اللبنانيون يختلفون على الانتحار أيضاً* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
هزت المجتمع اللبناني، في الأيام القليلة الماضية، حوادث انتحار بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وخصوصاً أزمة الصرف من العمل وتراكم ديون المواطنين، في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية.
ناجي الفليطي من بلدة عرسال البقاعية، أقدم على الانتحار شنقاً، بعدما طلبت منه ابنته ثمن منقوشة سعرها نصف دولار، لكنه لم يستطع تلبية طلبها، فدخل غرفة ثانية في بيته وشنق نفسه.
داني أبو حيدر من منطقة النبعة شمالي بيروت، أطلق رصاصة على نفسه، ما أدى إلى وفاته على الفور. وفيما تناقل مواطنون على وسائل التواصل الاجتماعي أن سبب انتحاره هو صرفه من العمل، نفت ذلك الشركةُ حيث كان يعمل. وبقي السبب غامضاً.
أنطونيو طنوس من بلدة سفينة الدريب في منطقة عكار، شمالي لبنان، عنصر في قوى الأمن الداخلي، عُثر على جثته داخل حقل، وإلى جانبه مسدسه الأميري.
وغيرها من محاولات الانتحار.
من الطبيعي أن يتعاطف الناس مع حدث الموت، لكن ما حدث بالتزامن مع توالي حالات الانتحار، هو أن ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتغريدات ومناشير سخرت من المنتحرين.
فبعدما حمل كثيرون مسؤولية ما يحصل للسلطة، امتعض البعض الآخر من هذه الاتهامات. فكتبت مراسلة في قناة OTV التابعة للتيار الوطني الحر على صفحتها على فيسبوك، داعية إلى عدم تحميل مشاكل البلد الإجتماعية والسياسية مسؤولية إقدام المكتئبين، أو اليائسين على الانتحار!
هناك من تمادى بالسخرية، إذا غردت إحداهن، “حطيت فحم وجيت لأعمل أرغيلة ما لقيت معسل، بدي انتحر”. وآخر كتب، “فتت (دخلت) بدي اتحمم (أريد أن أستحم) ما لقيت ماي سخنة، بدي انتحر.”
على عاتق السلطة
يقول الدكتور رافي كايبكيان: “لا يمكن القول إن لبنان متأثر بثقافة الانتحار أو إن الانتحار أصبح سلوكاً اجتماعياً، هذه حالات خاصة تأثر أشخاصها بظروف معينة أوصلتهم إلى إنهاء حياتهم بهذه الطريقة. قد تكون الظروف الاقتصادية سرعت الانتحار، لكن لا بد من القول إن لدى شخصية المنتحر استعداداً وإضطراباً في الشخصية، وهي حالة مرضية تحتاج إلى علاج طبي، على الناس المحيطين بهكذا شخصيات، أهل أو أصدقاء، الانتباه لهم واللجوء إلى متخصص لعلاجهم.”
لكن لماذا تزداد حالات الانتحار حالياً بهذه الظروف التي يمر بها البلد؟
يجيب كايبكيان “هناك حالات انتحار كثيرة مرت ولم ينتشر خبرها في الإعلام، الظروف الاجتماعية والاقتصادية تسرع من لديه استعداد للإقدام على الانتحار. يجب أن يتابع الموضوع على غير مستوى. هنا كان السبب الاقتصادي الدافع الأهم، وقد تختلف الأسباب بالنسبة إلى حالات أخرى. هناك أكثر من مئات آلاف المواطنين يتظاهرون وأكثر من نصف الشعب اللبناني في حالة اقتصادية صعبة، فهل يقدم هؤلاء على عملية انتحار جماعي.”
لكن ماذا عن مواقف السخرية والشماتة بالانتحار؟
كايبكيان “لا تعبّر هذه المواقف عن حضارة. تتنوع المستويات الثقافية في لبنان. ويجب معاملة حدث الموت باحترام. حالات الاستهزاء والسخرية غير مقبول بها. وهذا يدفعنا إلى الحديث عن مواضيع كثيرة تعامل بالاستخفاف ليس فقط الانتحار. هنا تبرز أهمية ثقافة الحوار والاختلاف، وهناك كثيرون من اللبنانيين يفتقدون إلى هذه الميزة. ومعالجة الأزمات تقع على عاتق السلطة، وبدل المواقف الشخصية لحل النزاعات يجب على السلطة اعتماد الحوار للوصول إلى نتائج تهم المصلحة العامة، ليست كل المواضيع قابلة للتسييس وخصوصاً حوادث الموت.”
إذن، هل هي أزمة قيم؟
“هذا الموضوع متشعب. الشعب اللبناني متعلم ومثقف، لكن يفتقد إلى البنى الفكرية لمعالجة الشأن العام. وهذا ما نعاني منه منذ عشرات السنين، إذ إن الأشخاص الذين ينالون قسطاً كبيراً من التعليم لا يجدون مكاناً في لبنان بسبب تركيبته والهيكلية المبني عليها، حيث الفساد ينهش كل قطاعات الدولة، فيضطرون إلى الهجرة للبحث عن الأمان في بلاد تحترم حق الإنسان وتؤمن له ضمانات. إنها ليست أزمة قيم فحسب، بل مسؤولية جماعية. المواطنون والسلطة عليهما النهوض بالمجتمع.”
انهيار المنظومة القيمية
وتوقفت مجموعة “إعلاميون من أجل الحرية” أمام “تعليقات مواطنين وإعلاميين حفلت بالسخرية والشماتة والكراهية، وهي سابقة لا تعكس انهيار المنظومة القيمية فحسب بل تترجم حالة الفوضى والازدراء بالقانون الذي يجرم كل من ارتكب هذه الأفعال المشينة”.
ودعت الجمعية، في بيان، “القضاء اللبناني إلى التحرك ومعاقبة كل من تجرأ على حرمة الموت، كما نضع هؤلاء وما أدلوا به بتصرف جميع منظمات حقوق الإنسان والهيئات المعنية برصد هذه الأفعال ومن يقومون بها.”
نقلاً عن اندبندت عربية