تقديس الزعيم في لبنان… التيار الوطني الحر نموذجاً* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
تنشأ الأحزاب الشمولية على منهجية تقديس صورة زعيمها وعبادة شخصيته، لا تناقش فيما يصدر عنه، صواباً كان أم خطأًّ، وتبني عقيدتها على أن الزعيم لا يخطئ. وعادةً ما يستخدم رئيس الحزب الحاكم لوبيا إعلاميا وأبواقا صحافية لنشر بروباغندا مبالغ فيها أغلب الأحيان، بالإضافة إلى فريقٍ وجهازٍ وظيفتهم الترويج للنظام والدفاع عنه حتى لو كان ما يُروّج كذباً وغشاً. الخلاصة، ينبغي إظهار الزعيم بصورة الأب القائد المدرك لتفاصيل دولته ومواطنيها، بأسلوب يصل إلى حد التأليه والعبادة، وهذا ما نراه عادةً في الأنظمة الاستبدادية.
لكن الصادم أن نشاهد ظاهرة تقديس الزعيم في الدول التي تعدّ ديمقراطيةً، كلبنان مثلاً. ذلك أنه من الطبيعي أن يؤيد المواطن زعيمه، لكن ما يعدّ غير طبيعي على الإطلاق تقديسه ووضعه في مصاف الأنبياء، وهذا ما يشوّه وجه الديمقراطية والعمل السياسي.
اجتماع لتكتل “لبنان القوي” برئاسة وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل
هتافات التقديس
يطالعنا الأنصار والمحازبون في المناسبات الحزبية والسياسية بهتافات “بالروح بالدم نفديك يا فلان”، كما درجت العادة في احتفالات حزب الله أن تهتف الجموع بـ”الله ونصر الله الضاحية كلا”، كما جماهير تيار المستقبل، بـ”الله حريري وطريق الجديدة”.
لكن ما فعله جمهور التيار الوطني الحرّ وأنصار رئيس الجمهورية ميشال عون، عند مدخل قصر بعبدا في تظاهرة لتأييده يوم الأحد الماضي، كان متطوراً لناحية التعبير.
صحيح أنه منذ تولى عون الرئاسة وُصف بأنه “الرئيس القوي”، ومن ثم تلت أوصاف أخرى مثل “العهد القوي” و”التيار القوي”، لتجمع القوة جميع هذه الأوصاف. لكن أن يقال إن عون هو “الله على الأرض”، و”الله في السماء على عرشه، على يمينه ميشال عون وعلى يساره جبران باسيل (وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر)، ونحن على الأرض”، فهذا ما يعدّ تأليهاً وعبادةً لصورتي الرئيس وجبران باسيل.
الجهل عوض الديمقراطية
يقول الكاتب الصحافي يوسف دياب لـ”اندبندنت عربية” إن “هذا يدلّ على عاملين، بعض من اللبنانيين ما زالوا يعانون من الجهل الذي يتحكّم بهم وليس الديمقراطية، إذ إن الزعيم عندما يكون مرتاحاً يتاجر بهم ويقودهم كالقطعان، وعندما يقع في أزمة يدفع بهم لمواجهة الطرف الآخر، وعندما يتصالح مع خصمه تأتي المصالحة على حساب هذا المواطن. لا يزال المواطن اللبناني بحاجة إلى الكثير من الأهلية والتربية المدنية والثقافية. لكن هذا الحراك بدّل إلى حد كبير في المشهد السياسي، فشاهدنا في كثير من الساحات مواطنين خرجوا من عباءة الزعيم وهتفوا ضده، وبدأوا ينادون بالحرية وبمطالبة الدولة بحمايتهم. لكن للأسف، ما زال هناك أشخاص تربطهم بالزعيم انتماءات لأنهم حققوا من خلاله مكاسب ومنافع شخصية”. ويضيف دياب “إذاً نحن أمام مشهد متناقض، ولكن قد تكون حالة الوعي بدأت تتغلب على الجهل الذي يسود في كثير من المجتمعات. بجميع الأحوال، نحن بحاجة إلى دولة مدنية تحمي المواطن وحقوقه كي نخرج من حالة التبعية”.
لكن لا بد من الإشارة إلى أن لجوء أنصار التيار الوطني الحر إلى هذه التشبيهات ليس المرة الأولى، فحين نزلوا إلى الشارع سابقاً تحت ذريعة المطالبة بحقوق المسيحيين، خرجت إحدى السيدات وقالت عن عون إنه آخر الأنبياء المرسلين على الأراضي اللبنانية. ما يطرح سؤالاً جدياً عن الأسباب وراء هذه الهستيرية عند الحديث عن عون وإضفاء هالة من القدسيّة عليه وترداد عبارات كهذه من دون وعي.
يقول دياب “في الماضي كنا نتحدث عن جاهلية بعض الطوائف، وعن وعي ورؤية المجتمع المسيحي، ولكن للأسف ما حصل مع التيار الوطني أظهر هذا المجتمع بأبشع مما كان في الجاهلية الوسطى والرجعية، وبصورة لم يسبق أن رأيناها بتاريخ المجتمع اللبناني، والمحزن أن من يهتفوا بهذه الشعارات ليسوا مستفيدين، بل يُستخدمون من قبل مرجعيتهم لتصرفات كهذه، ما يدل على أن الجاهلية ما زالت تتحكم ببعض المجتمعات اللبنانية. للأسف ما زال هناك من يعبد ويقدّس أصنام الزعامات السياسية”.
نادوا بالأمر وفعلوا عكسه
في هذا السياق، يقول مصدر مراقب مستقيل من التيار الوطني الحر، “إن المسألة مشكلة هوية وتناقض في التطلعات، إنهم يريدون محاربة الفساد وهم من يمارسونها، ينادون بالعلمانية ويطالبون بحقوق المسيحيين، ويحاولون تغطية السماوات بالقبوات. دخل التيار في عمق وتفاصيل السلطة وما زال يعتبر نفسه في المعارضة، من الفساد إلى التوريث السياسي عبر تعيين وزير الخارجية جبران باسيل رئيساً للتيار الوطني الحر وإلغائه منطق الانتخابات والديمقراطية التي كان يدّعيها. الوزير باسيل اشترى طائرة خاصة من الوزير السابق عدنان القصار بمبلغ يفوق 20 مليون دولار، وحُكي أخيراً عن مشروع نادي اليخوت المرخص، وشرائه عقارات في المدينة (مدينة البترون مسقط رأس باسيل)، واستئجاره عدداً من العقارات في سوقها القديمة. كل هذه التظاهرات المؤيدة (لعون) وتقديس باسيل مع الرئيس وجعلهما بمصاف القديسين، هرطقة وتجديف وما هو إلا بروباغندا لتغطية الموضوع الرئيس وهو فساد المسؤولين في التيار”.
يضيف المصدر “هم من نادوا بالإبراء المستحيل (ضدّ تيار المستقبل)، لكنهم لم يطبقوا منه شيئاً، أضف إلى ذلك أن الرئيس عون مسؤول سياسي ليس طوباوياً ولا قديساً، ومن يكون في موقع المسؤولية يكون أكثر عرضة للانتقادات، ويحق لأي مواطن أن يسائله وينتقده، وكنا نتمنى أن يخرج عنهم بيان استنكار أو تفسير لما حدث أمام قصر الشعب (لقب للمقر الرئاسي) في بعبدا، لكن الواضح أنهم سعداء بهذا التقديس، نحن مسيحيون ونؤمن بيوم الحساب الأخير وهم سيحاسبون كأي مسيحي”.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”