوم يمر بظروف استثنائية على كافة الصعد، حسب أمين عوّاد، عضو لجنة الرقابة على المصارف سابقاً، ومدير عام بنك لبنان والمهجر، في حديثه إلى “المدن”. وعلى الرغم من أن ارتفاع الفوائد تُعد حاجة في بلد كلبنان، تمكّنه من استقطاب الودائع، غير أن الوضع المتأزم سياسياً، وما يرافقه من قيود مصرفية مفروضة حالياً على حركة التحويلات، أصبح من الضرورة خفض الفوائد.

ويرى عوّاد أن أحد أبرز نتائج خفض الفوائد هو تراجع تكلفة إصدارات الدولة وانعكاسها حكماً على انخفاض مستوى خدمة الدين العام، “وبالعودة إلى الإصدار الأخير الذي كانت تعتزم الدولة إطلاقه قبل أن يتم إلغائه، كان من المرجّح أن تتراوح فوائده بين 11 في المئة و11.5 في المئة. أما اليوم بعد خفض الفوائد من قبل مصرف لبنان، من المتوقع أن يتم تحديد فوائد إصدارات الدولة بين 5 في المئة و5.50 في المئة”.

وعن قطع الطريق أمام أي احتمال لاستقطاب الأموال إلى لبنان، بعد خفض الفوائد، يوضح عوّاد أن التحويلات إلى لبنان باتت صعبة حتى وإن ارتفعت الفوائد إلى 13 في المئة، نظراً إلى الواقع السياسي المتأزم من جهة والقيود المصرفية القائمة من جهة أخرى. داعياً مصرف لبنان إلى تحديد وخفض الفوائد على عمليات الاقتراض في المرحلة المقبلة، في سبيل تحريك السوق والقطاعات الإنتاجية، وخفض حجم المخاطر على عمليات سداد القروض والحد من حالات التعثّر.

 تعميم جائر

ومع تحفّظ الكثير من خبراء الاقتصاد على تدخل مصرف لبنان بتحديد الفوائد، يؤيد الخبير الاقتصادي والاستاذ الجامعي، لويس حبيقة، في حديثه إلى “المدن”، روحية تعميم مصرف لبنان، مع دعوته إلى التطبيق بحذر. ويلفت إلى أن التعميم أتى جائراً في بعض جوانبه التي تتعلّق بتحديد الفوائد وخفضها. ومن المتوقع أن يميّز بين مودع وآخر في حال لم يُطبق بحذر ودقة.

وإذ لم ينكر حبيقة أن الإجراءات الواردة في التعميم جائرة “لكن لا بد من اتخاذها في ظل الظروف القاهرة الحالية”، يؤكد أن تحديد سقف الفوائد كان من الممكن أن يحقق مبتغاه بشكل أكبر فيما لو تم اتخاذه قبل عدة أشهر.

ويرى حبيقة أنه رغم تعارض التعميم الجديد مع طبيعة الاقتصاد اللبناني، الذي يستند إلى حرية حركة رؤوس الأموال، وعدم التحكّم بأسعار الفائدة.. ورغم أنه يُبعدنا عن اقتصاد السوق، يسأل “ما الضمانة على التزام المصارف بسقوف الفوائد الجديدة وما الرادع لتمييزها بين الزبائن من “تحت الطاولة”.

 خفض خدمة الدين

وعلى الرغم من حساسية موضوع تدخل مصرف لبنان في تحديد سقوف الفوائد، وتحفّظ العديد من خبراء الاقتصاد والمصرفيين على التعميم الأخير، غير أنه نال تشجيعاً واسعاً لجهة تداعياته الإيجابية على القطاعات الإنتاجية. إذ من المتوقع، حسب الخبير المالي تميم موسى في حديث إلى “المدن”، أن تشجّع الفوائد المنخفضة القطاعات الإنتاجية على استعادة نشاطها الإستثماري والإنتاجي، ملتقياً مع عوّاد على أن لخفض الفوائد ارتدادات إيجابية على خفض خدمة الدين العام.

وعن إمكانية استتباع التعميم الأخير بتعميم آخر، يحدد مصرف لبنان بموجبه السقف الأعلى للفوائد على الإقراض، على غرار تحديده للفوائد المدينة، يستبعد موسى أن يتم ذلك “إذ أن تدخل مصرف لبنان في تحديد الفوائد على الإقراض من شأنه أن يدفعنا في اتجاه الاقتصاد الموجّه. وهو أيضاً ما يُعد ضربة للاقتصاد الحر. ووفق موسى، لا يمكن أن يحصل ذلك.

نص التعميم

وكان مصرف لبنان قد أصدر بتاريخ 4 كانون الأول 2019، تعميماً وسيطاً رقم 536، موجّه للمصارف وللمؤسسات المالية، يتعلق بتعديل القرار الأساسي رقم 5258، تاريخ 1993/09/17 (القاضي بفتح حسابات ودائع بالعملة الأجنبية في مصرف لبنان).

وجاء فيه:

المادة الأولى: يضاف إلى القرار الأساسي رقم 5258 تاريخ 1993/09/17، المادة الرابعة مقرر التالي نصها:

المادة الرابعة مقرر: يقوم مصرف لبنان إستثنائياً، بدفع الفوائد على الودائع لآجل بالدولار الأميركي المودعة لديه، من المصارف العاملة في لبنان بنسبة 50 في المئة بالدولار و50 في المئة بالليرة اللبنانية.

كما تناول التعميم: تعديل المادة السادسة مقرر: حيث سيقوم مصرف لبنان إستثنائياً بدفع فوائد شهادات الإيداع بالدولار، المصدرة منه، التي تملكها المصارف العاملة في لبنان بنسبة 50 في المئة بالدولار و50 في المئة بالليرة.

وجاء في المادة الرابعة من التعميم: على المصارف العاملة في لبنان التقيد بالحد الأقصى لمعدل الفائدة الدائنة على الودائع، التي تتلقاها أو تقوم بتجديدها بعد تاريخ 04/12/2019، المبين في ما يلي:

5 في المئة على الودائع بالعملات الأجنبية (دولار أو غيره من العملات الأجنبية).

 

8.5 في المئة على الودائع بالليرة اللبنانية.

وفي التعميم الوسيط أيضاً يتم تسديد الفوائد على الودائع بالعملات الأجنبية (دولار او غيره من العملات الاجنبية) وفقاً لما يلي:

50 في المئة بعملة الحساب.

50 في المئة بالليرة اللبنانية، على أن يطبق على الودائع الموجودة لدى المصارف قبل تاريخ 5/12/2019.

وأخيراً أشار التعميم، إلى أن على المصارف العاملة، أن تعكس تخفيض معدل الفوائد الدائمة الناتج عن تطبيق أحكام هذا القرار، في إحتساب معدلات الفوائد المرجعية لسوق بيروت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى